كانت هي المرّة الأولى التي التقي فيها الأستاذ عبد الحميد درويش (سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، عندما كان في ضيافة الخالد مام جلال والاتحاد الوطني الكردستاني في نهاية التسعينيات من القرن المنصرم.
عقدنا له في مكتب الإعلام المركزي ندوة سياسية حول الملف الكردي في سوريا، حضرها الرفاق أعضاء المكتب والمسؤولين والقنوات الإعلامية وعدد ملفت من الكوادر الإعلامية المتقدمة في الاتحاد الوطني الكردستاني، حينها شرفوني بتقديم الأستاذ حميد درويش وإدارة الندوة.
تحدث الأستاذ في الندوة بلهجة كرمانجية سلسة وسهلة، وعرض بدقة الخطوط العريضة للوضع السياسي والثقافي لكردستان سوريا، وتحدث عن مطالب الحركة الكردية هناك، ووقف بشدة ضد سياسية التعريب وانتهاك حقوق الكرد، وضد ظاهرة الإنشاقات في الحركة الكردية في سوريا، ولم ينسى أن يترك هامشاً للتفاؤل بإمكانية تصحيح الأوضاع السياسية في (الجزء الجنوبي الصغير من كردستان)، حينها هكذا كنا نسمى غربي كردستان.
لم يتحدث الأستاذ عن جنوبه الصغير فقط ، وإنما تحدث حول جنوبنا أيضاً، وكان له رأيه وملاحظاته حول كردستان كلها.
كصديق عتيد لمام جلال، ومن موقعه كحليف للإتحاد الوطني الكردستاني أيضاً، انتقد الأستاذ خلافاتنا مع البارتي وأنتقد الحرب الداخلية بين الحزبين وقال: لأنني في ضيافة مام جلال والاتحاد الوطني الكردستاني أريد أن أكون صادقاً وصريحاً معكم، وعلى قيادتكم أن تؤيد مبادرة مام جلال من أجل المصالحة مع كاك مسعود بارزاني ومع البارتي، وقال أيضاً: على القيادة أن تفعل كما كان مام جلال يقول دائماً (توريطهم وطنياً)، وانتم أيضاً كونكم كوادر متقدمة في الإعلام عليكم أن تعلموا كيف تستخدموا سلاح الإعلام في خدمة نداء السلام، وادفعوا إعلام البارتي أيضاً بأتجاه الوقوف إلى جانبكم في هذا الهدف الكردستاني النبيل
طبعاً، لاجديد في الطرح اليوم حيث قطع فيه إقليم كردستان خطوات جيدة في مجال المصالحة السياسية بالرغم من الخلافات والصعوبات بين قواها السياسية، ولكنه بالنسبة لتلك الأيام، التي كان فيها الحصار مطبقاً على كردستان، وفي كردستان كان الحصار مطبقاً على منطقة نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني ، في تلك الأيام كان كلام الأستاذ يعبر عن بعد نظر عميق، وحرص شديد على كردستان.
وفيما بعد، نحن مجموعة من الشباب المتحمس من إعلاميي تلك الحقبة وجهنا دعوة خاصة إلى الأستاذ حميد، واستضفناه بناءاً على مبادرة من المرحوم عادل مراد، وأجرينا معه حوارا طويلاً وغنياً حول الملف الكردي في سوريا، وحول إنجاز السلام في كردستان.
كان الأستاذ حميد يتحدث بوجه منشرح وبتحمل شديد، وفي الأخير توجه نحو الأخ عادل مراد، وقال: عندما كنتم في القامشلي في بداية تأسيس الإتحاد الوطني الكردستاني، وإشعال الثورة الجديدة، هل كنتم تتوقعون بأن يكون أبناء مام جلال هكذا ملمين و متحمسين في ثقافتهم، كما هم الآن يتصرفون معي ؟!، وقال: والله مدرسة مام جلال باتت واسعة وكبيرة، بحيث لا غرابة اذ هو لايتردد في طرح مبادرة وراء أخرى من أجل المصالحة والتآخي، وكلامه هذا كان في وقت كنا نحن نوجه الانتقادات لتحمس مام جلال للمصالحة ولندوة الأستاذ حميد درويش، ولازال هذا اللقاء عالقا في دفتر ذكرياتي .
بعد سقوط نظام البعث في بغداد، وبدء الربيع العربي ضد نظام البعث في دمشق، كان لنا أيضاً شرف اللقاء مع الأستاذ حميد لمرات كثيرة، وفي هذه اللقاءات تسنى لنا ان نتحدث معه بشكل أوسع وأعمق، وفي المرات الأخيرة حينها كان الأستاذ حميد قد أصبح عميد الكرد في سوريا، وفي صداقته الكردستانية كان كالعادة عموداً قوياً ومسانداً لإتحاد مام جلال.
في كل مرّة ، وعندما كان يتم لقاءنا مع الأستاذ حميد بمبادرة من ألأخ علي شمدين، كان حديثنا كالعادة عن العلاقات النضالية الرفاقية مع مام جلال ومع الإتحاد الوطني الكردستاني.
وفي أسوأ الظروف التي كان الإتحاد الوطني الكردستاني يمرّ بها في كردستان داخليا وعندما كان الكثير من الأحزاب والأطراف والشخصيات في كردستان يظهرون عدم وفائهم لمام جلال، في تلك الظروف كان كاك حميد دائماً مخلصاً ووفياً في مواقفه مع الإتحاد الوطني الكردستاني، ومع ثقافة المصالحة والتوافق في جنوب كردستان، وفي غربها وفي عموم كردستان .
كان دائماً عموداً قوياً للكردايتي في سوريا وفي عموم كردستان، لم يكن يصغي للأعاصير الصاخبة والمغامرة، كان دائماً في جبهة المقاومة والدفاع عن شعبه وقضيته العادلة، من دون أن يضعف أو يتراجع قيد شعرة عن الحوار والمصالحة والمبادرة حيث يمكن ذلك
كان لكاك حميد رأياً ثابتاً على أن حزب مام جلال ومدرسته ضرورة تاريخية ليس فقط لأعضاء الاتحاد فقط، وإنما للكردايتي والديمقراطية في عموم كردستان والمنطقة أيضاً، وكان يقول: عليكم أن تعقدوا مؤتمراً للتجديد والتطوير، ليس من أجلكم فقط، وإنما من اجل الكرد أيضاً.
إن شرف اللقاءات مع الأستاذ حميد مهما تكن كثيرة، فهي تظل قليلة، وبالنسبة لي كصحفي وكبيشمركة صغير للكردايتي، كان دائماً يبعث فيّ العزيمة والتفاؤل، ولكن اللقاء الأول يبقى دائماً في الفكر والقلب مبعثاً للذكرى، ويظل زاداً معنوياً على مدى العمر.
كان رحيل الأستاذ حميد، طياً لمرحلة الأعمدة الكبار من القادة، في وقت كان لايزال هناك الكثير الذي كان عليهم أن ينجزوه، مع إنهم أنجزوا الكثير، وإن الحفاظ على ميراثهم الكبير وإغنائه، هو أمانة صعبة بحق.
الأستاذ حميد ستظل ذكراك باقية، مادامت كردستان باقية.