منذ استقلال سوريا والعراق عن الفرنسيين والانكليز على الترتيب, وإلى يومنا هذا, ولا يزال السنّي يجاهد في إجهاض نفسه وحقه, ويستحضر كُل ما يحتاجه الأخر للنيل منه، ليقدمه هدية مجانية.
في العراق كان السنيُ بكرده وعربه، مقموعا ومهمشا ومحروما, وفي الوقت الذي كان يجدر بتوحيد الجهود, كان الكردي والسني في خندق واحد من المظلومية، وفي خندقين متنافرين متواجيهن في دولة عرفت ملايين الشهداء من كرده وعربه.
جدلية التناقض بين الموقف الإيراني وسنة العراق!
دعمت إيران وبكل ثقلها الجنوب العراقي, في مقابل عداء سنة العراق للشطر الشمالي من العراق، والتي هي كردستان العراق. وفي نهاية المطاف، وبعد مقاطعة السنة للعملية الانتخابية في البداية، كانت النتيجة أنهم هم من خسروا كل شيء مرتين: مرة إبان حكم النظام العراقي وحرمانهم من كل شيء, والمرة الثانية ضعف قراءتهم للمشهد السياسي والخطط المرسومة وحرمانهم من أغلب الحقوق والتي لا تزال مستمرة إلى اليوم بسبب ممارسات المالكي وغيره.
أما في سوريا فإن الصورة لا تختلف كثيرا, فالسني منذ بدايات الستينيات من القرن الماضي والى اليوم وهو يعاني من الحرمان والتنكيل, وليس أدل على كلامنا إن برنامج الشرطة في خدمة الشعب الذي كان يبثه التلفزيون السوري الرسمي, لم يكن يستضيف سوى السّنة, ولم يصدف أن يكون هناك مجرما في ذاك البرنامج سوى من الداخل السوري وتحديداً سني المذهب إما عربي أو كردي. واليوم التاريخ يعيد نفسه مجدداً فلا تزال الثقة ضائعة بين الكردي السني والسني العربي, ولا يزال أغلب الخلافات والتناقضات سواء في أروقة المعارضة، أو جلسات النقاش السرية منها والعلنية, فإن أغلب المشاحنات والمفارقات هي بين أبناء المكون السني بكورده وعربه.
لماذا تأخر السّنة دون غيرهم؟
لا أرغب بالتطرق إلى التاريخ القديم, لكن لنقل منذ بضع عقود وإلى اليوم؛ فإن السني يبقى هو المحروم من كل حقوقه، وبمقارنة وضع السنة إلى الشيعة، فإنه بالإمكان التدليل على أهمية المرجعية الدينية الشيعية في حجز الشيعة مكاناً هاماً لهم في المجتمع الدولي, ومن الاستحالة بمكان اليوم مرور أي قرار أو توصية دون أن يكون لطهران رأي فيه, وتجربة الأمريكان في العراق لا تزال بادية للعيان… فطهران دعمت وساهمت في إسقاط النظام العراقي, لكنها تغلغلت في العراق واستطاعت قلب الموازين في مرات عديدة لصالحها, في الوقت الذي بقي السنة حبيسي فكرة الانتقام والمقاومة ضد العدو. وحتى يومنا هذا فإن الشيعة والدروز والمسيحيين والكرد يجيدون قراءة الوقائع والأحداث وإن كانت بدرجات متفاوتة، لكن لماذا يبقى السني دوماً وحده في المعارك يدفع الدماء, ويدفع الفواتير دون غيره؟ هو ذا السؤال الجوهري في بقاء سنّة سوريا في المستوى الاقتصادي الفقير, والدور السياسي الأضعف، ومكانة مهزوزة بين الأقوام والأعراق الأخرى.
فالسعودية مثلاُ وهي راعية المذهب السني في العالم تُجيد فن قراءة واستنباط الواقع والقادم, لذا فإنها أوصلت شعبها إلى درجة كبيرا من الرفاهية الاقتصادية وتكابد في رفع مستوى الوعي الفكري, وتركيا الإمبراطورية السنية, المتوسطة بين الشرق والغرب, هي الأخرى استطاعت أن تفرض الأسلام السني المعتدل, وأن تنقل بشعبها من طور القتال والموت إلى طور البناء والتحديث, فهل سيكون في سورية ذاك القائد السني الذي يستطيع نقل السنة من دفع الدماء إلى الاستفادة من المتغيرات.
