بحلول الرابع والعشرين من هذا الشهر، شهر تشرين الأول، تحل الذكرى السنوية الأولى لرحيل سكرتير حزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، الأستاذ والمعلم بحق، عبد الحميد درويش.. وبهذه المناسبة لا يمكن للمرء وخاصة، نحن الذين عاشرناه فترة طويلة من الزمن وعملنا معه عن قرب، إلا أن نستذكر الخصال الحميدة لذلك الإنسان الذي كان يكبر في عيوننا كلما كنا نزداد منه قربا في العمل سويا.. كان يرعانا في العمل بتوجيهاته دون كلل كالمعلم الذي يحرص على أن يخلِْف تلاميذ ناجحين كان يهتم بكل رفاقه ويتابع أوضاغهم ويعرف كل أعضاء أسرهم وأسماء أطفالهم ويسال عن أحوالهم باستمرار حتى كان يحفظ أرقام الهواتف الخلوية للكثير من رفاقه ومعارفه عن ظهر قلب.. هذا الشخص الذي انخرط في خضم العمل السياسي منذ بدايات شبابه، وانضم إلى تلك القلة القليلة من المتنورين والمثقفين في أواسط الخمسينات ليقوموا بتأسيس أول تنظيم سياسي كردي لتنظيم طاقات الشعب والمطالبة بحقوقه في وقت كانت معظم المناطق الكردية.. خاض الراحل الكبير غمار العمل السياسي بهمة ونشاط منذ بدايات شبابه حاملا معه هم شعبه وانبرى إلى جانب أقرانه للدفاع عن حقوق هذا الشعب المقهور والحفاظ على وجوده من الضياع.. وشيئا فشيئا دفعته إمكاناته ومهاراته وصفاته القيادية إلى الصفوف الأمامية في العمل السياسي، حتى أصبح في مركز القرار وتولى منصب سكرتير الحزب في أواخر الستينيات ليدير دفة السياسة الكردية بامتياز رغم تعرضه لحملات شرسه من الجهات الشوفينية للتشويش تارة وتشويه سمعته السياسية تارة أخرى، إلا أنه بقي صامدا كالطود الشامخ، واستطاع أن يفرض احترامه حتى على خصومه والمختلفين معه، ونال كذلك احترام وثقة مختلف المكونات والشرائح الاجتماعية لأنه كان يدافع عن حقوقهم أيضا بكل قناعة وليس من باب الممالأة والتصنع؟
استطاع الراحل الكبير أن يوازن بين سياسات الحزب الوطنية والقومية حيث كان يؤكد على الدوام أن حل المسألة الكردية يجب أن يأتي من الداخل السوري وهي مرتبطة بحل مسألة الديمقراطية في عموم البلاد وبحل مجمل القضايا الداخلية التي تتطلب حلولاً ناجعة دون أن يساوم على حقوق الشعب الكردي المشروعة في إطار الدولة السورية الموحدة. وكذلك لم يهمل البعد الكردستاني في سياسة الحزب، فقد اعتبر التنسيق والتعاون مع الأطراف الكردستانية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها على قاعدة احترام خصوصية نضال وسياسات كل جزء من كردستان. كان المرحوم الأستاذ عبد الحميد درويش سياسيا براغماتيا يتخذ سياسة واقعية بعيدة عن التطرف والانعزالية والمتاجرة بالشعارات أو اللعب بعواطف الجماهير.. كان دوما يحاول أن يواجه الناس بالحقائق ويعرًّفهم بها مهما كان الثمن، حتى وإن كان أحيانا حزبه يدفع ضريبة ذلك على الصعيد التنظيمي، إيمانا منه بأن يوما سيأتي ويعرف الناس الحقائق. كان المرحوم يُعتبر الترمومتر السياسي للرفاق، فعندما كانت الأوضاع تبشر بخير ما أو بانفراجة في الوضع السياسي على أي صعيد كان، كنا نراه منشرح الصدر متفتح الأسارير فرحا ومازَحا مع هذ الرفيق أو ذاك، أما عندما كانت الأوضاع تتعقد ولا تبشر بخير، وتتلبد الأجواء السياسية في البلاد، أو في المنطقة، كنت تراه متكدر المزاج منزعجا مهموما، وهي كانت الحالة السائدة في معظم الأوقات مع كل الأسف، إذ لم تشهد الأوضاع انفراجة حقيقية طيلة فترة حياته لا على الصعيد الداخلي ولا على الصعيد الخارجي، فعلى صعيد المنطقة إلى أن غادرنا وهو يتلوى حسرة وغضبا لما حصل لسري كانييه ومن قبلها عفرين، حيث عاكسته الظروف كثيرا في السنوات القليلة التي سبقت رحيله وهو يرى بأم عينه ما يحدث لشعبه الذى أفنى عمره وشبابه من أجله، دون أن يتمكن من أن يفعل شيئا يحول دون ذلك أو حتى أن يجمع أطراف الحركة السياسية الكردية حول طاولة واحدة رغم دعواته المتكررة والملحة، لتدارس الوضع الخطير والنظر فيما ينبغي فعله، فرحل بهدوء، وبرحيله خسر شعبنا الكردي والسوري والكردستاني قامة سياسية نضالية كارزمية قلما يسخو الزمان بمثلها.. لروحك الرحمة ولك ولنضالك المجد الخلود يا معلمنا الكبير..