في الوقت الذي تتصاعد فيه أعمال العنف في سوريا وتسد فيها أفاق الحل السياسي بسبب تمسك السلطةالحاكمة من جهة وأطراف المعارضة من جهة أخرى بالحل العسكري والأمني وفي قلق جدي على مصير سورية والمجتمع ويأس قطاعات شعبية واسعة من امكانية الحسم العسكري لصالح أحد الطرفين بسبب توازنات القوى العسكرية والسياسية سواء على المستوى العسكري الميداني أو على المستوى السياسي الدولي.
وفي هذا الوقت يطرح تساؤل محق هل هناك فرصة لحل سياسي ينهي الأزمة ويضع حداً لهذا الاستنزاف في القوى وفي الضحايا وفي بنية المجتمع أم أن الأزمة السورية محكومة بمسار تدميري لا يمكن تجاوزه ممايستوجب التماشي معه حتى النهاية هناك قناعة واضحة على أن الحل السلمي والسياسي للازمة السورية هو الممكن الوحيد وهو وحده طريق الانقاذ وهي قناعة قائمة على قراءة للواقع الراهن ولموازين القوى من جهة. وعلى تحقيق الأهداف المطلوبة من جهة أخرى في ظل تعقيدات ومتطلبات التغيير. فالأزمة السورية ناجمة أصلاً عن طبيعة النظام الحاكم في سورية منذ مايزيد عن عقود على الأقل.
فالنظام الاستبدادي الشمولي وما انتجه من فساد وتعطيل للحياة السياسية ومن مظالم اجتماعية ومن اهدار للقيمة الإنسانية للفرد والجماعات ووضع سوريا خارج إطار التقدم المطلوب، بل خارج التاريخ، وأضحى النظام الحاكم عاجزاً عن أي اصلاح أو تطوير ايجابي من داخله وهو ما استوجب الثورة على النظام التي جاءت في سياق الثورات وحركات الاحتجاج الشعبية في أكثر من دولة.
فالثورة التي انطلقت سلمية وتحت شعارات الحرية والكرامة استطاع النظام أن يفرض عليها التحول إلى ميدان العمل العنفي المسلح عبر عنفه المنفلت لكن هذا الانفلات هو الذي خلق حاضنة للعنف المضاد وهو أدى في النتيجة لاختلاط بين مبررات ومشاريع وأجندات خاصة داخلية وخارجية ومشاريع لأنظمة استبدادية تختلف مع النظام في حامله الاجتماعي والإيدولوجي وتلتقي معه في طابعه الاستبدادي.
وقد ظهر هذا التدخل عبر صراع الشعارات حيث طرح شعار أسقاط النظام كهدف مركزي مقابل شعار التغيير الديمقراطي ولم يكن هذا الطرح عبثياً ولا لمجرد الإثارة الشعبية حيثُ أن شعار أسقاط النظام روج له بقوة عبر حملات اعلامية وسياسية منظمة فتحت الطريق أمام الأجندات الخارجية وشرع مسائل أسياسية مثل طلب التدخل العسكري. والمناطق الأمنة. والحظر الجوي وشرعنة انتشار العمل العنفي من قبل قوى متطرفة ظلامية.
لكن يبقى الهدف هو التغيير الديمقراطي الجذري والشامل اسقاط النظام الديكتاتوري الفاسد لحساب الدولة المدنية الديمقراطية مدركة أنه لا يجوز تحت أي اعتبار والتنازل عن هذا الهدف وإضاعة فرصة التغيير التاريخية حيثُ أن الإبقاء على النظام يعني العودة بسوريا إلى حالة شديدة الظلامية.
والآن سوريا أضحت مدولة بشكل كبير للارتهان الاضطراري والعملي لقوى الصراع الخارجية الداعمة والممولة والمسلحة مالم يعد من الممكن التحكم للقوى المحلية في ادارة الصراع وحسمه بل بات محكوماً أيضاً بالتوافق الدولي و عبر المفاوضات الروسية والأمريكية.
أما عن طبيعة الحل السياسي وآلياته
الانطلاق من قضية ايقاف العنف باعتباره المدخل لأي حل سياسي كما أن وقف أطلاق النار المتزامن لا يمكن أن يتحقق بإرادة ذاتية للمقاتلين مما يقتضي وجود قوة قادرة على فرضه والقوة الوحيدة القادرة هي المجتمع الدولي، أي توافق القوى الداعمة والمؤثرة على قوى العنف والمالكة لمصادر تمويله وتسليح المتعارضين وحجب الحماية عنهم.
ومن أجل ذلك أرى ضرورة توافق أمريكي ـ روسي، وادخال قوات حفظ سلام دولية تملك صلاحية تطبيق هذا القرار. والبدء بعملية تفاوضية بين النظام والمعارضة بكل أطيافها برعاية الأمم المتحدة ويتم تحديد كل متطلبات العملية التفاوضية وتحديد وقت للانتقال السلمي للسلطة إلى هيئة حكم انتقالي والعمل على إحداث نظام اتحادي ديمقراطي تعددي يصون حقوق كافة مكونات المجتمع السوري بكل أطيافه الدينية والقومية والأثنية.