لم تمض سوى ساعات قليلة على إعلان تشكيل الإدارة الذاتية بالمناطق الكردية الخارجة عن سيطرة النظام السوري، شمال شرقي البلاد، أو ما يسمى «غرب كردستان»، حتى دب الخلاف بين الأطراف الكردية هناك، مما يلقي بظلاله على صمود تلك «الإدارة الذاتية» وفاعليتها. فمن شارك في الإعلان عنها (أول من أمس) بارك الخطوة وعدها «إنجازا قوميا مهما» سيدشن لتشكيل كيان كردي إداري مستقل على غرار تجربة إقليم كردستان العراق، ومن أقصي أو امتنع عن المشاركة وجه إلى القائمين عليها تهما بـ«الانفرادية والتسلط والتوجه الديكتاتوري». ودخل الائتلاف السوري المعارض على الخط، عادا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي أعلن عن الإدارة المحلية «تنظيما معاديا للثورة السورية».
فالسيد علي شمدين العضو القيادي بالحزب التقدمي الديمقراطي الذي يقوده السياسي الكردي المخضرم عبد الحميد درويش، أن «انفراد حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة هذه الإدارة سيفرغ من محتوى وأهمية مثل هذه الإدارة، لأننا بحاجة إلى توحيد المواقف والجهود في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ شعبنا والسوريين». وتابع: «كمبدأ نحن لسنا ضد تشكيل أي كيان أو هيئة تتولى تنظيم شؤون المواطنين وتملأ الفراغ الحاصل بالسلطة، ولكننا لن نقبل بتفرد جهة واحدة بإدارة السلطة، ونعتقد أن العودة إلى روح اتفاقية هولير (أربيل) والعمل على تنفيذ بنودها هي الضمانة الأساسية لتوحيد صفوف الشعب الكردي بسوريا، ويمكن من خلال الجهد والموقف المشترك أن نشكل إدارة تحظى برضا وموافقة جميع الأطراف».
وكشف شمدين عن أن حزبه انضم إلى الائتلاف الوطني السوري، ولا يريد أن يتصادم مع حزب الاتحاد الديمقراطي، لكنه يختلف معه بشأن موضوع الإدارة. ونفى التصريحات التي أدلت بها قيادات بحزب الاتحاد الديمقراطي حول مشاركة أحزاب المجلس الوطني الكردي بتلك الإدارة. وقال: «هناك فقط حزبان انضما إلى الإدارة وهما حزب اليسار الديمقراطي بقيادة صالح كدو والحزب اليساري فقط، أما بقية الأحزاب المنضوية تحت راية المجلس الوطني فإنها متفقة على ضرورة الالتزام باتفاقية هولير».
ويتوقع أن تشارك أحزاب المعارضة الكردية السورية بمؤتمر «جنيف 2» الخاص بالسلام في سوريا، لكن شلال كدو أشار في تصريحه إلى أنه إذا «وجهت دعوات متعددة للأطراف الكردية فإننا سوف نشارك بوفود متعددة، أما إذا كانت هناك دعوة واحدة للكل فسنتشاور مع بقية الأطراف لتشكيل وفد موحد يتمثل فيه جميع الأطراف».
وفي غضون ذلك، عد الائتلاف السوري المعارض حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي «تنظيما معاديا للثورة السورية» بعد إعلانه الأخير عن تشكيل «الإدارة المدنية الانتقالية لمناطق غرب كردستان – سوريا».
وأضاف في بيان أمس أن هذه الإدارة «تمثل تحركا انفصاليا يفصم أي علاقة للتنظيم بالشعب السوري المناضل للوصول إلى دولة سورية موحدة ومستقلة وحرة وخالية من الاستبداد وذات سيادة مطلقة على أراضيها».
وعد الائتلاف أن الحزب بات «تشكيلا داعما لنظام (الرئيس بشار) الأسد، وعاملا من خلال جناحه العسكري المعروف باسم قوات الحماية الشعبية الكردية، ضد مصالح الشعب السوري ومبادئ ثورته».
وانتقدت المعارضة السورية في بيانها محاربة قوات الحماية «كتائب وألوية الجيش الحر وافتعال أزمات تسعى لتشتيت جهودها»، وامتناعها «عن محاربة النظام في عدة جبهات».
وبموجب الإدارة المحلية، تقسم المنطقة الكردية في سوريا إلى ثلاث مناطق يكون لكل منها مجلسها المحلي وممثلون في المجلس الإقليمي العام.
وتدير المناطق الكردية في شمال سوريا مجالس كردية محلية منذ انسحبت منها قوات النظام السوري في منتصف 2012. وعد هذا الانسحاب تكتيكيا بهدف تشجيع الأكراد على عدم التحالف مع مسلحي المعارضة.
ويمثل الأكراد نحو 15 في المائة من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة.
من ناحيته، قال أستاذ العلاقات الدولية، المتابع للشأن السوري، الدكتور سامي نادر لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا الإعلان إشارة واضحة إلى أن سوريا بحدودها الجغرافية المعروفة في السابق لم تعد قائمة، ولا سيما أن إعلان الأكراد حكمهم الذاتي جاء وسط صمت دولي يشبه التأييد». ولاحظ أنه «حتى الجانب التركي الذي من المفترض أن ينتقد هذه الخطوة لم يبد أي اعتراض وكأن هناك قبولا لعملية هندسة سوريا ولو بطريقة غير رسمية».