فرهاد ميرو: الكرد والتحولات الجيوبوليتيكية في المنطقة

Share Button

13بإلحاق جزء من كردستان بالدولة السورية وفق اتفاقية سايكس بيكو شرع الكرد في المساهمة بالحياةالسياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها ولم يتوانوا قط في الدفاع عنها وحمايتها ، إلّا انهم استبعدوا عنوة  ولدواعي عنصرية وشوفينية بغية اجبارهم على ترك موطنهم التاريخيوصهرهم في بوتقة الامة العربية ولا سيما بعد الوحدة السورية المصرية وانقلاب البعث على الحكملاحقاً .

ومع بزوغ تباشير الثورة السورية في ربوع درعا الابية آثر الكرد في غربي كردستان  ومن دون التردد المضي قدما معها وسارعوا  بمساندتها بعيدا عن لغة المصالح والحسابات السياسية ، لا بل نزعوا نحو غريزتهم التحررية ووجدانهم الانساني الحر وحسهم الوطني العالي

بهذه الصورة انغمس الكرد في الثورة على المستوى الشعبي بدايةً ومن ثم على المستوى السياسي فبادروابإنشاء المجلس الوطني الكردي ليكون عاملا قويا في معادلات الثورة الشعبية حتى اسقاط النظام الديكتاتوري الحاكم في دمشق
ولإدراك النظام دور الكرد في المعادلة السورية سارع منذ بدايات الثورة  الى التقرّب منهم وقدم لهم شتى  المغريات لجذبهم نحوه وكان اول هذه الامور هو اعادة الجنسية للكرد السوريين وتبعها دعوة قادة الحركة السياسية الكردية الى دمشق اكثر من مرة للتحاور وتقديم المزيد لهم ولكن الكرد رفضوا كل اشكال التحاور مع النظام وظهر ذلك جلياً في ادبيات المجلس الوطني الكردي قاطعا كل التكهنات بهذا الشأن والتي اكدت على عدم التحاور مع النظام بشكل منفرد .

ولكن كان الكرد على الرغم من  تلك الاغراءات التي كانت يقدمها النظام وانطلاقا من الانسجام مع الذات الكردية التواقة الى التحرر كانوا يهرولون وراء معارضة ضائعة في ازقة وطرقات الدول المجاورة ولم تكن تلقى آذانا صاغية منهم ومنذ ذلك الحين هم يهرولون وراءهم ولكن كان هروب المعارضة  اسرع من هرولة الاحزاب الكردية السورية نحوهم وذلك لان المعارضة  لم تكن تملك ارادتها السياسية و الخبرة في العمل السياسي فضلا عن موروثهم الثقافي العنصريالمعادي للشعب الكردي .

