عندما قلد الرئيس المصري محمد مرسي في شهر أكتوبر من العام الماضي الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات “وسام النيل” بمناسبة حرب تشرين الأول /أكتوبر 1973 ، أو ما عرفت “بحرب العبور” فيها استطاع الجيش المصري أن يحطم خط بارليف الحاجز ، الذي أقامته إسرائيل بعد انتصارها في حرب 1967 ، تساءلت في قرارة نفسي ، هل من المعقول أن يتجلّی معنی المثل العربي السائد ” قتل القتيل ومشى في جنازته” بهذا الوضوح؟
فالذي يعرفه الرأي العام والذي نقل علی شاشات التلفاز في حينه هو أن محمد أنور السادات قتل في السادس من اكتوبر ١٩٨١ في عرض عسكري متعلق بالمناسبة المذكوره أعلاه بيد خالد الاسلامبولي ، أحد أعضاء حركة الإخوان المسلمين، التي دبرت حسب ما جاء في الإعلام المصرية آنذاك تلك العملية الشنعاء.
قبل أیام قام الجيش بإطاحة محمد مرسي من رئاسة الجمهورية الذي إستشاط غضباً بعد أن علت أصوات الثورة والتغيير مرة أخری و بعد أن استمرت التحركات الشعبية ضده للدفاع عن مكاسب ثورة ٢٥ ینایر والوصول الی تحقيق الأهداف الاجتماعية التي قامت أصلاً من أجلها.
محمد مرسي الإخواني رفض فكرة الدولة المدنية كما رفض الاتفاق على الدستور الذي انفرد هو و جماعته بكتابته و سعی بعد أشهر من الحكم الی فرض سيطرته علی القوات المسلحة والمخابرات و تصرف خلال السنة الماضية و كأنه هو الزعيم الأوحد و القائد الأعلى للبلاد و وارث الأرض و العباد و خارج عن دائرة المساءلة السياسية أو القانونية.
صحيح بأن حياة البشر و أوضاعهم تتغير وتتبدل بفعل أحداث و تطورات تنبثق من داخل المجتمعات وأن الاعتدال والعدالة سمة الديمومة في الحكم في القرن الواحد والعشرين و أن أكثریة شعب مصر اليوم ترغب في بناء نظام سياسي يهدف إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء ، في ظل مجتمع مدني ديمقراطي يحمي الحرية ويسمح بالتعددية لكن السٶال هو ، هل يخضع الإخوان لإرادة الشعب وينضمون إلى صفوف المعارضة ليشاركوا في صنع مستقبل هذا البلد؟
اليوم و بعد ظهور ميليشیات مسلحة من شباب الإخوان المسلمين – التي ينتمي الیها الرئيس المطيح – المتحالفة مع جماعات جهادية والتي تقوم حسب الأخبار بإسم الدفاع عن الشرعية و الرئیس بالقتل والخطف في صفوف المدنيين ، وصلت مصر الی مرحلة حرجة يصعب التنبؤ بتاریخ انتهائها ، مع العلم بأن الوضع الأمني الغير مستقر يجلب معه انهيار الاقتصاد و تفكيك النسيج الاجتماعي و ولادة حروب أهلية تفتك بالمجتمع المصري و غيره من المجتمعات. فالأصولية هي موجة إرتدادية تحكمها الذاكرة الموتورة والعقيدة الإصطفائیة يفكر صاحبه بعقلية الثأر والإنتقام أو بمنطق الإقصاء والإستئصال للمختلف و الآخر.
صحيح بأنه لا يجدي اللعب علی المخاوف والهواجس لكن الإخوان عجزوا عن المشاركة الفعالة في بناء مصر ما بعد مبارك وإن فلسفتهم السياسية المبنية علی استغلال الفرص للقضاء علی الخصوم و إقصاء المنافسين و الشركاء و سعیهم الدؤوب بعقلیتهم البرجماتية النفعية الی السلطة دون مراعاة قواعد اللعبة الديمقراطية أنجبت الديكتاتورية بعد وقت قصير من تسنمهم زمام الحكم و إغتصابهم سلطات الله و تنزیههم للقرارات و منعهم الطعن فیها بحجة “حماية الثورة” وهكذا أحرقو لفظ “المدنية” بعد أن رفعوا شعارهم الداعي الی “مدنية ذي مرجعية اسلامية”.
بالرغم من أن أقنعة الإخوان قد سقطت في مصر، إلا أنها لا تريد أن تقتنع بالحقيقة الجلية كل الجلاء بأن ثورات “الربيع العربي” لم تأت من العقائد الدينية و لا من الإيديولوجيات العلمانية، بل هي ابنة العصر الرقمي بتقنیاته و معلوماته، بقدر ما هي صنيعة فاعلين جدد هم الشباب والمدوّنون من عمال المعرفة الذين يشتغلون بقراءة المعلومات و بث الصورة علی الشبكة في هذا العصر عصر الحداثة الفائقة والسيّالة.
بالأمس كان الصراع في مصر بين الشعب والنظام و بالأخص الرئيس أو الزعيم، الذي أعتدی علی مصالح شعبه ببرامجه الداعية الی الدكتاتورية و حكم الزعيم الأوحد. أما الحدث الأخير فهو يترك بالتأكيد أصداءه المدوية و آثاره العميقة في النفوس و يشعل الفكر المتكلس و يحرر العقل المستعبد في ظل الحضارة الكونية الواحدة.
وختاماً نقول: “الايديولجيات الاسمنتية و المنظمات الجهادية الارهابية لا تستطيع أن توقف الثورات في الشرق الأوسط و تخطف الرؤی والمصالح الإنسانية المشتركة من الجيل الجديد الصاعد الشاب الفتي الذي يتعاطی مع النماذج والتجارب بلغة الخلق والتحويل والتجاوز لتوليد نماذج جديدة، وفقاً لسيناریوهات مغايرة.”