بحلول يوم الثلاثاء (4/9/2018)، تحل ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل والدنا المرحوم (محمد صالح داوود شمدين)، الذي وافته المنية في يوم الخميس (26/7/2018)، عن عمر ناهز السادسة والثمانين عاماً أمضاها بين صفوف الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، مدافعاً بعناد عن حقوق شعبه القومية والوطنية من دون كلل أو إنقطاع، لم تثنه عن نضاله أساليب القمع والملاحقة والسجن، وإنما ازداد صلابة وتصميماً على مواجهة الظلم والقهر والحرمان حتى آخر لحظة من حياته..
لقد كان المرحوم (محمد صالح شمدين) من المناضلين الأوائل الذين انضموا إلى الحزب، وكان يقول بأنه انضم إليه عن طريق الرفيق الراحل (سليم شيخو) في أواسط عام 1959، وتعرض للاعتقال في عام 1962 لمدة ستة أشهر أمضاها في السجن العسكري بدير الزور في ظروف قاسية من التعذيب والترهيب، على إثر ضبط قصيدة شعرية مكتوبة باللغة الكردية مع أحد رفاقه اسمه (محمد صالح خانمي)، الذي أقرّ تحت التعذيب بأن (محمد صالح شمدين) هو الذي يتحمل المسؤولية باعتباره المسؤول المباشر عن منظمتهم التي كانت تضم آنذاك مناضلين من الرعيل الأول تركوا بصمتهم في منطقة عملهم التي كانت تشمل القرى الكردية (ام كهيف، السعدية، المجرينات والشورى) التابعة لناحية تل حميس، منهم من رحل من أمثال الرفاق (عبدالجليل حج مراد، حسين حج محمد، حسن ديواني، بشير سيد فتاح، جاسم درويش سليمان، غربي درويش سليمان، محمد سيد فتاح، حمزة كلش، عبد الكريم عثمان..إلخ)، ومنهم مازال على قيد الحياة، أمثال الرفاق (محمد أوصمان، عبدالوهاب حج مراد، ، سليم عبد الغني، محمد سليم حج ابراهيم حسين ..إلخ).
وبعد أن استقر في قرية (خربة الذيب) أواخر الستينيات، لعب دوراً بارزاً في تفعيل منظمة الحزب في منطقة سنجق التابعة لناحية تربسبيي وتولى حينذاك مسؤوليتها، جنباً إلى جنب نخبة من المناضلين الأوائل الذين شكلوا معاً فريقاً تنظيمياً مؤثراً في الوسط الاجتماعي في منطقة عملهم، تركوا بصمتهم البارزة في نمو الوعي القومي وتنشئة جيل من الرفاق المناضلين الذين أخذوا مكانهم البارز في وسطهم السياسي والاجتماعي، ومن بين هؤلاء الجنود المجهولين لابدّ من ذكر الراحلين منهم من امثال الرفاق (عبد الرزاق جنكو، محمد علي عبد العزيز، عباس علي فندي، عباس أوسو، نايف عبدو، أحمد كردي، عبدالكريم يوسف سليمان، خضر عمر خليل، محمد صالح سليمان محو..إلخ)، ومنهم مازالوا على قيد الحياة، وهم الرفاق (احمد علي عبد العزيز، محمد علي العلي، محمد صالح حج يعقوب، سليمان حج يوسف عباس..إلخ)، وكان يشرف على تنظيمهم آنذاك فضلاً عن سكرتير الحزب الرفيق عبدالحميد درويش، كذلك عدد من الكوادر القيادية نذكر منهم الرفاق ( تمر مصطفى، أحمد برزنجي، عبد الرحمن يوسف، خليل رش، صبري سفوك..).
وبهذه المناسبة الحزينة، مناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل والدنا المرحوم محمد صالح شمدين، نذكر هذه الحكاية الطريفة التي عاشها في السجن، فقد انتسب المرحوم إلى الحزب وهو الوحيد لوالديه، في وقت كان نظام البعث في أوج شوفينيته واستبداده، وكانت رابطة علماء المسلمين بزعامة مؤسسها الشيخ عزالدين الخزنوي أيضاً تفعل فعلها في تكفير أعضاء البارتي، في هذا الوقت تم اعتقاله ونقله إلى السجن العسكري السيء الصيت بمدينة دير الزور، ليمضي فيها ستة أشهر قاسية من الضرب والفلقات والتعذيب بسبب اعترافات رفيقه الذي كان قد أقر بكل شيء تحت التهديد، والطريف في الأمر هو ليست اعترافاته التي كان يسردها بالتفاصيل المملة، وإنما تحليلاته وتوقعاته الخيالية التي كان يتطوع في قولها، طبعاً كان يبدأ اعترافاته بالقول بأن: محمد صالح شمدين هو الذي نظمنا في الحزب، وهو الذي كان يجتمع بنا شهرياً، ويوزع علينا المطبوعات ويعلمنا اللغة الكردية، ويجمع منا الاشتراكات البالغة كذا، وينظم بها تقريراً ونقوم بتسليمها له في نهاية الاجتماع.. وفي الأخير يصمت عن متابعة اعترافاته !! ولكن سرعان ما يسأله المحقق: وماذا كان يفعل (شمدين) بالمالية والتقرير ؟! فكان يجيبه (خانمي): حقيقة لا أعرف ماذا كان يفعل بها، ولكنه كان يركب دراجته ويتجه باتجاه الشمال، وأعتقد بأنه كان يأخذها لـ(البرزاني)، وما أن ينهي تحليله بذكر اسم البرزاني حتى ينقض السجان عليه حتى يتركه مغمياً عليه وهكذا.. ويقول والدي بأنه عندما كان يعود إلى المهجع بعد حفلة التعذيب اليومية هذه كان يقول له: يا أخي أفهم عدم تحملك للتعذيب واعترافاتك التفصيلية، ولكن الذي لا أفهمه هي تحليلاتك وتوقعاتك هذه التي تتسبب في موتي كل مرّة..
تحية إلى والدي (أبا علي) في ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيله المؤلم عنا، وإلى هذه الكوكبة الطويلة من الجنود المجهولين، رفاق دربه الأحياء منهم والأموات، الذين وقفوا معاً يد بيد وبجرأة نادرة في وجه آلة القمع والاضطهاد، رغم ظروف القهر والجوع والحرمان، مؤمنين بحقوق شعبهم في الحرية والعدالة والعيش الكريم، ونقول لهم بملء فمنا إننا فخورون بنضالكم وبالمبادئ التي زرعتموها فينا، ونتعهد بالوفاء لها والسير على هديها إلى أن تتحقق الأهداف التي أفنيتم سنوات عمركم الطويل من اجلها.
علي محمدصالح شمدين
السليمانية 4/9/2018