منذ إستلام الحزب البعث العربي الأشتراكي للحكم في سوريا عمل على نشر النعرات العنصرية والشوفينية بين أتباعه وأنصاره بالضد من الشعب الكردي المسالم في سوريا وشنّ حملات ديماغوجيةٍ متواصلةٍ عليه منذ إعلان عن تأسيسه بعد أستقلال سوريا ، أحياناً بإسم العروبة والوحدة العربية وأحياناً أخرى بإسم محاربة الإمبريالية والصهيونية العالمية وأخرها بإسم الأشتراكية.
بهذه المنطلقات تمكّن النظام البعثي المقيت على خلق حالةٍ عدائيةٍ في نفسية المواطن العربي السوري إتجاه جاره الكردي في عرض البلاد وطولها لا بل في الأجزاء الأخرى من كردستان المقسمة ، وما إرسال فرقة من الجيش السوري في بداية الستينيات القرن الماضي لمحاربة المقاتلين الكرد (البيشمركه) في كردستان العراق إلا مؤشر على هذه الحالة العدائية للبعث السوري نحو الشعب الكردي وحركته التحررية الديمقراطية فأبى أن يعترف بوجود قومية أخرى على الارض السورية سوى القومية العربية وعمل على تحويل الدولة السورية إلى سورية للعرب وفيما بعد سورية للأسد وحسب ، إنّ تلك الدعاية الشوفينية فعلت فعلها في معظم سوريا وبالأخص في المناطق المتاخمة لكردستان في شرقي حلب والرقة ودير الزور و الحسكة.
يقول الكاتب السوري ياسين الحاج الصالح في مقالة له : “تطل هذه المشاعر غير المتوقعة على واقع تمييز مركب وغير احادي الجانب في منطقة الجزيرة الكبرى التي تضم محافظات الحسكة ودير الزور والرقة. فخلال الصراع المرير بين النظامين البعثيين في الثلث الاخير من القرن العشرين كانت الجزيرة تعتبر عراقية الهوى. ولم يكن غريبا ان اكثر معتقلي “اليمين المشبوه”، وهو الاسم المعياري للبعثيين السوريين الموالين للنظام العراقي، هم من ريف حلب الشرقي ومحافظات الجزيرة الثلاثة. ومع ذلك فان شكاوى عرب المنطقة تبدو موجهة ضد الاكراد وليس ضد السلطات ” أنتهى الأقتباس ، فكان العرب هذه المناطق أكثر السوريين تعصّباً وحقداً على الكرد وقد يتراءى للمتتبع السياسي ما نقوله عندما نسلط الضوء على بعض الجوانب التاريخية إبتداءاً من تطبيق الحزام العربي عام 1974 ، فكان الرقاويين المادة التنفيذية لذلك المشروع العنصري البغيض حيث تم توطين أكثر من أربعة آلاف عائلة رقاوية على طول الحدود التركية موزعين على أكثر من 35 قرية نموذجية في غربي كردستان وعلى مسافة بلغت حوالي ثلاثمائة كيلومتراً وبعمق عشرة إلى عشرين كيلومتراً لم يتوقفوا أولئك المغمورين عند دورهم التنفيذي الموكّل لهم من قبل البعث الحاكم وحسب بل عملوا وبالدعم من بعض ممثليهم في القيادة القطرية لحزب البعث على التوسع في ضم المزيد من أراضي الفلاحين الكرد الذين كانوا قد أستصلحوها بعرق جبينهم وعملهم المضني على مر السنوات ، كما عمل أهالي ديرالزور الجارة على إثارة فتنةٍ في مدينة القامشلي وبإيعاز من الجهات الحكومية والأمنية العليا إبان سقوط ديكتاتورية صدام حسين أدى بأهل المدينة إلى قيام بإنتفاضة شعبية عارمة شملت فيما بعد كافة أرجاء مناطق تواجد الكرد في سوريا بما فيها العاصمة دمشق رفضا للإضطهاد والقهر والأستبداد الممارس ضدهم .
واليوم وبعد إعلان عن إمارة إسلامية في الرقة من قبل دولة الشام والعراق الأسلامية وجبهة النصرة أصبح الشعب الكردي هدفاٍ لتلك المجموعات المتخلفة والارهابية والذين أباحوا دماء الكرد ونسائهم وأموالهم بعد صدور فتاوى التكفيرمن قبلهم ، أنّ التماهي العروبي الأسلاموي في إطارتلك الجماعات الأرهابية أفرز حالةً تحمل في طياتها العداء الفاضح للوجود الكردي في تلك البقعة من أرض كردستان التاريخية وإن دلّ هذه الهجمات العنيفة والوحشية على الشعب الكردي في كوباني وتل الابيض(كري سبي ) ورأس العين (سريه كانيه ) وكركي لكي وغيرها ، فإنّما يدلّ على أستهدافهم للوجود الكردي مستخدمين كافة أشكال القوة والترهيب بحقهم .
لم يكن الكرد على مدى التاريخ عاملاً للتوتروالهدم في المنطقة بقدر ما كانوا عاملاّ للبناء والتعاون بين شعوب المنطقة على الرغم من تعرّضهم للإضطهاد على أيدي مستعمريهم في تركيا وأيران والعراق وسوريا ، كانوا وما زالوا يؤمنون بالأخوة التاريخية التي تربط شعوب المنطقة والتي لا بديل عنها ، ولكن الحمقى لم يستيطيعوا يوما من الأيام أن يفهموا هذه الحقيقة بل فسروها بضعف الكرد وعملوا على العكس من ذلك فحاولوا صهرهم وإزالتهم من النسيج التاريخي للمنطقة بشتى الوسائل بما فيها أستخدام الأسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا ولكنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً ، وها هم الكرد اليوم واقفين صامدين في وجه أعتى قوة كونية على وجه البسيطة ألا وهي منظمة القاعدة الأرهابية .
بلا شك إنّ الشعوب الحرة مدينون للكرد على هذه المقاومة الشجاعة والذي يقدّمون قوافل الشهداء من أجلهم ويتوجب عليهم تقديم كافة أشكال المساعدات اللوجسية والمعنوية لهم حتى يتمكنوا من الأنتصار في قضيتهم العادلة ضد الهمج والظلامييين وكيلا تتحول سوريا إلى افغانستان الثانية .