عبدالحميد درويش: قبسات من تاريخ الحزب (2)

Share Button

155

في عام 1954، ذهبنا نحن الأربعة (محمد صالح حاج درويش، مجيد حاج درويش، خضر فرحان، وأنا)، إلى دمشق للدراسة، وكنت حينذاك في الصف التاسع الإعدادي(بروفيه)، وبعد استقرارنا في دمشق، ذهبنا وبتوصية من أهلنا  إلى بيت الشخصية الكردية البارزية روشن بدرخان، نظراً للعلاقات التاريخية التي تربط عائلتنا بعائلة بدرخان.

وعلى إثر ترددنا على هذه العائلة الوطنية، تعرفنا على شخصيات كردية معروفة في مقدمتها (أوصمان صبري، عبدالرحمن ذبيحي الملقب بعولما، والشاعر الكبير هزار شرفكندي.. )، وهكذا أصبحنا بين مجموعة وطنية ذات أبعاد تاريخية في المجال الوطني، وكان طبيعياً أن نتأثر بهم وبآرائهم حول القضية الكردية، ولأننا كنا شباباً كان تأثرنا بأفكارهم أكبر وأسرع، وكان أوصمان صبري الذي أكن له الإحترام والتقدير رغم كل ما حدث بيننا، من أكثرهم تأثيراً فينا.

وفي السنة التالية أي عام 1955، إقترح علينا آبو أوصمان فكرة تشكيل هيئة ثقافية بإسم (لجنة إحياء الثقافة الكردية)، فوافقنا جميعاً على الفكرة وقمنا بطبع عدد من الكتب، وما ساعدنا في عملنا هذا هو إننا كنا نملك المال اللازم لتغطية المصاريف، حيث كانت عائلتنا ميسورة وكانت تزودنا من أجل الدراسة بما نطلب، ومن بين تلك الكتب التي نشرناها، نذكر:

– (دردين مه، باهوز، ألفبايا كردي) لأوصمان صبري.

–  (تاريخ الأدباء الأكراد) لروشن بدرخان.

– (الكوسموبوليتية) لعبدالرحمن ذبيحي.

– (الأكراد) لصامد الكردستاني.

– (مقتطفات من مقررات المؤتمر الرابع) للحزب الشيوعي العراقي.

وهكذا لم يكن إنجازنا قليلاً خلال سنة واحدة ، حيث تم طبع كل هذا العدد من الكتب، ولما رأى أوصمان صبري نشاطانا بهذا المستوى من الأداء، إقترح عليّ في بداية 1956 فكرة تشكيل حزب سياسي كردي، بدلاً من هيئتنا الثقافية، وطلب مني أن أؤيده في ذلك، مؤكداً بأن وقوفي إلى جانبه سوف يشجعه في تشكيل الحزب المنشود وإنجاحه، فوافقته من دون تردد وطلبت منه أن يأخذ موافقة أبناء عمومتي الثلاثة أيضاً، ولكنه بعد فترة أعلمني بأنهم لم يوافقوه على طلبه.

باشرنا بعملنا، وبدأ آبو أوصمان بكتابة المنهاج السياسي باللغة الكردية (Rêzana Partiya Kurdên Ddemoqrat yên Suriya)، وحتى أظل صادقاً مع نفسي ومع القراء الكرام فإنني لم أساهم بفعالية في كتابة المنهاج نظراً لأنني كنت شاباً صغيراً في العشرين من عمره، ولم أكن أعرف الشيئ الكثير عن السياسية وعن منهاج الأحزاب ، إلاّ أن الذي سهل علينا كثيراً وساهم مع أوصمان في كتابة المنهاج هو الدكتور نور الدين زازا، الذي كان قد قدم لتوه من سويسرا بعد نيله شهادة الدكتوراة في العلوم الإجتماعية، وشجعنا على تشكيل الحزب المنشود، ومن جهة اخرى كان الشيخ محمد عيسى ملاّ محمود هو الآخر يشجعنا من خلف الستار.

