لقد بات الإرهاب ، الذي إتخذ اليوم طابعاً يضيف الى القدرة على الظلم النزعة الى الإذلال ، ظلؔ يلازم الأنظمة بعد أن إنتشرعالمياً وتوغل الی أعماق الثقافات التي تحاربه. فهو مشكلة معقدة ونزعة تدميرية ومرض فتاك لايكفي لمكافحته وإخماد ناره الإكتفاء بالإدانة الأخلاقية ونشر بيانات الشجب عن طريق الوسائل الإعلامية المزدوجة ، التي تغازل الدعوة الی اللاأنسنة بإسم الدعوة الی المثل العليا والقيم السامية ، بل بإيجاد تدابير تجتثه من جذوره ، كإنهاء المركزيات الإثنية والدينية والإيديولوجيات التي تهمش تضامن الأفراد و حسن التعايش ضمن منظور ايكولوجي ايطيقي. أصحاب المواقف القصوی والثنائیات العقيمة والخانقة والتنظيمات الباطنية المسلحة لاتحترم الخصوصيات القومية والثقافات المغايرة ، بل تنادي بالإنغلاق الديني والعقل الأحادي الی الإستبعاد والتضاد وتعمل من أجل تطور لامتكافیء بين الدول والشعوب والثقافات.
في عالم الصيرورة والتحوؔل وعصر الإعتماد المتبادل لايمكن أن يتم تشكيل الهوية البشرية بالتعسف والشطط أو بهدم التوازن بين الروح والجسد وبين الفكر والمادة وبين الأخلاق والسياسة أو بإحالة الجماعات الی أدوات وأرقام ، أو الی قطعان بشرية تجري تعبئتها وقولبتها لممارسة العدوان وشن الحروب ، تحت شعارات دينية أو مشاريع التحرر.
الأسلمة ليست الحل أو المخرج كما تدعي الجماعات الإرهابية ، بل هي المأزق والعائق وهذا ما يمكن قرأته وإستنتاجه من عمل الداعية التراثي أو الجهادي الأصولي ، الذي يتعامل مع الشأن الديني من زاوية التوظيف السياسي ويعمل بذهنية التحريم و يميل الی تغليب الحقيقة الواحدة على نسبية المعرفة أو إقصاء المغايرين وتكفير المخالفين ولايتسامح مع الآراء المتعددة ويرفض التنوع في الأفكار.
للتحرر من الإرهاب ، الذي لايميز بین مذنب وبريء أو بین مدني وعسكري أو بين آمن ومحارب ، علینا أن ندرك الحدود الفاصلة بين المعرفة والمصلحة والقيام بإيجاد علاقة ضرورية بين التلعليم والتربية و بناء مشروع فلسفي لعقلنة الواقع وإدراك حدود هذه العقلنة. أما الحوار السلمي شرط امكان قيام سلم دائم بالنسبة للدول والشعوب والخضوع الی الخيار العقلاني وحكمة المنطق والفعل التواصلي في الفضاءات العمومية من الشروط الضرورية لتجاوز العنف ، ومن لا يقدر علی الحوار ولايجعل من العلاقة التعادلية المنفتحة أساس للإنطلاق ، ينحو نحو منطق الإقصاء الذي لايولد إلا المعارض العدو اللدود.
الأختام الأصولية واللامعقول الديني هي آفة أو ظاهرة متفشية وثمرة من ثمرات الثقافة الدينية الرائجة بمرجعیاتها ورموزها وتعالیمها ، كما بفتاواها وأخطاباتها وأحكامها. فالذي يدين سواه بوصفه غير متديؔن أو لاينطلق من منطلقات دينية ، إنما يفكر بعقلية إرهابية ، هي نفس العقلية التي يعمل أصحابها علی تفجير المدارس أو المطاعم أو المساجد أو الأسواق المكتظة بأجساد الآمنين والأبرياء وهي نفس العقلية التي تسعی في كل من العراق وسوريا الی تعزيز مناطق النفوذ وإقامة دولة تسمی بـ”الإسلامية” علی جانبي الحدود العراقية -السورية.
هٶلاء بدعاواهم المزيفة يزعمون بأنهم يسعون مخلصين الی خدمة دين الله وشريعته ، دعاوی تخرقها وتخرمها دوماً الوسواس والهواجس والشبه والشكوك والأهواء والأطماع. هٶلاء ينتهكون القيم والمبادیء والأحكام التي تتعلق بالعدل والحق. أمراء تلك الجماعات الإرهابية نصبوا أنفسهم وكلاء علی سواهم ، يدعون أنهم وحدهم دون سواهم ينطقون بإسم الله ويسيرون علی الصراط المستقيم. إنهم بحق أسلحة الدمار الشامل ، التي صنعتها الثقافات الدينية المزدوجة علی مدی عقود من الزمن. إنهم من صنع الوهم القاتل المزروع في العقول ، يعتبرون أنفسهم أهل الفرقة الناجية ، الذين أصطفاهم ربهم لكي يختم الوحي علی يدهم وبلغهم آخر ماعنده من رسائل وتعاليم وقرارات. وهكذا أصبحوا آلهة فعلية لارمزية ، مفردات قوامیسهم لاتحتوي علی الإهمال والتمهل ، العفو والغفران ، إنهم يعاقبون قبل اليوم الموعود ، بإستخدام وسائل الرعب وآليات الدمار، لكي تحيل الحياة في العراق والشام الی جحيم لايطاق أو لكي تتحول هواجس الهوية الی فخ يلغم العيش المشترك ويزيد المسلمين عزلة.
وختاماً: “التعصب لايمارس من خارج الدين أو ضد مبادئه ، بل هو صناعة دينية تماماً كما الإرهاب ليس خططاً شيطانية ، بقدر ماهو صناعة بشرية.
الدكتور سامان سوراني