اليوم وبعد بروز الكرد كقوة عسكرية كبيرة على الساحة السورية وتقديم نماذج اسطورية من المقاومة والدفاع عن الذات في مناطقهم ضد الكتائب الاسلامية المتشددة التابعة لمنظمة القاعدة فضلا عن اثبات قدرتهم على مدى اكثر من عامين على الحفاظ على الامن والسلم الاهليين في مناطقهم ونجاحهم في الحفاظ على العلاقات الاخوية التي تربط بين مكونات المنطقة من العرب والاشور والسريان  بعيدا عن العقلية الثأريةاجبر كل القوى الدولية والاقليمية على الاعتراف بدورهم كحامل للحالة الوطنية السورية وضامن للتوافق بين مختلف المكونات السورية فغدوا رقما صعبا يُعتمد عليه في حل المعادلة السورية ويمكن القول ان الكرد منذ هذه اللحظة التاريخية  يدخلون في خضم الحسابات الاقليمية والدولية  بقوة بعد تجاهل امتد لعقود من الزمن ومن المؤشرات على ذلك ،التنافس بينايران وتركيا واللتان يعتبران العدوين التاريخيين للوجود الكردي في المنطقة لاستحواذ على الورقة الكردية في سوريا و كسبهم الى جانبهم واللتان لكل منهما اهدافٍ واجندات  مختلفة عن الآخر فتركيا تريد من الكرد السوريين تأمين حدودها من منظمة القاعدة الارهابية فضلا عن رغبتها في ترويض الكرد  في اطار الائتلاف الوطني السوري للمعارضة والثورة للحيلولة دون تشكيل كيان كردي على حدودها الجنوبية   وايران ترغب في كسب الكرد الى جانب النظام في دمشق ولو لحين حتى انعقاد مؤتمر جنيف الثاني المزمع عقده لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية وبالطبع هناك اطراف ذات الثقل تدعم الرؤيتين فروسيا تدعم الرؤية الايرانية لا بل تسعى هي الاخرى لإرضاء الكرد فليس عبثا تصدر عن الوزارة الخارجية الروسية ثلاثة بيانات لإدانة هجمات الاسلاميين المتطرفين على الكرد الآمنين في قراهم ومدنهم  ، كذلك الحال الدول الغربية فرنسا وبريطانيا وامريكا هي الاخرى تدعم المقاربة التركية للوضع الكردي ولو بشكل غير ملحوظ كما في الحالة الاولى. يمكن القول انه لأول مرة يلحظ المراقب السياسي دور الكرد في المشهد السوري بشكل لافت وذو اعتبار يُذكر،فالتصوّر الذي كان عليه مجمل الحركة السياسية الكردية حول دور وقوة الكرد في سوريا لم يتجسد على ارض الواقع ولم يتعد كونه  مجرد تصور وحسب،ويجب ان نعترف بانهلولا  المقاومة الاسطورية لوحدات الحماية الشعبية ضد المجموعات الدينية المتطرفة والمرتبطة بالقاعدة لبقي ذلك التصوّر مجرد وهم وحسب في أذهان الحركة السياسية الكردية لان السياسة لا تعترف بالضعفاء ولو كانوا حكماء.

الآن والآن فقط  في اطار التحولات الجيوبوليتيكية في المنطقة ، الحركة السياسية الكردية امام عدة خيارات على الخلاف  مما سبق حيث كانوا امام خيارين لا ثالث لهما ،احلاهما مر ، اولهما الانطواء في معارضة لا تقبل بحقوقهم كشعب وثانيهما البقاء خانعين اذلاء في كنف النظام الديكتاتوري في سوريا والعمل بالضد من قيمهم الانسانية ، واما الان هناك خيارات اخرى للكرد يجب ان يطرحوها على الطاولة ولكن مع الكثير من الحرص وبالتنسيق مع المعارضة الوطنية السورية واطراف ذات الشأن  واهم تلك الخيارات هو النأي بالمناطق الكردية ذات الخصوصية القومية عن النظام و المعارضة على حد سواء وبالتالي انشاء شكل من اشكال الادارة الذاتية او الحكم الذاتي وبمشاركة جميع مكونات المنطقة واعتقد ان هذا الخيار هو الانسب للكرد في سوريا وعلى جميع الاطراف الاعتراف بهذه الصيغة  وتقديم الدعم لها باعتبار تلك المناطق اصبحت الملاذ الآمن الوحيد للكثير من السوريين من مختلف الاطياف والاديان والاعراق ، يبقى ان نشير الى الحرب المعلنة من قبل جبهة النصرة ودولة الشام والعراق الاسلامية  ضد الشعب الكردي في غربي كردستان ، فان هذه الحرب هي ليست حرب الكرد ولكنها مفروضة عليهم ،هي عمليا الحرب بين المشروع الوطني الديمقراطي المدني والمشروع الديني الاستبدادي البدائي  ، لذلك اقول هي ليست حرب الكرد فحسب  انما هي حرب جميع الشعوب الحرة التي تناشد الديمقراطية والكرامة والحرية ولذلك على الجميع مد يد العون للكرد ليتمكنوا من دحر الارهاب في مهدها لما فيه خير سوريا وخير العالم .

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد 84 من جريدة التقدمي

صدر العدد (84) من جريدة التقدمي الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في منظمة ...