سوريا.. حين أصبح الحزب فرعا تابعا للمخابرات.. كتاب لرضوان زيادة

Share Button

1يختلف هذا الكتاب عن الكتب الصادرة حول سوريا عموما في نقطتين: أولا أن المؤلف هو المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية – واشنطن، ويضم هذا المركز نخبة من الباحثين والدارسين والكتاب المتخصصين بأحوال سوريا خصوصا والشرق الأوسط عموما. ثانيا، هذا الكتاب محاولة لرواية تفاصيل العقد الأول من سلطة بشار الأسد، وتجربة المؤلف مع ما عرف بـ«ربيع دمشق».

حقيقة الأمر أن كثيرا من الأنظمة العربية حاججت بعدم وصول الاحتجاجات إليها، بسبب اختلاف الظروف، على الرغم من أن المشترك بين هذه الأنظمة هو أكثر بكثير مما تختلف عليه. فهي تشترك في هيكل النظام التسلطي مع اختلاف الدرجات، وفي إهانة الكرامة الإنسانية لمواطنيها عبر التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والقانون والتمييز وغير ذلك.

لذلك، اعتبر الرئيس السوري أن سوريا محصنة وبعيدة عما شهدته دول عربية أخرى، مثل تونس ومصر واليمن وليبيا «بسبب قرب الحكومة السورية من الشعب ومصالحه»، على حد تعبيره. وبسبب موقفه المعادي للولايات المتحدة والصراع مع إسرائيل، متناسيا أن الثورات التونسية والمصرية والليبية واليمنية لم تكن ذات دوافع تتعلق بالسياسة الخارجية، وإن كان الفشل في هذا المجال من أسباب تأجيجها، بقدر ما كان نتيجة الفشل المتراكم لإدارة الشؤون الداخلية.

يرى المؤلف أن سوريا حالة مثالية للثورة، حيث اجتمع فيها الفشل السياسي والإخفاق الاقتصادي، فهي لم تحقق لا الخبز ولا الحرية، فضلا عن قصص الفساد التي يتناولها السوريون بشأن رجال أعمال محدثي النعمة اعتمدوا على التحالف مع الأجهزة الأمنية من أجل تكديس ثرواتهم لتفضح الهوة بين طبقة تزداد ثراء ومجتمع يزداد فقرا، فهناك 30 في المائة من السوريين تحت خط الفقر.

أخر في سوريا الثورة الخوف من قمع الأجهزة الأمنية، وتحفيز ذاكرة الخوف التي ترسخت لدى السوريين بعد أحداث الثمانينات من القرن الماضي، التي خلفت أكثر من 30 ألف قتيل وما يزيد على 125 ألف معتقل سياسي، و17 ألف مفقود لا يعرف مصيرهم حتى الآن، فضلا عن سِيَر التعذيب التي يتداولها السوريون مما يشكل رادعا نفسيا يلجم أي تحرك مطلبي أو سياسي.

لقد راكم حزب البعث الحاكم، منذ وصوله إلى الحكم في سوريا عام 1963 تاريخا حافلا من الممارسات الاستخباراتية والأمنية بحق شرائح الشعب السوري كافة من الأحزاب المعارضة، إلى التيارات الدينية، إلى المثقفين وحتى المواطنين العاديين. وكان هذا النظام التسلطي أداة للاستمرار في الحكم لما يقارب الخمسين عاما. لقد تحول الحزب إلى مؤسسة بيروقراطية، فقد جرى المزج بين دوره كحزب سياسي والسلطة، وأصبح الحزب نتيجة ذلك يخضع لسلطة الأجهزة الأمنية التي تراقب فعاليته وأنشطته، لذلك، يتندر السوريون بالقول إن «حزب البعث» ليس إلا فرعا إضافيا للأجهزة الأمنية.

هذه الأجهزة هي الاستخبارات العامة (أمن الدولة) التي تتبع رسميا وزارة الداخلية، والأمن السياسي الذي هو دائرة من دوائر وزارة الداخلية, والاستخبارات العسكرية واستخبارات القوى الجوية اللتان تتبعان اسميا وزارة الدفاع. يشرف على هذه الأجهزة المختلفة مكتب الأمن القومي التابع للقيادة القطرية لحزب البعث. إن لكل هذه الأجهزة مهمات المراقبة المحلية، وتمتلك فروعا في كل المحافظات، وفروعا مركزية داخل العاصمة، باستثناء استخبارات القوى الجوية ذات المهمات الخاصة. وفي ظل حمى التنافس الأمني بين الأجهزة المختلفة فقد توسع دور بعض الفروع بشكل كبير على حساب الإدارة التابع لها. وقد بلغ عدد الموظفين في أجهزة الأمن السورية المختلفة 65 ألف موظف بدوام كامل، وعدة مئات من الألوف بدوام جزئي. ووفقا لذلك هناك رجل استخبارات لكل 153 مواطنا سوريا، وهي النسبة الأعلى في العالم.