وفي هذه الأثناء أبلغت آبو أوصمان بأن هناك في قريتنا (القرمانية)، شخص هو حمزة نويران، وسأطرح عليه فكرة الإنضمام إلينا فأجاب بأنه لا مانع لديه على ذلك، وقال أعرف هذا الرجل، وهو ذكيّ ونشيط، وفعلاً طرحت على حمزة نويران الفكرة، وأجاب بالموافقة دون تردد، وطالب أن يكون هو ثالث الأشخاص في التشكيل الحزبي الوليد، وهكذا أصبحنا ثلاثة مؤسسين، وهم (أوصمان صبري، عبدالحميد درويش، حمزة نويران)، وللحقيقة وللتاريخ أقول بأن الدكتور نور الدين زازا والشيخ محمد عيسى كانا معنا منذ البداية ويعتبران من الناحية العملية من بين المؤسسين لكنهما آثرا أن يظلا بعيدين عن التنظيم لأسبابهم الخاصة..

لقد قمنا بطبع المنهاج السياسي في مطبعة كرم الكائنة في حي الحلبوني بدمشق[1]، وطبعنا منه (200) نسخة وبمبلغ قدره (100) ليرة سورية آنذاك، وبعد الإنتهاء من طبع المنهاج السياسي قمنا بنشاط بين الطلبة الكرد الدارسين في دمشق وكان معظمهم من بلدة عامودا، وأذكر منهم ( فيصل عبد الهادي، داود حرسان، عبدالرحمن موسى، عدنان كولك، محمد ملاّ محمود ، محمد علي عمر.. وغيرهم)، ثم قمنا بنشاط كثيف في بلدة الدرباسية ووقف معنا كلاً من ( محمد عثمان ، عبد القادر حمو حاج موسى، محمد سعيد بشار، ومحمد سعيد أوسي، صالح موسى ديركي.. وغيرهم)، وشكلنا الخلية التنظيمية الأولى في مدينة الدرباسية بمنزل الرفيق (محمد سعيد أوسي)، من عدد من الأخوة الذين كانوا يرتبطون بمعظمهم معي ومع حمزة نويران بصلة قرابة.

وهكذا ذاع صيت تشكيل الحزب الكردي الجديد والأول في سوريا، وقد إتصل أوصمان صبري بجماعة من السياسيين الكرد من عفرين، كان في مقدمتهم رشيد حمو، الذي قدم إلى دمشق وطلب مني أوصمان أن نجتمع معاً مع رشيد حمو في منزله الكائن آنذاك في حي شيخ خالد والذي كان قد استأجره شهرياً بـ(28)ليرة سورية، وقد ناقشنا رشيد في اللقاء حول منهاج الحزب، واطلع عن قرب على آرائنا وتعرّف عليّ شخصياً لأنه كان هذا هو اللقاء الأول بيننا، وأخذ معه نسخاً من المنهاج ليطلع عليه رفاقه ليعود إلينا بعد ذلك ثانية.

وبعد فترة ليست طويلة عاد رشيد حمو بالفعل مرة أخرى ليخبرنا بأن رفاقه (محمد علي خوجة، شوكت حنان، خليل محمد) قد وافقوا على التفاهم معنا، ولكنه قال بأنهم لديهم بعض الشروط، ومن بينها أن يتم إعتبارهم من ضمن المؤسسين، وإن يتم كتابة منهاج الحزب باللغة العربية بدلاً من كونه بالكردية بذريعة أننا سنناضل في وسط عربي، فوافق أوصمان صبري على شروطعهم مباشرة، ولكنني إعترضت آنذاك على أن يتم إعتبارهم من المؤسسين، خاصة وأننا كنا قد أصدرنا المنهاج وانتهينا من طبعه منذ أكثر من ثمانية أشهر،  فأصر أوصمان على إقناعي بقبول شروطهم، وقبلت في النهاية واتفقنا مع رشيد حمو على عقد الإجتماع القادم بتاريخ (14حزيران1957)، وذلك في منزل علي خوجة الكائن في حي سوق الخميس بمدينة حلب، وهكذا تم الإجتماع بالفعل في الزمان والمكان المحددين بين الأشخاص السبعة ، وهم (أوصمان صبري، عبدالحميد درويش، حمزة نويران، رشيد حمو، خليل محمد، شوكت حنان، محمد علي خوجة)، واتفق الجميع على أن يكون اوصمان سكرتيراً للحزب، لكنه رفض ذلك واقترح أن يكون رشيد حمو هو السكرتير والسادة (شوكت حنان، ومحمد علي خوجة)، أعضاء في المكتب السياسي، تسهيلاً لعملهم وتواصلهم بإعتبارهم يقيمون معاً في حلب، وقررنا طبع المنهاج السياسي باللغة العربية، وأصبح إسم الحزب ( الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)، بدلاً من الإسم الحقيقي (حزب الكرد الديمقراطيين) وتم ذلك بموافقتنا جميعاً.

