مما لا شك فيه إنّ أفضل أشكال الحكم على مر التاريخ هو الحكم الديمقراطي وإنْ كان يعتريه بعض المثالب والنواقص ، كونه الأقل سوءاً والأكثرفاعليةً بالمقارنة مع الأشكال الأخرى من أنظمة الحكم مثل التوتاليتارية والديكتاتورية والأوليغارشية والثيوقراطية وغيرها ….
على الرغم من مرور سنوات طويلة من عمر أول التجربة الديمقراطية في التاريخ والتي ظهرت في بلاد الإغريق قبل الميلاد بحوالي أربعمائة سنة إلا إن ّهذا الشّكل من أنظمة الحكم لم يتجسد في هيكلية بنيوية واحدة بل أتصف بالتمايز والإختلاف من تجربة إلى أخرى وإتّصف بالدينامية والتغييرولكن جل التجارب الديمقراطية تتقاسم المفاهيم الأساسية التي لاغنى عنها في أي نظام ديمقراطي والذي من دونها يستحيل أن نسميه نظاماً ديمقراطياً ومن هذه المفاهيم التداول السلمي للسلطة والتعددية الحزبية والإحتكام الى إرادة الشعب في تعيين حكامه والإقتراع السري والمباشر لفترات زمنية معينة أضف إلى فصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفصل الدين عن الدولة و ضمان حرية الإعلام والصحافة كجهات رقابية علاوة على ضمان الحريات العامة والخاصة وصيانتها .
المرونة والتنوع والتجديد هو سر صيرورة التطور للتجارب الديمقراطية في العالم ،فالنظام الديمقراطي قد مرّ في مراحل متنوعة إلى أن غدا منظومة فكرية متسقة ليس للحكم فحسب بل كسلوك عام بين البشر ، ففي اليونان القديمة كان يحق للذكرالحر فقط الحق في الإنتخاب والمشاركة في إدارة الشؤون العامة ، لم يكن للمرأة والعبيد الحق في ذلك ،ومن ثم إتسع هذا الحق شيئا فشيئا إلى أن شملت فئات أوسع في المجتمع ولا سيما بين المواطنين الذكور ….ويفيد الذكر إنّ هذا الحق ظلّ حكراً على الذكورفقط إلى زمن ليس ببعيد فمظم الدول لم يمنحوا حق التصويت والترشيح للمرأة إلا في بدايات القرن العشرين .
ومن الملاحظ اليوم الدول التي إتّخذت من الديمقراطية كأسلوب للحكم وكعلاقة بين الناس تطورت وتقدمت بشكل متسارع وبخطى حثيثة في مختلف مجالات الحياة على الخلاف من الدول الأخرى المتبنية لأشكال الأخرى من أنظمة الحكم ويكفينا ان نسلط الضوء على الكوريتين(الشمالية والجنوبية) والهوة الشاسعة بينهما على الرغم من إنحدارهما من أصل واحد ، فالعمل الجماعي والمشترك وفسح المجال أمام المبادرات الفردية والإبداع العلمي وإشراك جميع فئات المجتمع في التخطيط وإتخاذ القراروتنفيذه من خلال المؤسسات الحكومية والأخرى للمجتمع المدني من أهم عوامل التقدم .
إنّ السوريين منذ أكثر من ألفي عام لم يتذوقوا طعم الحرية إلا لفترات قصيرة على حد علمي إبتداءاً من الحكم الروماني وثم الإسلامي و العثماني فالفرنسي وأخيراً حكم البعث وآل الأسد ، ألم يحن الوقت بعد ليحكم هذا الشعب العريق نفسه بنفسه لنفسه كما سائر الأمم العظيمة ؟ لماذا على السوريين دفع هذا الكم الهائل من الدماء حتى يستعيد حريته وكرامته ويمارس حقه الطبيعي في إدارة شؤونه العامة ويرسم سياساته ويختار الأنسب والأصلح لمصالح بلده ؟ لماذا يُحرم السوريين من إختيار حكامه كما حرم العبيد في بلاد الإغريق قبل الميلاد ؟….
كل هذه الأسئلة وغيرها يقودوني إلى القول بإنّه لا سبيل أمام السوريين سوى طريق الديمقراطية ، فالتخلص من الديكتاتورية القومية والإرتماء إلى حضن الديكتاتورية الثيوقراطية كرد فعل أولي خطأ بعينه ،لا بل كارثة بعينها وسيلقى رفضا شعبياً عارما ولربما ثورة شعبية أخرى ، لم يعد السوريون قادرون على خوض التجارب على شاكلة الأنظمة البائدة سواء بأسماء القومية أو الدينية أو الأيديولوجية ، فسوريا لا تستقيم إلا بنظام حكم ديمقراطي كونها متعددة الإثنيات والطوائف والأديان ، وإنّ إتخاذ أي خيار آخر سوى خيار الديمقراطية سيدفع بسوريا إلى مرحلة الدولة الفاشلة والإقتتال الطويل الأمد بين أبنائها ولربما إلى تفكك الدولة ، ومن هنا ينبغي أن يلتئم جميع القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي كخيار إستراتيجي في إئتلاف سياسي واسع ليتمكنوا من الوقوف معا في مواجهة قيم الإستبداد والطغيان وفي مقدمتها قيم الأستبداد الديني والتطرّف المذهبي والتعّصب الشوفيني ، من خلال توعية الرأي العام السوري بضرورة التخلص من الديكتاتورية بكل أشكالها وألوانها وإيجاد البديل الديمقراطي يضمن حق جميع السوريين في إقامة نظامه الأقتصادي والأجتماعي يعبّر عنه ويمثّل ارادته الحرة .