غسان جانكير: المقامة النمساوية

Share Button

4حدثنا العطال البطال قال : لمّا غدت الأجواء غير مُبهجة، و ازداد النافخون في كور الصراعات المؤججة، طحّنتنا الحرب و عصّرتنا كالاسفنجة، تقودها بيادق آدمية مستشطرنجة، و بالشعارات البراقة مُتحججة، و أفكارٍ هُلامية غير ناضجة، و إدعاءات سمجة، فشدّينا الرحال ننشد الفرجة، و رست بنا المراكب في بلاد الفرنجة، و أمسينا فأصبحنا علوج و مستعلجة، و على مضض ابتلعنا كلمة ( أوسلندر ) التي تعني قَرَجي بيده بُقجة، تفضيلاً على سياسات هوجاء عرِجة .

و لمّا وجدنا أنفسنا مأخوذة بمناظر الجنان، و أنهار رقراقة تستطرب بها الأذان، تغتسل مياهها بسيقان الحِسان، مُظللة بثمارٍ مِن كلّ الألوان، و نسماتٌ عليلة تُنعش الأبدان، تختلس مِن النفوس الأحزان، بادرنا للتأقلم مع الوضع الجديد، و تناسينا هموم الخلان في الوطن البعيد، فتُهنا في تيار الحياة الاستهلاكية، و هموم المواد الاساسية، فالماء المُعلّب لا بديل عنه، و ورق التواليت لا يُستغنى عنه، و السيارة مع البسكليت في السعر سواء، و المُتعة المُثلى هي التسوّق و الشراء، و كلُّ جديد مرغوب، و تنحاز إليه القلوب، و القديم يُرمى في حاوية الزبالة، أو يجودون به للشرق على شكل بالة .

في المُدن الصغيرة، تكاد الحياة أن تكون عسيرة، يهجع الكلّ في المساء الى كوخه، ويضع المخدّة على نافوخه، وتخلو الشوارع من البشر، فيستوحش المكان السمع و البصر .

و لما غاب عنا العجب، وكدنا ان نفقد الادب، لُذنا ببقايا الذكريات، و طيبُ العيش في التجمّعات، فشدينا الرحال الى العاصمة فيينا، علّ وعسى من الإكتآب تُحمينا، ونلقى هناك مَن يشدُّ على أيدينا، وله خبرة في التأقلم مع الاغترب، ويجمع بين تجارب الكهول و حيوية الشباب، فصدّنا الحظ في المرام، و كاد أن يضيع منّا الزمام، وبينا أنا و أبو مخطة نسير في الشوارع على غير هُدى، وقتامة الأُفق تتبدّى في المدى، و إذ ببعثيكو قربانو مُقبِلٌ علينا، ويقول : نوّرتم فيينا، و أبدى لنا الكثير مِن الحنان، وما غاب عنه أن يُلحق باسمنا( قُربان ) ، وتصنّع الحميمية وهو لنا حاضن، و أمسك بطرف شاربه على أنه لِحقّنا في الإقامة ضامن، فقلت له : الويل لك ، لا أبا لك ، مِن أين لك هذه السطوة، و مِن أين جاءتك هذه النخوة ؟!! .

قال : قد انتسبتُ هاهنا للحزب الحاكم، و ليّ القُدرة في تسريع قضايا المحاكم، هاتوا ما لديكم مِن النقود، وخذوا مني المواثيق و العهود .

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد 84 من جريدة التقدمي

صدر العدد (84) من جريدة التقدمي الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في منظمة ...