عندما اطلق السوريون ثورتهم على النظام، كانت شعاراتهم الاولى الحرية والكرامة، قبل الانتقال للمطالبة باسقاط النظام، وهي شعارات تختصر اهداف الثورة على نظام استباح دم المحتجين والمتظاهرين السلميين وممتلكاتهم وبلدهم، واختار طريق القتل والدمار في مواجهة ثورة السوريين بهدف الاحتفاظ بالسلطة، فكان اول المتاجرين بالدم السوري بشعاره نقتلكم او نحكمكم، وهو شعار يختصر علاقة النظام بالسوريين منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في آذار 1963، وقد تم تجديده وتجذيره مع وصول الاسد الاب الى السلطة في العام 1970، حيث كرس سياسة القتل والدمار اسلوباً في التعامل معهم، ولم يوفر فرصة للتجارة بالدم السوري في معاركه للاحتفاظ بالسلطة على نحو مافعل في ازمة الثمانينات، حين قتل في مدينة حماة وحدها اكثر من خمسة واربعين الفاً في مذبحته الشهيرة، كما تاجر بالدم السوري في سياساته الاقليمية ومنها الحرب في لبنان والحرب ضد الفلسطينين والحرب في العراق وغيرها، وهذه ليست سوى امثلة لسياسة النظام ومتاجرته بالدم لتحقيق اهدافه في السيطرة وحكم سوريا.
وبطبيعة الحال، فان تجارة النظام بالدم السوري، تصاعدت مع انطلاق ثورة السوريين 2011 ومع استمرارها، وصلت المحصلة نحو مليون سوري، تأثروا في حرب العامين والنصف الماضيتين بينهم نحو خمس مائة الف ممن ماتوا او هم مفقودون ليس من امل في معرفة مصيرهم، وكله جرى تحت شعارات نظام، يسعى لارضاء عالم يسير في الحرب ضد الارهاب من خلال تأكيد انه يشن حرباً ضد جماعات ارهابية متطرفة، ودفاعاً عن نظام يحمي الاقليات، وضد متمردين متوحشين هدفهم السلطة، وليس ضد شعب خرج يطلب الحرية والكرامة، ويسعى من اجل تغيير ديمقراطي، يوفر العدالة والمساواة لكل السوريين.
ووحشية النظام ومتاجرته بالدم السوري حفاظاً على سلطته وارضاء الآخرين، فتحت الباب امام فئات اخرى بعضها ولد من خاصرة النظام، واخرى انطلقت من ضفاف خصومه او بالقرب منهم على قاعدة مخاصمة النظام، وكلها استعارت منهج النظام وطريقته في المتاجرة بالدم السوري، وفي الحالتين توفرت خدمة كبيرة للنظام، ليس في اشاعة نهجه في تدمير السوريين والسعي الى قهر ثورتهم فحسب، بل ايضاً في خدمة الآخرين الراغبين في دفع مسار الصراع بين النظام والشعب، مستغلين شعار الحرب على الارهاب الى مداه الابعد.
ان امثلة المتاجرين بالدم السوري، تزايدت مع اتساع اللجوء الى التسلح والعسكرة في سوريا، وبخاصة في المعسكر الموالي للنظام، والابرز فيهم مليشيات شبيحة النظام الذين اتبعوا نهجه، ومثلهم الجماعات الطائفية التي مضت بالقرب من النظام او من مؤيديه، وصولاً الى العصابات المسلحة والمؤلفة من مجرمين جنائيين، اطلقهم النظام من سجونه، وربطهم باجهزته ليعملوا باجندات واهداف معدة بواسطة واشراف ضباط في الاجهزة العسكرية والامنية التابعة للنظام، وكلهم ساروا على طريق النظام ونهجه في تجارة الدم.
وثمة آخرون ممن لم يكونوا اقل ضرراً في تجارة الدم، لكنهم كانو محسوبين او مقربين من بنى وتنظيمات، تزعم الانتماء للمعارضة، وانها تعارض تلك البنى المتمركزة في الخندق الآخر، فيما هي موضوعياً تخدمه خدمة كبرى في تعميق الصراع في البلاد، وتحويله من صراع بين النظام والشعب حول قضية الحرية والديمقراطية الى صراع بين الطوائف او صراع بين المكونات ماقبل الوطنية العرقية او المناطقية، وتلك التي تحولت الى امارات للحرب، اقتطعت مساحات في خريطة الصراع، وصار همها الحفاظ على مصالحها الضيقة، والتي هي غالباً مصالح شخصية وعائلية، ليست من الوطنية، وليست في اطار الثورة، ثم هناك فئات الفساد، التي نمت على هوامش الثورة وبعضها في تشكيلات وهيئات محسوبة على الجيش الحر، او بين صفوفه.
ان تنظيمات التطرف الديني في مثال الدولة الاسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، التي توسعت حدود انتشارها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتسعى الى الانحراف عن اهداف الشعب والثورة في الحرية، وتعمل نحو اهداف دولة اسلامية على نهج “القاعدة”، ومثلها جماعات تطرف قومي منها وحدات الحماية الشعبية، التي تعمل في الحيز الجغرافي ذاته، وتسعى الى كيانات تحت سيطرتها، وباهداف تناقض مسار الثورة نحو الحرية، وتخالف وحدة السوريين في مواجهة النظام وتحديات المستقبل المشترك لكل السوريين، هما مثال لتجار الدم لجهة سحب السوريين الى صراعات دموية داخلية تستنزف قدراتهم وطاقتهم، بدل ان توجه كل الطاقات في مواجهة النظام واعادة بناء سوريا المستقبل.
لقد بات من الضروري اعادة تقويم الواقع بصورة موضوعية، والقيام بفرز حقيقي للقوى القائمة على الارض والمنخرطة في الصراع، واعادة ترتيب الاوضاع بالاستناد الى من يقف الى جانب النظام ويخدم اجندته من جهة ومن يقف في جانب الثورة والشعب، حيث يقف الطرف الاول في صف تجار الدم من النظام والمتطرفين والفاسدين وامراء الحرب، ويقف الطرف الاخر في صف المدافعين عن الشعب والثورة من الثوار والنشطاء واغلب تشكيلات الجيش الحر، ومالم يحصل ذلك فان تجار الدم سوف يتزايد عددهم، ويزداد نفوذهم وانتشارهم في الواقع السوري الذي يندفع مثل كرة الثلج نحو الاعمق في التردي الذي لاحدود له.
المستقبل