هذه العلاقة بين الدولة والمجتمع، كما يقول المؤلف، أسقطت مفهوم المجتمع المدني، فنشأت مرحلة أشبه بالتكيف، خصوصا مع حل النقابات المهنية، والجمعيات المتعددة المقاصد، فالمجتمع المدني المؤهل يبرز التأثيرات الإيجابية التي تنبع من الانضمام إلى جمعيات ونقابات تساهم في إدارة شؤون الدولة وتعضدها. بينما في الدولة التسلطية فالمجتمع المدني موظف لدى الجماعة المسيطرة لإضفاء الشرعية على الكتلة الحاكمة، مما يولد «المجتمع المدني المقاوم».

لقد مارس الحكم في سوريا سياسة التراجع والتقدم، وهذه السياسة في سبيل توازنها تحتاج إلى إدارة تتصف بالحذر والحكمة والسرعة في الأداء، وتتطلب إطلاق روح من الحماسة القائمة على الأمل بالتغيير لمستقبل أفضل داخل الشرائح والفئات الاجتماعية المختلفة. وبشار الأسد لم يتمكن من تحقيق التوازن فاجتمعت ضده شرائح المجتمع المستيقظة لتحرك الشرائح النائمة ويصبح الكل في موقع الاعتراض والخصومة، يستخلصون حقوقهم بقوة السلاح.

إن نجاح شباب مدينة درعا الجنوبية في كسر حاجز الخوف دفع بالثورة للتمدد والاستمرار، وبالثوار للتصميم لاستكمال ثورتهم، وأنه لا يمكن وأد هذا الأمل على الرغم من توسع حملة الاعتقالات وسقوط الشهداء بسبب اللجوء إلى العنف المفرط. فالسلطات الأمنية تعاملت مع هذه المطالب والمظاهرات وفق السياسة الأمنية القمعية ذاتها، باتهام من قام بها بأنهم «عصابات مسلحة» مما زاد من الغضب على السلطة لأنها لم تحترم دماء الشهداء.

وإذا حللنا الشعارات المستخدمة في المظاهرات السورية في بداياتها، نجد قدرة فائقة لدى الشباب السوري على إدراك طبيعة السلطة الحاكمة، وإبطال تأثير مفعولها السياسي والإعلامي. فالنظام السوري يفرط في استخدام لغة التخوين ضد كل معارضيه أو المنشقين عنه، عبر وصمهم بالعمالة لأميركا أو إسرائيل. فكان رد الشباب السوري عبر شعار «الخاين يللي بيقتل شعبو». كما أن الإعلام الرسمي وصف من قاموا بالمظاهرات بأنهم «مندسون»، فأطلق الشباب السوري عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأقوال منها: «أنا المواطن السوري.. أعترف بأني مندس في المطالب الوطنية للشعب السوري، وسأدافع عن حقي بالاندساس». بالتأكيد ساهمت هذه التكتيكات في إبطال التأثير الإعلامي والسياسي الرسمي، ودفعت مزيدا من الشباب إلى التظاهر والمطالبة بحقوقه السياسية والاقتصادية.

انطلقت الاحتجاجات الشعبية من درعا، ودرعا محافظة طرفية تعرضت للتهميش والإهمال، كما تعرض أبناؤها لتدني مستوى الرعاية الصحية والتعليمية، لذلك يملك شبابها كل مقومات الثورة وعدم الرضوخ، إضافة إلى أن المجتمع العشائري في المدينة ولد مزيدا من التضامن بين أبنائها. فلم يستطع النظام التصدي، وأسقط في يده عزل المحافظة أمنيا وسياسيا. لقد ابتدأت الثورة في المكان المثالي الذي كان عليها أن تبدأ فيه.

ومع تزايد الاحتجاجات والمظاهرات وتصاعدها في أكثر من مدينة سورية برز السؤال ساطعا: من يقف وراء الاحتجاجات؟ وما دور المعارضة السورية؟ وهل ستلعب المعارضة في المستقبل دورا في توجيه مسار الأمور فيما لو سقط النظام السوري الحاضر نتيجة لتصاعد الاحتجاجات واتساعها؟

لا بد من القول، في البداية، إن الانتفاضة السورية هي انتفاضة شعبية غير منظمة، ودون قيادة موحدة، ولا تدين بأي آيديولوجيا. وبحكم شدة القبضة الأمنية كان من المستحيل تماما وجود حالات منظمة أو شبه منظمة لحركات شعبية حتى ولو نشطت في السر، لذلك وجدنا عشوائية عارمة في مناطق خروج المظاهرات في كل المدن السورية تقريبا ومن دون تنظيم مسبق، وعشوائية أخرى في طريقة رفع الشعارات على الرغم من تركيزها الكبير على الحرية والكرامة كرد على احتقار الدولة الأمنية السورية في تعاملها مع مواطنيها.

