كم هو صعب أن يقترب الملهوف من محطة هامة من محطاته السنوية بعد قضاء جهد كبير ومسير طويل ، وإذ به يتفاجأ بأن السفينة التي تبحر به باتت بلا قبطان وقد خطفه الموت المشؤوم دون إذن ولا إنذار وظلت المركبة في عرض بحر هائج تتلاطم بها الأمواج وتترنح أشرعتها التائهة بلا وجهة ولا بوصلة ولا قرار ، وأسماك القرش القاتلة تطوف حولها فاتحة أفواهها ، مكشرة بأنيابها تنتظر بجشع وغدر للإنقضاض على أشلاء من سيسقط منها .
هكذا رحل المناضل والقائد الفذ عبدالحميد درويش وغيبه الموت عن رفاقه المخلصين وابناء شعبه وبلده ، في زمن كانت تتوجه إليه غالبية الأنظار على أمل : الحماية والنجدة والإنقاذ ، لما كان يتميز به هذا الحكيم من حنكة وخبرة ودراية ، ناهيكم عن مكانته المرموقة وقدره الكبير بين مختلف الشرائح والأوساط الكردية والعربية والكردستانية وكذلك الوطنية والأقليمية وحتى الدولية .
أيها الرفيق العزيز :
أيام وساعات قليلة تفصلنا عن الذكرى الثالثة والستين لميلاد حزبك الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا الذي ساهمت مع مجموعة من المناضلين الكرد الشرفاء في تأسيسه بأواسط القرن الماضي أمثال :
أوصمان صبري و حمزة نويران ورشيد حمو وشوكت حنان و خليل محمد ومحمد علي خوجة
ناضلت بكل شجاعة وجرأة وفي أحلك الظروف الأمنية وأصعبها على الإطلاق حيث الملاحقات والإعتقالات والتعذيب بأبشع صورها وأشكالها دون رحمة ولا شفقة .
ناضلت بعنفوان الشباب منذ الانطلاقة وحتى آخر لحظة في حياتك ، سخرت كل الطاقات ووضعت كل الإمكانيات ، المادية منها والمعنوية وحتى مكانتك الاجتماعية والعائلية لخدمة قضيتك وشعبك الذي تعرض لمختلف أشكال الظلم والاضطهاد والتمييز على يد الحكومات الشوفينية المتعاقبة على سدة الحكم ، عرفتك قائدا ومربيا ومعلما ، علمتنا خلال مسيرتك الطويلة : التضحية وقيم النضال الحقيقية ، صنعت أجيالا في صفوف حزبك ، وبين جماهير شعبك ، مشبعة بالافكار التقدمية والليبرالية ، مؤمنة بمباديء السلم الأهلي والعيش المشترك بين مكونات البلد الواحد ، اخترت رجالا في حزبك بعيدون عن التطرف والتعصب بكل أشكاله القومية والدينية والطائفية ، لأنك أردت لسوريا : بلدا حرا ، ديمقراطيا ،تعدديا مزدهرا ، ولكل السوريين شعارها هو : الوطن والمواطنة ،دون تفرقة ولا تمييز .
وأردت أن تكون سوريا : دولة السيادة والقانون يتمتع فيها الكرد كثاني أكبر قومية في البلاد : بكامل حقوقه المشروعة بما يتماشى مع العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بشؤون القوميات والكيانات والإثنيات ، دولة يعيش فيها الكردي بجانب العربي والأرمني والآشوري السرياني والتركماني :ككتلة متجانسة تسودها المحبة والأخوة وحب الوطن .
12-6-2020