عبد المجيد خلف: إشكالية الموت والحياة في ” شيطان ” لعلاء زريفة … حين لا يبقى شيء

Share Button

يطلق الشاعر علاء زريفة في ديوانه “شيطان” الصادر عن دار “الدراويش للنشر والترجمة – 2020، ويقع في 113 صفحة من القطع المتوسط، ويتألف من إحدى وعشرين قصيدة طويلة، صرخة تسعى إلى تحويل الموت إلى حياة، في صورة غير مباشرة تتجلى من خلال العنوان “شيطان”، الذي يستشف القارئ من خلال قراءته للديوان دلالته، وسبب تلك التسمية، فالعنوان لم يُختر اعتباطياً، وهذا ما أعطى قيمة جمالية للنص، لأنه يجعل من المتلقي يقرأ النصوص قراءة فاحصة، ويستنتج في ما بعد ذلك.

حين لا يبقى شيء

وحدها الحياة تمضي نحو النهاية، لا يبقى شيء من أثرها سوى خيوط وهم؛ تنذر كل لحظة بالاستيقاظ من رقدة العدم، وتحاول أن ترفع رأسها، في رغبة أخيرة لإعادة الحكاية التي كانت إلى الوجود مرة أخرى، من أجل ألا يقتل الأمل القابع في الأرواح بالخلاص من الظلم الذي أحدق بها من كل حدب وصوب، فترك تلك الأرواح تتلوى من الألم، ودفعها إلى أن تحلم باليوم الموعود، اليوم الذي سيحقق فيه الطيبون المعدمون كل رغباتهم، التي وئدت، وضاعت تحت سطوة جبروت عتاة، دفعوا بكل المواثيق الحياتية إلى الهاوية، وتركوا النفوس في معمعة العذاب الأبدي، لأنها كانت طيبة، كانت بريئة، لا حلم لها إلا أن تذكر البقية الباقية من الذين من خلفهم، بأن هناك حياة يجب أن تعاش، وأن هناك حقوق مستلبة، يجب أن تعود إلى أصحابها، لتنتهي آثار الخراب، التي حولت الأرض إلى أطلال وبقايا وجع، في سفر ناقص، ينتظر أن تكتمل الحكاية، لتروى من جديد، بعد أن ينتهي كل ذلك الخراب، وتعود الأرض إلى ما كانت عليه، تنشر حبها بين الجميع، يقول في قصيدة بعنوان “الجنرال والنملة” والتي يشير فيها إلى معاناة الإنسان الأبدية:

“الأبطال المعدمون ماتوا/ ولم يبق إلا الممثلون/ لم يبق من أثر الأرض سوى أطلال مملكة وجنود طيبين تركوا أسماءهم في سفر ناقص/ أخفاه الجنرال”.
أجنحة الأفكار

عندما تصبح للأفكار أجنحة، فلا خوف إذاً على الجميع، ولا خوف على كل من يتبع سلطان روحه، وفكره، لأن القوة مهما فعلت لن تستطيع أن تقتل بذرة الفكرة التي تنبت في الذات الإنسانية الحالمة من جهة، والمفكرة من جهة أخرى. هي معادلة تؤدي إلى نتيجة واحدة، الفكرة تُخلق، وتنتج بذرتها قوية واضحة، وتبوح بها الروح إلى الأشجار، وتحملها الريح، وتنقلها إلى كافة الأرجاء، لتنثر آثارها في المعمورة، ويتسلح بها الجميع في مواجهة الظلم، ويدفعون بها قاربهم نحو الخلاص، الذي يبرق على نحو ضبابي في حيواتهم البائسة، فلا فائدة إذاً ترجى من الأفعال التي يقوم بها الظلّام ضد أصحاب الفكر والإبداع، طالما أن للفكرة عدوى، وستنتقل هذه العدوى التي يخافها الظالمون إلى البشرية جمعاء، فلن يخاف صاحب الفكرة، كما أن على الظالم في الوقت نفسه أن يتوقف عن ممارسة الظلم في حقه، واعتبار دم ذلك المبدع فاسدا، وزجّه في غياهب السجون، المفتوحة رغم جدرانها العالية، ورغم الموانع التي تحول دون انطلاقة الفكرة، ودون أن يصبح لها جناح؛ فتطير به إلى الأفق الأرحب، لتنقل رسالة الحرية في الوجود كله، يقول في قصيدته الطويلة “الجنرال والنملة:

“ما الحكمة من قطع رأسي ما دامت الأفكار تنتقُل بالعدوى/ ما الفائدة من جلدي ما دام دمي فاسداً؟”.

