أنهى اللقاء التشاوري لاتحاد الديمقراطيين السوريين أعماله في القاهرة أخيرا، وأعلن في جملة قراراته السعي إلى تشكيل تحالف سوري جديد، يفترض أن يصطف إلى جانب عدد من التحالفات السورية التي أقامتها المعارضة في العامين الماضيين من عمر الثورة السورية، وبينها هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني السوري والائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، كما أعلنت نتائج اللقاء التشاوري عن تشكيل هيئة قيادية – إدارية مهمتها التهيئة لعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الذي يفترض أن يتم عقده في غضون شهرين استكمالا لتأسيس الاتحاد العتيد.
فكرة اللقاء التشاوري، وتأسيس اتحاد الديمقراطيين جاءت من خلفية الغياب الواضح لتشكيل ديمقراطي واسع في إطار المعارضة السورية، وفي إجمال الخريطة السياسية للبلاد، التي تبدو فيها التعبيرات المدنية والديمقراطية شديدة التشتت والغياب، رغم أن هذا التيار كان صاحب الحظ الأوفر بالمشاركة بثورة السوريين عند انطلاقتها قبل عامين، بل إن شعاراته ومطالبه بالحرية والديمقراطية والكرامة، كانت الأكثر حضورا في صفوف المتظاهرين الأوائل، إضافة إلى أن المنتمين إلى هذا التيار ما زالوا يمثلون الحاضنة الأساسية لخيار الحل السياسي الأقل تكلفة، من دون أن يتصادموا مع الجيش الحر والهياكل العسكرية للثورة التي تتبنى الدفاع عن السوريين في مواجهة عسف النظام الحاكم وقمعه، وهم يشكلون التيار الذي يحوز اهتمام قطاع من السوريين يمتد طيفه من الفئات الصامتة، إلى الفئات الخائفة، وصولا إلى الغارقين بحذرهم من الثورة ونتائجها، والأمر في هذا يشمل «الأقليات» ومنهم الأكراد، وهو يرسل إشارات مطمئنة أكثر من غيره للمسيحيين والعلويين السوريين بشكل خاص؛ لأنه يفتح باب النقاش بصورة حرة ومسؤولة حول تخوفاتهم والمشاكل التي تواجه سوريا في الوقت الحالي وفي المستقبل.
ورغم أهمية الأسباب الأساسية السابقة في الدفع لولادة اتحاد ديمقراطي سوري، فإن ثمة أسبابا أخرى لها أهمية مرحلية، تعزز هذا المسار، حيث تعاني الثورة السورية وعموم المعارضة، من مشاكل عامة وذاتية تحيط بها، وثمة عجز واضح من جانب التكوينات وتحالفاتها القائمة عن إيجاد مخارج من الوضع الذي وصلت إليه الثورة والحالة السورية العامة، الأمر الذي بات يتطلب ضخ دماء جديدة في حركة المعارضة وتوليد قيادة جديدة وقوية، والأقل من ذلك خلق قيادة بإمكانها المساهمة في إخراج الوضع من مأزقه الحالي ودفعه باتجاه المعالجة وإيجاد حلول لما يواجهه من مشاكل.
وسط تلك الظروف الضاغطة والملحة، جاء انعقاد اللقاء التشاوري للاتحاد الديمقراطي السوري، وسط تحديات جدية بينها حضور وفد كردي يثير حضوره مشاكل مزدوجة، لكن تم تجاوزها خاصة لجهة اندماج الأكراد في مشروع الاتحاد الديمقراطي وتأييده بكل القوة، وهو أول اندماج كردي كبير ومؤثر في تحالف سوري معارض، وقد حاز اللقاء، إضافة إلى تأييد الأكراد، دعم ومساندة قيادات وكوادر من الجيش السوري الحر ومن الحراك الثوري في الداخل وبلدان الشتات، حضروا اللقاء وساهموا في أعماله، فيما قامت هيئة أركان الجيش السوري الحر بإرسال مندوب عنها، أعلن تأييد الأركان لفكرة التحالف الجديد وخطه الديمقراطي في سابقة يمكن القول إنها الأولى في موقف معلن للجيش الحر نحو تحالف سياسي سوري.
إن أجواء اللقاء بما مثلته من تشارك وتعاون، وما ظهر فيه من إيجابية أحاطت باللقاء وفعالياته وبما أعقبها من توافقات، تؤشر جميعها إلى رغبة المشاركين في الوصول إلى تجربة جديدة، تفتح أفقا أفضل في التجربة السياسية وفي حركة المعارضة السورية على وجه الخصوص، وهذه الحالة تقارب حالة شعبية سورية لديها رغبة معلنة في نجاح المعارضة بتأسيس كيان يتفاعلون معه ويسيرون خلفه لتحقيق تقدم يخرج بسوريا والسوريين إلى حالة أفضل.
وسط تلك المعطيات يمكن القول إن الكرة صارت في ملعب الفريق الذي انتخبه اللقاء ليمهد للمؤتمر التأسيسي، ويتحمل عبء مهمة تتكون من نقطتين؛ أولاهما: توسيع قاعدة الحوار الذي فتحه اللقاء، ليشمل قوى وجماعات وشخصيات لم تحضر اللقاء، لكنها معنية بالموضوع ويهمها، وبالتالي فإن مهمة الفريق هو التواصل معها سعيا لانضمامها إلى الاتحاد، وربما التعاون معه. والثانية: الإعداد للمؤتمر التأسيسي للاتحاد الذي يفترض انعقاده في خلال الشهرين المقبلين.
وفي سياق السعي لإنجاز المهمة الأخيرة، سوف تتم صياغة مشروعات لوثائق أساسية؛ أولاها وثيقة سياسية تحدد ملامح التوجه السياسي العام للاتحاد في فهمه لسوريا ونظامها وشكل السلطة وطبيعة العلاقات التي تحكم الدولة والمجتمع بالسلطة السياسية وغيره، والثانية وثيقة برنامجية تحدد السياسات المطلوب تنفيذها في المديين القريب والبعيد للخروج بسوريا من واقعها الراهن نحو المستقبل، والوثيقة الثالثة هي وثيقة تنظيمية ترسم ملامح اتحاد الديمقراطيين السوريين ووظيفته وعلاقاته الداخلية والخارجية.
خلاصة القول، أن ما تم في القاهرة يمثل محاولة سورية جديدة لتشكيل تحالف نوعي، تتواصل من أجله جهود تملك كثيرا من مقومات نجاح وتقدم في المستويين الذاتي والعام، وقد أنجزت خطوات عملية أساسية، وهي الآن في دائرة اختبار الذات لاستكمال جهودها من أجل الخروج من التوصيفات والملاحظات والخطط إلى التنفيذ العملي، وهو الأساس الذي يتوقف عليه مصير أي فكرة مهما بلغت من الأهمية والخطورة.