صدور العدد الجديد (639) من جريدة الديمقراطي باللغتين العربية و الكردية.
الافتتاحية :
من المعلوم للقاصي والداني أن سبب اندلاع الأزمة السورية في عام ٢٠١١ كان تعنت النظام وعدم استجابته لمطالب الشعب السوري بكل أطيافه في التغيير والإصلاح والتخفيف من معاناة الناس وإعطاء متنفس للحريات العامة، واعتماده بدلا من ذلك أسلوب الحل الأمني وقمع المظاهرات ودفع الأمور نحو العسكرة، واستخدام الأسلحة بالتدريج إلى أن أوصل الأمور إلى استخدام البراميل المتفجرة وكل أنواع الأسلحة الثقيلة بما في ذلك المدفعية والدبابات وحتى الصواريخ استخدام الأسلحة الكيماوية في بعض المناطق، ليزج بسورية في أتون حرب داخلية قذرة دمرت البلاد والعباد، ولا يخفى أن ذلك النظام استخدم منذ بدايات عهده أوائل السبعينات أسلوب القمع والاعتماد على الأجهزة الاستخباراتية وقمع خصوصيات كل أطياف المجتمع السوري العرقية منها والدينية والمذهبية، ولم يسمح لها بممارسة طقوسها وثقافاتها المجتمعية والشعبية ناهيك عن تطلعاتها السياسية إلا بمقدار ما كان يخدم بقاءه على سدة الحكم، إضافة إلى أنه شوه الثقافة والسياسة وكل مناحي الحياة إلا بما يتناسب مع مقاساته ومآربه الخبيثة، ولم يتوان عن زرع بذور الفتنة والشك والتفرقة العنصرية بين كل مكونات وأطياف الشعب السوري على مدى عقود من الزمن بحيث أنه خلق حالة من انعدام الثقة حتى بين المكون الواحد، وبث روح العداء بين أفراد الشعب السوري بحيث بات من الصعب تجاوز ذلك الإرث الثقيل، وما نشهده اليوم بعد سقوطه، دليل على ما نذهب إليه، فالتخلص من تلك الثقافة المقيتة لم يعد أمرا سهلا وميسورا، وقد كلفت تلك الأفكار السوداء والمشوهة السوريين كثيرا ودفعوا ثمن ذلك الكثير من الدموع والدماء، بحيت أصبحت ثقافة تقبل الآخر وتفهم مطاليبه والتعايش معه أمرا أقرب إلى المحال، وربما كان من أكثر المتضررين من تلك السياسات الخبيثة هو الشعب الكردي الذي كلما كان يطالب بشيء من حقوقه، تلصق به صفة الانفصال ولم يعترف ذلك النظام بحقوقه القومية المشروعة على مدى فترات حكمه الأسود، وكان يمارس سياسة المراوغة والتضليل وحتى القمع المباشر عندما كان يحس بضغط من نوع ما، ولم يبادر إلى إنصاف شعبنا الكردي يوما، واستمرت بحقه المشاريع والسياسات العنصرية حتى آخر أيام حكم الأسد الابن.. بالتأكيد كان مثل تلك السياسات تطبق على باقي فئات الشعب باستثناء أزلامه وأتباعه من الوصوليين والانتهازيين والذين جعلوا من أنفسهم أدوات للقمع، ولتنكشف فظائعهم وجرائمهم التي ارتكبوها بعد سقوطه.. والآن وقد ولّت تلك الحقبة السوداء من تاريخ سوريا التي كان النظام قد جعل منها مسرحا للتدخلات الدولية والإقليمية، وساحة لتصفية الحسابات وتقاطع الأجندات السياسية والاقتصادية، والصراع على مناطق النفوذ في المنطقة، نقول الآن وقد ولّت تلك الحقبة من تاريخ بلادنا، فإن سوريا الجديدة لن تقوم لها قائمة ما لم يتم التخلص من تلك الأمور والسياسات الخاطئة التي يجب أن تشكل درسا يجب الاعتبار به من جانب أية سلطة قادمة واعتماد سياسات معاكسة لتلك التي عانت منها بلادنا لأكثر من نصف قرن واعتماد نمط حكم يختاره الشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة وأخذ حقوق ومخاوف ومطالب كل مكونات الشعب السوري بعين الاعتبار، ليقوم كل مكون بإدارة منطقته بطريقة ديمقراطية وفق نظام لا مركزي بالاستفادة من تجربة الحكم المركزي السابق والذي أثبت فشله، فسوريا بلد التنوع والتعددية الإثنية والدينية والقومية، ولا تجدي فيها سياسة فرض لون واحد على الجميع، وبخلاف ذلك، وبعدم سدّ الطريق أمام التدخلات الخارجية وفرض إرادة دول أخرى على الشعب السوري والتدخل السافر في شؤونه، لن يؤدي كل ذلك إلا إلى استنساخ تجربة ثبت فشلها وإبقاء باب المعاناة والنزيف مفتوحا إلى فترات لا يمكن التكهن بنهايتها، ويضع مصير البلاد على كف عفريت..
هيئة التحرير
—————————————————-
*جريدة الديمقراطي /العدد 639/ كانون الثاني / 2025
*الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
لقراءة وتحميل العدد اضغط هنا: