زرت في بداية جولتي في الولايات المتحدة “العربي” الأميركي الذي كان، ومنذ أيام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، أحد الأقنية السرية التي اعتمدها الأخير للتواصل مع اسرائيل بغرض التوصّل الى حل عادل وسلمي للنزاع معها. وكنتُ نشرت بعد جولات مماثلة تفاصيل مساعيه في دمشق وتل أبيب وأسباب إخفاقها.
قال: “لا جديد. تلقّيت اتصالاً في البداية من “القيادة السورية” طلباً بعدم مسّ الرئيس وعائلته بسوء في حال تردّت الأوضاع كثيراً، وبتأمين مكان آمن لهم. لكن هذا الأمر لم يعد مطروحاً. قصة سوريا طويلة. والحرب فيها طويلة. وهي أهلية ومذهبية. اقترحتُ على ثوار سوريين في الداخل والخارج دعوة سياسيين وعسكريين علويين الى المشاركة في الثورة. رفضوا طلبي بحجة أنني تعاملت مع اسرائيل. فقلت لهؤلاء: انتم تعرفون بمعرفة مَن وموافقة مَن تعاملت معها. ومبرِّركم للرفض ليس صحيحاً. رفضتم اقتراحي لأنني علوي. ذهبت الى اسطنبول للتعاون مع الأتراك في إيجاد حل. أجريت مقابلات جيدة مع بعضهم. لكن رئيس الوزراء أردوغان جمّد الأمر قائلاً: يجب الانتظار بعض الوقت. بعد ذلك بذلت مساعي مع دولة أوروبية لن أكشف اسمها ووضعنا اقتراحات حلول تضمّنت عشرة مبادئ، وتعهدت هي البحث في ذلك مع المعنيين، واتفقنا على عدم التسريب لأنه ينهيها. تقع مسؤولية ما يجري في سوريا منذ نيف وثلاث سنوات على روسيا وأميركا والسعودية وقطر وتركيا. يدفعون أموالاً ويرسلون أسلحة للناس ومخرّبين”. علّقتُ: يتحمّل الرئيس بشار مسؤولية كبيرة لأنه عسكرَ الثورة ضده بقمعها وفتح الباب بذلك لكل المتطرّفين والتكفيريين للمجيء الى سوريا دفاعاً عن “غالبية” شعبها بعدما تخلّى العالم عنه. ردّ: “كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق كتب، ومن وقت غير بعيد، أن سوريا ستُقسَّم ثلاث دول. واحدة للأكراد وأخرى للسنّة في الوسط وثالثة للعلويين في مناطق الساحل. يوم بدأت قصة درعا التي أطلقت الثورة ذهبتُ الى كندا وكنت مع سفير سوريا لديها، لأنني لم أكن أتكلم في حينه مع سفير سوريا السابق في واشنطن. كتبت عنده رسالة للأسد طلبت فيها منه الذهاب مع زوجته وأولاده الى تلك المدينة وطلب الصفح من العائلات التي ضُرب اولادها وأهينوا وقُتلوا. وطلبت منه ايضاً إعطاء وعد بمحاكمة من ارتكب ذلك وبتعويض المتأذّين والمتضررين. أُرسِل الكتاب بواسطة الحقيبة الديبلوماسية من كندا الى سوريا. بعد سنة قال بشار أنه لم يصل وأنه لم يتلقَّ مني شيئاً. هل هذا صحيح؟ لا أعرف. ماذا فعلت وزارة الخارجية بالكتاب؟ هل سلّمته إليه؟ لا أعرف. غالبية محيطه فاسدة ومتورّطة، علماً أنه إذا سقط أو تنحّى فلن يسلَموا هم. هناك خلافات علوية – علوية داخل سوريا حول ما يجري في البلاد. لكن العلويين كلهم واحد في مواجهة الهجمة السنّية الشرسة، بل الهجمة التكفيرية. أنا أتعاطى مع ثوار الداخل ومع النظام ومع مَن يسمّون أنفسهم معارضة الخارج. على كل الدولة الأوروبية التي وضعت معها اقتراحاتي قد يزور احد وزرائها المنطقة في الثلث الثالث من آذار (الماضي)”.
ماذا في جعبة مسؤول أول عن مركز بحثي جدّي وعريق في واشنطن يميل الى اسرائيل في شكل أو في آخر؟
قال في اثناء البحث في الموضوع السوري وفي الموقف من نظام الأسد الذي يعتبره سوريون وعرب متخاذلاً: “عند أوباما ثلاثة أهداف. الأول، لا قنبلة نووية ايرانية. والثاني، لا “قاعدة” ولا ارهاب إسلامياً كان أو غير إسلامي. ولا تورّط عسكري أميركي جديد في سوريا أو في الشرق الأوسط وربما في العالم. الا طبعاً إذا تهددت بلاده مباشرة. ولذلك فانه لن يفعل شيئاً لا في سوريا ولا في الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني رغم الجولات المكوكية لوزير خارجيته جون كيري بين بنيامين نتنياهو ومحمود عباس. بسبب الإسلاميين والتكفيريين وغيرهم أعتقد أن بشار الأسد يمكن أن يربح في النهاية”. علّقت: “أعتقد أن نظامه انتهى، لن يعود. طبعاً هو باقٍ أو سيبقى في مناطق معينة قد تكون واسعة أحياناً. ماذا تفعل أميركا بالسعودية والجهات العربية والدولية الأخرى التي تعمل لإنهاء حكمه؟ أجاب: “ربما يربح بمعنى البقاء. لكنه أكثر تنظيماً من الثوار، ومعه روسيا وايران. أوباما لا رؤية سياسية لديه، ولن يفعل شيئاً. أما لبنان فان أحداث سوريا تأتي اليه. لا أعرف اذا كان سيشهد فراغاً رئاسياً. أعتقد أن الناخبين الرئاسيين الكبار هم إيران والسعودية وأميركا”.
ماذا في جعبة باحثة وخبيرة في مركز أبحاث أميركي آخر في واشنطن يتمتّع بصدقية كبيرة؟
نقلاً عن جريدةالنهار اللبنانية