في الرابع عشر من حزيران الجاري تحل الذكرى الثالثة والستون لميلاد حزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، الذي أعلن عن تأسيسه رسمياً في مثل هذا اليوم من عام (1957)، كأول تنظيم سياسي كردي في سوريا بإسم (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)، وتحل هذه المناسبة التاريخية بغياب أبرز مؤسسيه الأوائل، الرفيق عبد الحميد درويش الذي رافق مسيرته منذ تأسيسه فعلياً في عام (1956)، عندما كان اسم الحزب (حزب الأكراد الديمقراطيين السوريين)، وإلى يوم رحيله بتاريخ (24/10/2019)، والذي ترك بصماته الواضحة على سياساته القومية والوطنية، واستطاع أن يوازن بين هذين الجانبين بحكمة وواقعية.
لقد عانى الحزب الكثير من التحديات والمشاكل في نضاله المرير من أجل التوفيق بين هذين البعدين (القومي والوطني)، والحفاظ على التوازن بينهما دون الانجرار إلى الشعارات العاطفية التي كانت تروج هنا وهناك، وتشخيصه الدقيق للظروف الذاتية والموضوعية التي لاتوافق مثل هذه الشعارات، كشعار (تحرير وتوحيد كردستان)، حيث شن المضللون، الشوفينون العنصريون من جهة، والمغامرون المزاودون من جهة أخرى، حملات دعائية عنيفة للتشويش على مواقف الحزب وتشويهها بين الجماهير، ففي الوقت الذي كان المزاودون يتهمون الحزب بالمساومة والانبطاحية بهدف عزل قياداته وكوادره جماهيرياً، ظل الشوفينيون أيضاً مستمرين في التضييق على الحزب وملاحقة كوادره وزجهم في السجون والمعتقلات بتهمة أنهم يشكلون خطراً على أمن الدولة، وبأنهم انفصاليون يسعون إلى اقتطاع أجزاء من سوريا والحاقها بدولة مجاورة..إلخ.
وفي الوقت الذي ظل الحزب حريصاً على سياسته الوطنية، التي تعتبر الشعب الكردي أحد أهم مكونات الشعب السوري، وبأن قضيته هي جزء من القضايا الوطنية في البلاد، ولابدّ من حلها دستورياً في ظل نظام ديمقراطي برلماني تعددي بعيداً عن التفرقة والتمييز، في هذا الوقت ظل الحزب مدركاً بأن الشعب الكردي في سوريا هو جزء من عموم الشعب الكردي الذي قسمت الاتفاقات الدولية وطنه رغماً عنه، وظل مؤمناً بعدالة قضيته القومية في هذه الأجزاء، وملتزماً بتكامل نضاله التحرري ووحدة طموحاته ومشاعره، ومن هذا المنطلق لم يتوان الحزب منذ تأسيسه وحتى اللحظة، وضمن حدود امكاناته، عن تقديم يد العون والمساعدة لنضال الحركة الكردية في الأجزاء الأخرى.
فقد ساهم الحزب مادياً ومعنوياً في تأسيس أول حزب كردي في كردستان تركيا عام (1965)، واحتضن المئات من كوادره الذين لجأوا في مراحل مختلفة إلى سوريا إثر الانقلابات العسكرية المتتالية التي شهدتها تركيا، وكان للحزب دور فعال ومؤثر في دعم ثورة أيلول التي اندلعت بقيادة البرزاني في كردستان العراق عام (1961)، وفي مختلف المجالات، حيث شارك الرفيق حميد درويش مع احمد توفيق في إدارة حملة اعلامية واسعة للتعريف بالثورة الكردية بين الأوساط السياسية والديبلوماسية الدولية والإقليمية المتواجدة في العاصمة اللبنانية بيروت عام (1962)، كما بادر الحزب إلى حد نزع الألغام من الحدود مع تركيا، وإرسالها للثورة في كردستان العراق، وقد استشهد الرفيق (عبد اللطيف شاكر)، وهو يقوم بهذه المهمة بتاريخ (30/7/1962)، وساهم الحزب بفعالية في محاولات حل الخلاف بين البرزاني والمكتب السياسي عام (1964)، من خلال مشاركة سكرتيره الرفيق عبد الحميد درويش إلى جانب (كمال فؤاد، وعصمت شريف وانلي).
كما كان للحزب دور بارز في تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني في دمشق عام (1975)، ودعم ثورته الجديدة التي اندلعت بقيادة مام جلال في عام (1976)، حيث لم يبخل الحزب في تسهيل مرور كوادره والأسلحة والمساعدات المختلفة عبر الحدود من سوريا إلى كردستان العراق، وكان للحزب وسكرتيره عبد الحميد درويش أيضاً الدور الفعال في تشكيل لجنة التنسيق الكردستانية أوائل الثمانينات بين (الاتحاد الوطني الكردستاني/ مام جلال، الحزب الديمقراطي الكردستاني/ عبد الرحمن قاسملو، الحزب الاشتراكي الكردستاني/ كمال بورقاي، والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا/ عبد الحميد درويش)، وبمشاركة الحزبين الشيوعيين في (العراق/ عزيز محمد، وسوريا/ رمو شيخو)، كعضوين مراقبين، حتى ان هذه الأطراف الكردستانية أجمعت حينذاك على اختيار الرفيق حميد درويش رئيساً لهذه اللجنة تقديراً لدوره الذي كان يشكل قاسماً مشتركاً بينها..
هذا، وغيرها من المحطات التاريخية التي لم يبخل فيها الحزب وقيادته، في الوقوف إلى جانب نضال الحركة الوطنية في أجزاء كردستان ودعمها من دون تردد، ولا زال الحزب حريصاً على هذه العلاقات المتوازنة مع أطراف الحركة الوطنية الكردستانية التي تجمعها القضية القومية المشتركة، وذلك ضمن حدود الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، وضرورة أخذ خصوصية كل جزء بعين الاعتبار، بعيداً عن سياسات التبعية والمحاور الضارة.
عاشت الذكرى الثالثة والستون لتأسيس حزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، والمجد للمناضلين الأوائل الذين أفنوا حياتهم في سبيل تحقيق المبادئ والأهداف التي تأسس من أجلها هذا الحزب، الأحياء منهم، والذين رحلوا وهم متفائلون بحتمية تحقيقها إن عاجلاً أم آجلاً.
السليمانية 13/6/2020