ان مقولة ‘رفع الغبن عن الاكراد’، الذي يرفعه قسم كبير من اطياف المعارضة السورية، لا تشكل حافزا قويا لردم الهوة بينها وبين المعارضة الكردية، ولا تسد توق الاكراد نحو الحرية، في زمن الربيع العربي. وإذا كان قدر الاكراد ‘ألف حسرة وألف دمعة’ فان ‘التعاطف الانساني’ و’الاخوة في الدين’ لا يحقق لهم ما يسعون إليه في ‘ الإقرار الدستوري بالشعب الكردي كشعب يعيش على أرضه والاعتراف بحقوقه القومية’.
لم يحظ الاكراد بدعم إنساني وسياسي حقيقي من قبل المعارضة السورية، طيلة العقود الماضية، ولم يتبلور حل واضح المعالم، بخصوصهم سوى الدعوة إلى المساواة في المواطنة والحقوق، وهي لا تخرج عن اطار الاخوة العربية ـ الكردية التي يتمسك بها الكردي قبل العربي.
على المعارضة السورية ان تـــدرك اننا لا نعيش في زمن صلاح الدين الايوبي، ايام الدولة الاسلامية، عندما كان الاسلام يجمع بين جنباته كافة القوميات والاجناس، وعلى الاكراد ايضا ان يدركوا ان ما يحكم السياسة، هو المصالح وليس الآمال وحسن النية وان يكونوا اكثر واقعية ودبلوماسية.
ما نشهده اليوم من التفاف البعض على المطالب الكردية، باختلاق صيغ، واحداث ضجيج اعلامي حول مشروعية الحقوق والضمانات، وتصريحات اعضاء الائتلاف الوطني السوري في تأجيل الملف الكردي لا يبشر بالخير، بل سيعيدنا الى نقطة البداية. ما نحتاجه اليوم هو نضج سياسي ورؤى مشتركة، تنقل ‘الهدف’ الكردي الى قلب دمشق وليس الى ملعب فريق آخر.
ومن هذا المنطلق يبدو ان خيار’الطريق الى دمشق’ هو افضل حل بالنسبة للاكراد، واقصد هنا دمشق المعارضة السورية بكافة اطيافها، ذلك أن أي تصورمستقبلي للقضية الكردية في سورية بعيد عن أعين رجالاتها، يبقى هشا، على الرغم من ان هذا الطريق شائك ومحفوف بالمخاطر. ولكن كلما تجاهل ‘الاخ’ العربي اخوه الكردي وهمشه، تصبح الامور اكثر صعوبة، نظرا لتعقيدات المنطقة وتضارب المصالح الاقليمية والدولية.
ولكن هل تصنع دمشق الحل؟ وتفتح ابوابها السبعة امام الاكراد؟ لا خلاص للشعب السوري الا بالتوافق المشترك بين أبنائها، واشراك صغيرها وكبيرها من كافة مكونات المجتمع السوري، وتجارب المنطقة اثبتت ذلك (السودان وجنوبه، العراق وشماله)، فطيلة صراع اكراد العراق مع الحكومة المركزية في بغداد لم تخرج دعواتهم خارج اروقة العراق، حتى في أيام الحرب مع صدام حسين، وتجلى ذلك في اتفاقية 11 اذار/مارس عام 1970، حيث اقر نظام البعث آنذاك بحقوق الشعب الكردي المشروعة بما فيها الحكم الذاتي، إلا أن النظام العراقي تنصل منها، اثر’اتفاقية الجزائر’ عام 1975 مع ايران وتخلى بموجبها عن شط العرب لشاه ايران محمد رضا بهلوي. غير ان تحالف الاكراد مع المعارضة العراقية ضد نظام صدام، ظل من اشد التحالفات في المنطقة واكثرها تفاهما، وتمت بلورة هذا التفاهم في مؤتمر لندن 2002 للمعارضة العراقية ودعوته الصريحة لاقرار حقوق الشعب الكردي في العراق.
لا شك ان العلاقة بين الاكراد والعرب كانت دائما تشوبها عدم الثقة والحذر، وفي نظر الاكراد ما صرح به رئيس الائتلاف السوري السابق معاذ الخطيب بان ‘المطالب الدستورية لأكراد سورية ستترك إلى ما بعد انتخاب برلمان حر ليقرر بشأنها’ ليس سوى فصل اخر من فصول الاقصاء والتجاهل.
ولكن كيف كانت صورة العلاقة التي ارتبطت بين الاكراد والمعارضة السورية قبل الثورة؟
لقد مهد اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الذي تأسس في 2005، الطريق لإيجاد آليات لبحث القضية الكردية ضمن خيار دولة ديمقرطية،وطنية، وعلى قاعدة وحدة سورية ارضا وشعبا، وهذا ما شكل ارضية جديدة للتحالف مع بعض الاحزاب الكردية ‘كالتحالف الكردي’ آنذاك، ومن أبرز قادتها عبد الحميد حاج درويش سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي، بهدف تشكيل جبهة سياسية مناوئة لحكم البعث. وكان الاعلان بمثابة نقلة نوعية، ناقش وضع الاكراد للمرة الاولى علانية على خريطة المعارضة السورية، وبغض النظر عن أن الاعلان اخرج القضية الكردية من ازقة ‘قامشلو’ إلى حضن دمشق وجرهم الى الحوار، إلا أن الاكراد بقوا اسرى تجاربهم الفاشلة والمريرة، مع الاتراك والفرس والعرب، وهاجس الخوف كان يطاردهم دائما، خاصة بعد احداث 2004 في القامشلي التي راح ضحيتها عشرات شباب الكرد على يد الاجهزة الامنية واعتقال الالاف.
أما الاخوان المسلمون، فينطلقون من منطلق اسلامي بحت، وعندما يتحدثون عن الاكراد فهم يشهدون بان التاريخ سجل ‘للإخوة الأكراد أروع البطولات في الدفاع عن الأرض والمقدّسات، وأصبح البطل العظيم صلاح الدين، ملكاً لتاريخ الأمة كله’ ويدعون الى ‘الاعتراف بالخصوصية الكردية والحقوق الثقافية بكل ابعادها الحضارية والثقافية والاجتماعية في اطار وحدة الوطن..’. هذه الرؤية التي اعلنتها الحركة في 2005، ولو كانت على ورق اعتبرت بادرة لفتح صفحة جديدة مع الاكراد بعد عقود من القطيعة والانكار، وكسبهم ، مع العلم انهم يسعون الى لبس الاكراد ثوب صلاح الدين الايوبي، محرر القدس، اي إعادة انتاج مجتمع كردي إسلامي بعيد عن ‘الطموحات القومية’. واقع الحال يشي بأن حلم الاخوان باحتكار السلطة ما زال قائما، من خلال الاستئثار بالمجلس الوطني السوري، والامر الاخر ان تصريحات قادتها منذ بداية الثورة في 2011، حول مطالب الاكراد، اعادت الى ذهن المجتمع الكردي، عقلية الاقصاء، خاصة عندما يرسمون مستقبل سورية رافعين شعار ‘الاسلام هو الحل ‘.
خلاصة القول، بعد أكثر من ثلاثين ألف قتيل في تركيا بسبب الحرب الدائرة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، توجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إلى دياربكر معقل انصار عبدالله اوجلان ووعد بحل المسألة الكردية وطي صفحة الماضي. إذا هل تفعلها المعارضة السورية وتعترف بان قضية الاكراد، قضية سياسية وطنية وليست مسألة افراد مجردين من الجنسية؟ أم انها تنقلب على الواقع وتغلق أبواب دمشق امام مواطنيها؟
القدس العربي