لكن، مع تطور الاحتجاجات، كانت المظاهرات تزداد حجما من أسبوع إلى آخر، كما أن المطالب والشعارات أصبحت أكثر جرأة حتى توحدت بشكل ما تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام». فكان من الطبيعي بعد ذلك، أن يخرج قادة ميدانيون قادرون في كل مدينة على تنظيم المظاهرات وحركتها ومحتوى الشعارات. لقد لعب القادة الميدانيون دورا محوريا، ولم يرتقوا بعد كي يصبحوا قادة على المستوى الوطني، لأن هذا الأمر يحتاج لبعض الوقت.

كما لعب المسجد دورا محوريا، خاصة في المدن كنقطة انطلاق للمظاهرات أكثر من كونه موجها لها. فتطبيق قانون الطوارئ لمدة تزيد على 47 سنة، لم يعمل فقط على حظر المظاهرات والتجمعات، وإنما قضى على التقاليد الضرورية لتمرين الشباب على الخروج والتظاهر من أجل المطالبة بحقوقهم.

عليه، واستنادا إلى الكتاب، يمكن تقسيم المعارضة السورية اليوم إلى 3 أنواع رئيسة ممن يلعب دورا في تصاعد الاحتجاجات:

المعارضة التقليدية: وهي تشمل أحزاب المعارضة التي أبعدت أو رفضت الدخول في «الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة» التي تشكلت عام 1972، ثم انتظمت فيما يسمى «التجمع الوطني الديمقراطي» عام 1983. ويغلب على هذه الأحزاب التوجه القومي واليساري. يضاف إليهم «الإخوان المسلمون» الذين انعدم وجودهم على الأرض نتيجة القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل منتسب لـ«الإخوان»، لذلك فتأثيرهم في هذه الأحداث ضعيف، حتى بعد أن اتخذوا قرارهم في دعم الاحتجاجات في سوريا.

لعبت هذه المعارضة دورا ثانويا في قيادة المظاهرات، على الرغم من أن كل وثائقها السياسية التي صدرت خلال العقود الماضية كانت تطالب برحيل النظام. ولا بد من القول هنا إنه نظرا إلى خبرة أعضائها السياسية الطويلة، فإن هذه المعارضة التقليدية تتمتع بالخبرة السياسية الضرورية في التفاوض، ربما من أجل إدارة المرحلة الانتقالية المقبلة، وربما لهذا السبب قامت الأجهزة الأمنية السورية باعتقال كل قياداتها على الرغم من أنها تدرك دورها المحدود في إخراج المظاهرات.

القادة الميدانيون: هم نوع جديد من القادة، يتمتعون بالاحترام داخل مدنهم المحلية، أثبتوا قدرة على القيادة وتنظيم المظاهرات وتوجيهها. وفي الوقت عينه، امتلكوا القدرة على أداء خطاب صلب مناهض للنظام. وهم ينتمون بمعظمهم إلى الطبقة الوسطى ذات التحصيل العلمي العالي. يتعذر على النظام قمعها عبر اعتقال قياداتها، لأنه في كل يوم تتوالد قيادات جديدة تقود المظاهرات وتحرض عليها.

النشطاء الحقوقيون ونشطاء الإنترنت: أبدى هؤلاء قدرة رائعة ونادرة على كشف انتهاكات حقوق الإنسان وفضحها، وإيصال هذه المعلومات إلى المنظمات الحقوقية الدولية، مما ساعد على تأليب الرأي العام العالمي وزاد من حجم انتقادات المنظمات الدولية، الأمر الذي أضيف إلى الضغوط الدولية، التي كان أبرزها إرسال لجنة تحقيق دولية إلى سوريا للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان.

اجتمعت هذه المعارضات، واجتمع الرأسمال «الهارب» والمثقف «المهاجر» والخصم السياسي والمضطهدون المنكل بهم والمقموعون الذين صودرت حناجرهم، وأقرباء الضحايا من اليمين واليسار والمتدينين والعلمانيين والأصوليين متوسلين أجسادهم العارية والإنترنت و«فيس بوك»، وكل ما يتوافر لهم للعبور بسوريا نحو الجمهورية الرابعة تحت ظلال الحرية.

الشرق الأوسط

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد (638) من الديمقراطي

صدر العدد الجديد (638) من جريدة الديمقراطي باللغتين العربية و الكردية. لقراءة وتحميل العدد اضغط ...