أنثى تضج بالحياة

محاولة للبحث عن أنثى تضج بالحياة، وتكسر الإطار التقليدي لنمطية المرأة التي دأب عليها البشر في البحث عنها، أو كما هي موجودة في الواقع، امرأة من دم ولحم، هو يريد امرأة من نور، من حب، هادئة، تزيح ستارة الأيام، وتزرع العشق في دربه نحو السعادة، لا تتعامل كما جميع النساء مع الأمور، تمنح الحب المطلق له، وتغدق على عالمه نوعاً من السكينة الروحية، وتدفع بقاربه نحو النجاة، والهدوء الأبدي، يقول في قصديته “قهوة مرة”:

“لا رسائل فائتة في هاتفها النقّال أو اتصال يذكرها بصوتها/ لا بندق يتكسّر/ تفتح كل ستائرها/ توضب غرفة نومها/ توسد تجاعيد السرير بباطن كفها/ لا كيمياء تتفاعل في جسدها المستريح/ تستره بالفضيلة/ لا شبح عاشق”.

تلك الأنثى هي، إذاً، من نوع آخر، ومن دم آخر، تختصر وجوده لتصبح هي المدينة بأكملها، والوجود كله، فلها قدسية خاصة، ومكانتها المميزة كمكانة الأم في الطبيعة البشرية، من دون أن تكون لها نمط حياة عادية كأية امرأة، تدور في فلك الأيام والسنين، تكره الدور الذي من المفروض أن تضطلع به المرأة، فهي امرأة سرمدية، عاشقة لنوارس البحر، تقف في وجه عملية تجسديها كجسد، منصاع للرجل، بل يجب أن يكون لها عالمها الخاص، الذي تستطيع من خلاله أن تمارس إنسانيها وحياتها من دون من يفرض عليها الرجل رأيه بالإكراه، يقول في قصيدة بعنوان “بغي شاروكين السائس”:

بغي شاروكين السائس: أحتاج امرأة كأمي لتصير مدينة بلا أب أو خارطة ثور. أحتاج امرأة لا تكون امرأتي دائماً/ تشتهي نوارس البحر/ تغافل قوافل التجارة الملعونة/ تراود النهر نفسه/ تكابد النبع الأصل/ مخاض الولادة بلا ألم””.

يد البشر الآثمة

يتهم البشرية التي تنسب جميع الخطايا إلى الشيطان، من دون تعترف بأخطائها، وآثامها، فهم يرتكبون كل تلك الأعمال عن سوء نية، ويدفعون بالبشرية نحو الدمار والهلاك، بافتعال القلاقل والفتن والاضطرابات في كل مكان؛ بدافع الجشع والطمع والحقد والأنانية، والرغبة في السيطرة على العالم كله، ومنع الآخرين من خيراته، ليكون مثله مثل كثيرين من قبله رفضوا ذلك الصوت الذي ينسب الأعمال والأفعال البشرية وخطاياها إلى الشيطان، ويراه بريئاً من تلك الأعمال التي تؤدي بالبشر إلى الدمار، فما الحروب والاقتتال والتخريب وهدم كل شيء في الحياة إلا من أعمال أناس يرتكبونها عن وعي، وإصرار على إلحاق الأذى بالآخرين، وعن دافع كيدي قصدي، فلماذا خلع رداء البراءة ونسبه إلى الشيطان الذي هو بريء من تلك الأفعال، يقول في قصيدته بعنوان “شيطان بريء”، والتي عنون بها ديوانه (شيطان):

“يحتلم في الرؤيا نهمي القديم/ يئن من جرح فحولته العطشى/ يضلّ إلى غيره في الطريق نفسهِ/ يقلّ في موته البطيء/ نقي بشارته/ فلا هو الحي ليتذكر ما هو ولا هو الممسوح من ألف حتى ياء عاطفته؟! وأسميها القصيدة، ولا اسم لها/ هي هي لا أكثر ولا أقل/ أتهجأ في خطوط الدم بين أصابعي”.

روائي وناقد

عن جريدة النهار

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 641 من الديمقراطي

صدر العدد الجديد 641 من جريدة الديمقراطي التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، ...