في يوم السبت المصادف (24/2/2018)، أقيمت في مكتب السليمانية (للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، ندوة ثقافية القيت فيها محاضرة بعنوان (صفحات من سيرة حياة عبد الرحمن ذبيحي/ عولما)، ألقاها الكاتب علي شمدين، وأدارها الدكتور علاء الدين جنكو، وحضرها نخبة من الكرد السوريين من المهتمين بالشأن الثقافيالكردي ، ومن طلاب جامعة التنمية البشرية بمدينة السليمانية..
وبعد الوقوف دقيقة صمت على ارواح شهداء عفرين، قدم الدكتور علاء نبذة مختصرة عن أهمية مثل هذه اللقاءات الثقافية التي تلقي الأضواء على جوانب من تاريخ شعبنا الكردي وحركته السياسية المناضلة، وخاصة تلك التي تتناول سيرة حياة أولئك الجنود المجهولين الذين أفنوا حياتهم في سبيل قضية شعبهم الكردي وتأمين حقوقه القومية العادلة، من أمثال عبد الرحمين ذبيحي الذي سجل بنضاله في أجزاء كردستان صفحات ناصعة، وخاصة المرحلة التي امضاها بين أبناء الشعب الكردي في سوريا، ومساهمته الفعالة إلى جانب المتنورين الكرد، في تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا.. ومن ثم تناول الأستاذ علي شمدين المراحل الأساسية في سيرة حياة عبد الرحمن ذبيحي، التي بدأت من مهاباد ومبادرته التاريخية في تأسيس أول تنظيم سياسي كردي بإسم جمعية (زيانا كرد/ ز. ك)، وإصداره لمجلة (نيشتمان/ الوطن)، وفيما بعد مساهمته الفعالة إلى جانب الزعيم قاضي محمد في إدارة جمهورية كردستان، وانتقاله إلى كردستان العراق فيما بعد، وذلك على إثر سقوط الجمهورية، وبالتالي استقراره في بغداد وانضمامه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، لإيمانه بوحدة النضال في أجزاء كردستان، وتسلمه مناصب قيادية فيه (اللجنة المركزية، المكتب السياسي)، وكذلك تسلمه مسؤولية تنظيمات (بغداد، كركوك)، وتسلمه المسؤولية المالية في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى أن ضاقت به الأوضاع السياسية، فغادر بغداد إلى سوريا ليستقر في دمشق اعتباراً من بداية عام 1956، وينخرط هناك في النشاط السياسي والثقافي، فيقوم بتشجيع الكرد السوريين لتأسيس حزبهم السياسي الكردي، ويلعب دوراً رئيسياً في بلورة هذه الفكرة وإخراجها إلى الوجود، ليكون بحق أحد مؤسسي هذا الحزب، ويقف هناك بجرأة ضد النزعة الكوسموبوليتية التي سادت حينذاك بين صفوف الشيوعيين الكرد الذين كانوا يتنكرون لقوميتهم، فأصدر كراساً بعنوان (الرّد على الكوسموبوليتية) عام 1956، أثار هذا الكراس حينذاك صدى قوياً بين تلك الأوساط. استمر ذبيحي في دمشق إلى حين نجاح ثورة تموز واستلام عبدالكريم قاسم الحكم في العراق، ليعود إلى بغداد عام 1958، ويلتقي بعبد الكريم قاسم على رأس وفد لتقديم التهنئة بإسم الشعب الكردي في سوريا، ويظل هناك منشغلاً باستكمال مشاريعه المتعددة في مجال اللغة والكتابة والترجمة والشعر، وكان تأليفه لقاموس اللغة الكردية من أهم وأبرز تلك المشاريع، حيث أصدر خلال تلك الفترة مجلدين من قاموسه الكردي، الأول حول حرف (أ)، والثاني حرف (ب)، إلى حين سقوط الشاه في إيران ونجاح ثورة الخميني، فيفكر بالعودة إلى كردستان إيران والمساهمة في استثمار الظروف التي توفرت مع سقوط النظام الشاهنشاهي، ولكنه لم ينجح كما كان يرغب مع الأسف، وخلال عودته إلى بغداد عام 1980، يقوم النظام العراقي باختطافه وتغييبه، دون أن يعرف حتى اللحظة مصيره وكيفية تصفيته.
ولد عبدالرحمن ذبيحي مطلع القرن العشرين في عائلة فقيرة كادحة، وتيتم باكراً ليتحمل بنفسه أعباء اخوته الصغار ووالدته المسنة وهو لم يزل طري العظم، فينخرط في العمل من أجل تأمين لقمة العيش، دون أن يهمل اهتمامه بالعلم والمعرفة التي صارت زاده الرئيسي في رحلته النضالية الشاقة والمريرة، وانخرط ذبيحي مبكراً في النضال القومي منذ نعومة أظفاره، وتميز خلال حياته اليومية بسمات شخصية فريدة من النزاهة والصدق والأمانة والتواضع ونكران الذات، كما تميز في مواقفه بالجرأة والإقدام في الدفاع عن قناعاته وأفكاره، متسلحاً بالمنطق وسعة الثقافة وعمق التفكير، متقناً العديد من اللغات كتابة وقراءة (العربية، الروسية، الفرنسية، الآزرية، الإنكليزية، الفارسية، التركية، والأرمنية)، متمرساً في مختلف أساليب النضال الجماهيري والتنظيمي، خبيراً في أشكال العمل السري والتواري عن الأنظار وتحدي أجهزة القمع والاستخبارات، زاهداً في حياته الشخصية متكابراً على الفقر والفاقة والحرمان، نظيف اليد والسمعة واللسان، لم يغره سحر المال ومفاتن الأنانية والمصالح الذاتية والغرور، محجماً عن الزواج كي لا تشغله التزاماته عن متابعة نضاله، كان عصامياً حتى العظم في علاقاته مع أصدقائه ورفاقه ومحبيه، لم ينحن لأساليب الترهيب أو الترغيب مهما كلفته ضريبتها المادية والمعنوية، بعيد النظر، سريع البداهة ومتقد الذكاء، غزير في مبادراته الفردية، ملتزماً بعهوده، وفياً لمبادئه، مرناً في نسج العلاقات حتى مع خصومه، وكانت بوصلته في كل ذلك فقط الكردايتي وخدمة شعبه وقضيته القومية دون غيرها، حقيقة لقد أجتمعت فيه كل هذه المزايا التي أثارت في محصلتها خصومات ومنافسات كثيرة من حوله، وخاصة من جانب الأنظمة التي تقتسم كردستان وطوابيرها التي نجحت أخيراً في تغييبه وتصفتيه، وهو لم يزل في أوج عطائه النضالي والإبداعي.. واختتمت الندوة بالأسئلة والنقاشات والمقترحات من جانب الحضور، التي أغنت الندوة..
25 – 2 – 2018
Dimoqrati.info