مشروع ديمستورا… هل سيصطدم برفض السنة؟
حمل ديمستورا في جعبته الفدراليات باطناً والامركزيا ظاهراً, ويبدو أن المشروع يحمل الخلاص للجميع, فلا النظام استطاع إخماد الثورة، ولا الثوار استطاعوا أن يسيطروا على كل سوريا!
وما بين هذا وذك, فإن أكثر المناطق المتضررة هي المناطق السنية، حيث التهجير لحوالي /5/ مليون, وفقدان أكثر من 200 ألف لحياتهم, وحرمان أكثر من مليون ونصف المليون من الطلبة لتعليمهم, إضافة إلى تدمير كامل للبنية التحتية والمباني, والمؤسسات الخدمية والحكومية.
الصورة الإجمالية هي تشتت وضياع واغتراب 7 ملايين سنياً في سوريا. ومشروع ديمستورا على الأرجح فإنه يمثل النقطة المفصلية للخروج من الحالة الراهنة التي لم يستطع طرفا النزاع من فرض سيطرته أو وجوده بالشكل الذي يمكن به إنهاء وجود الطرف الأخر, فهو سينال رضا النظام السوري لأنه لا يفرض رحيل الأسد قبل أي تسوية أو عملية سياسية, بل يتضمن انتخابات محلية ثم عامة وبرلمانية ومحكومة جديدة ووقف إطلاق النار وإنقاذ 3 مليون شخص يقطن مدينة حلب, إضافة إلى ضمان حقوق الأقليات والمكونات الأخرى؟!
وبخصوص المعارضة فعلى الأرجح لن تجد المعارضة نفسها في الطرف المعارض, لأنها أدركت منذ فترة ليست بالقصيرة أن الأمريكان والأوربيين غير جادين بإسقاط الأسد, وخاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي وموقف الدول الأوربية من داعش في سوريا والعراق, وخشية تركيا من تدفق ال3 مليون نازح جديد من حلب إلى أراضيها في حال توجه الجيش السوري إلى هناك. والمرجح الوحيد لرفض هذه التسوية هم المكون السني, انطلاقا من مظلومية تاريخية لحقت به, ومن غبن وظلم ودمار وموت وفناء وحرمان لحق به في كنف هذه الثورة, وعلى الأرجح هو أمام خيارين أحلاهما مر, قبول التسوية على دماء ملايين مئات الآلاف من الشهداء, وهو ما قد يتسبب في خلق جو مهيأ لصراعات سنية- سنية، وإطالة أمد الصراع بعد تغيير وجهته من صراع طائفي مذهبي إلى صراع مذهبي داخلي, نتيجة رفض قسم وقبول قسم أخر للمبادرة, والخيار الثاني رفض التسوية والبقاء في دائرة العنف والقتل حتى أجل غير مسمى, وفي هذه الأثناء من الممكن أن تكون المبادرة قد وصلت إلى مفاصلها الأخيرة, والقسم الأكبر من المكون السني لا يزال يقف عكس التيار.
لماذا لا يتحالف الكردي السني مع السني العربي؟
ثمة استغراب كبير ينتاب قسم كبير من الشارع السوري, إذا كان الكرد والعرب ” السنة” ينتمون إلى المذهب نفسه, فلما كل هذا التباعد تارة والعداء تارة أخرى, حيث يدرك السني متأخراً جداً أن مصلحته العليا تكمن في الكنف الكوردي, لكن الحالة بحاجة إلى رسام ماهر. في أحداث سنجار وبعد موقف بعد العشائر العربية هناك ومساندتهم لداعش ضد اليذيديين, أشار الرئيس البارزاني إلى أهمية الحوار والتواصل ووحدة المصير الكردي العربي السني, حين أشار في كلمته إلى أن الكورد أيضاً سنة, لكن المشكلة لا تزال عالقة في عقلية قسم من المكون السني ورغبته بالعودة إلى المربع الأول من العلاقات الكوردية العربية. وفي السياق ذاته فإن وصول فؤاد معصوم الرئيس العراقي إلى السعودية تحمل بين طياتها مؤشرات كبيرة, لعلها تكون بداية علاقات جديدة بين الكرد والعرب السنة.
نلا عن اورينت