وبعد فترة وجيزة لم تتجاوز السنة، طلبنا من الدكتور نور الدين زازا والشيخ محمد عيسى بأن يحسما أمرهما في الإنضمام للحزب العتيد، وبالفعل استجابا لطلبنا وتم ضمهما إلى الحزب وإختير الدكتور نورالدين رئيساً للحزب بإعتبارنا أبقينا على رشيد حمو سكرتيراً للحزب، وبعد ذلك بفترة قصيرة بدأنا بالتفاوض مع حزب آزادي الذي كان يقوده الشاعر الكبير جكرخوين والذي تشكل على إثر إنشقاق أعضائه عن الحزب الشيوعي السوري، فوافق جكرخوين والقسم الأعظم من كوادره على الإنضمام إلى حزبنا دون قيد أو شرط، وأنتخب الشاعر جكرخوين عضواً في اللجنة المركزية، ليصبح عدد أعضاء اللجنة المركزية عشرة أعضاء بإنضمام جكرخوين ونورالدين ظاظا والشيخ محمد عيسى.

الحقيقة إنني عدت إلى هذه المحطة من تاريخ الحزب، لأستذكر هذه القبسات المضيئة وأضعها بين يدي القراء الأعزاء إحتفاءاً مني بالذكرى السادسة والخمسين من تأسيس الحزب الذي أمضيت معه سنوات عمري لحظة بلحظة وثانية بثانية، هذه الذكرى العزيزة على قلبي التي تعيدني إلى تلك الأيام التي كانت تجمعني بهؤلاء المناضلين الكبار الذين بادرنا معاً بحس وطني رفيع إلى تأسيس أول حزب سياسي في سوريا، الذين صمدوا بعناد في وجه آلة القمع في أحلك الظروف وأقساها، هؤلاء الذين كانوا قادة حقيقيين لشعبهم تفتقر الساحة السياسية الكردية في سوريا إلى أمثالهم مع الأسف الشديد.

أجل عدت بذاكرتي إلى هذه المرحلة، لأنقل إلى القراء الكرام الصورة الحقيقية لتك الخطوة التاريخية التي أدت إلى تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا، قطعاً للطريق أمام أولئك المضللين الذين لم يكفوا عن التشويش على هذا التاريخ العزيز وتشويهه طوال ما يزيد على النصف قرن من الزمن، فهم يزيفون الحقائق والتاريخ فقد للشطب على الدور الذي لعبته كأحد المؤسسين إلى جانب هؤلاء العظام ولن أتوسل لأحد بذكر هذه الحقيقة التي لاتحتاج لشهادة هؤلاء الحاقدين، وإذا كان شركائي قد رحلوا وفي قلوبهم المرارة تجاه هذا التضليل الذي طال سمعتهم ونضالهم، فإن المسؤولية التاريخية تلزمني بالوفاء لهم وعرض ما كان بالفعل لا كما يتمناه المضللون الذين يزورون التاريخ دون أن ترف لهم جفن فقط لأنهم لم يساهم في صنعه.

كل عام ورفاقنا المناضلون، والوطنيون في أيّ خندق نضالي كانوا، بخير!!

19حزيران 2013

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 639 من الديمقراطي

صدور العدد الجديد (639) من جريدة الديمقراطي باللغتين العربية و الكردية. الافتتاحية : من المعلوم ...