بعد انطلاق الحراك الاحتجاجي في سورية منتصف آذار عام 2011، وجد حزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي نفسه منحازا لمطالب المحتجين والمتظاهرين في عموم البلاد طالما كانت الاحتجاجات سلمية وبعيدة عن أعمال العنف والتخريب، وعندما واجهت السلطات الأمنية تلك الاحتجاجات بالقوة والقمع، طالب الحزب بالكف عن ممارسة العنف بحق المتظاهرين وتلبية مطاليبهم الإصلاحية العادلة، وكان سكرتير حزبنا المرحوم الأستاذ حميد درويش قد استبق ذلك بتوجيه رسالة مفتوحة إلى رئيس البلاد طالبه فيها إلى المبادرة إلى القيام بتلبية مطالب المحتجين وإجراء إصلاحات من خلال إطلاق الحريات الديمقراطية وتحسين الأوضاع العامة والمعيشية وغيرها من الخطوات التي من شأنها قطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي إن حصلت سوف لن تترك سورية إلا (جثة هامدة) ، وهو ما حصل على أرض الواقع مع كل الأسف فاعتماد الحل الأمني _ العسكري من جانب السلطات وتدخلات الجهات الإقليمية والدولية في الشؤون الداخلية السورية زاد من تعقيد الأوضاع وأخذت الأزمة السورية شيئا فشيئا طابع الحرب الأهلية وما جرت معها هذه الحرب من كل الويلات والتبعات الكارثية.
وقد طالب حزبنا مرارا بعقد مؤتمر وطني سوري عام بهدف التوصل إلى مخرج لهذه الأزمة ولكن دون جدوى، وفي الجولة التي حضرها سكرتير حزبنا من مفاوضات جنيف، بعد أن كانت قد تدولت الأزمة السورية وتدخلت فيها الدول العظمى وخرج القرار عن أيدي القوى واللاعبين المحليين، وجه الراحل الأستاذ حميد درويش انتقادا لاذعا لكل من طرفي الصراع ( النظام والمعارضة) متهما إياهما بعدم الرغبة والجدية في التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة في البلاد، وعندما اتضحت الأمور مع الزمن وانحرفت المعارضة عن مسارها الصحيح وانكشف ارتهان معظم قواها السياسية لدول إقليمية أو جهات دولية، والتي تحولت في معظمها إلى فصائل وقوى دينية متشددة لا بل وحملت في غالبيتها طابع الجماعات الإرهابية التي تأتمر بأوامر قوى دولية مجاورة ووجهت أسلحتها صوب المناطق الكردية، عندها تبرأ حزبنا من ( معارضة) لم تعد تحمل الطابع الوطني ناهيك عن الديمقراطي وانكشف زيف شعارات تلك الفصائل وكشفت عن نواياها الحقيقية عندما هاجمت سري كانييه وغيرها من المناطق الكردية مما اضطر حزبنا إلى اتخاذ موقف الدفاع عن مناطقه وبادر رفاقنا إلى حمل السلاح وقدم الحزب شهداء أثناء ذلك، وبعد الإعلان عن الإدارة الذاتية وتشكل قوات الحماية الشعبية الكردية ووحدات حماية المرأة وقف الحزب موقف المساند لهما في الدفاع عن المناطق الكردية ضد أعتى قوتين إرهابيتين هما جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيتين. أما على الصعيد السياسي الكردي، فبعد ان فشلت تجربة الهيئة الكردية العليا وانقسام الجبهة الداخلية الكردية على نفسها وخاصة إلى ما يشبه طرفي نقيض هما المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي التي تمثلت فيما بعد بشكل رئيسي بحزب الاتحاد الديمقراطي، وبعد أن تعذر على حزبنا الاستمرار في العمل ضمن المجلس الوطني الكردي لأسباب لسنا بصدد ذكرها الآن، حاول الحزب أن يلعب دورا توفيقا بين الطرفين ومحاولة لملمة الصف الكردي في تلك الأجواء العاتية التي كانت تعصف بالأوضاع السورية ولم يكن واضحا أين ومتى ستستقر، وحتى بعد أن احتلت القوات التركية والفصائل الموالية لها عفرين وبعدها هددت ومن ثم اجتاحت گري سبي وسري كانييه، لم يتمكن حزبنا وبخاصة سكرتير الحزب ( رحمه الله) ورغم محاولاته المستميتة، من أن يجمع الأطراف الكردية على طاولة واحدة بهدف التشاور بشأن ما يمكن القيام به لدرء الأخطار الجسيمة المحدقة بمناطقنا أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر، فخسرنا سري كانييه وگري سبي كما عفرين من قبلها وكان الأتراك قد زادوا من حجم تدخلهم في الأزمة السورية من خلال عملية ( درع الفرات) حيث احتلوا جرابلس والباب وغيرها من المدن والبلدات السورية ودعم الفصائل المتشددة المسيطرة على منطقة إدلب مما زاد من تعقيد الأوضاع ومن صعوبة التوصل إلى حل للأزمة السورية، واليوم.. حيث هنالك حوار قائم، وبرعاية أمريكية، وإلى حد ما فرنسية، بين المجلس الوطني الكردي والاتحاد الديمقراطي وقد استقطب كل منهما حوله مجموعة من الأحزاب، وترمي الولايات المتحدة من وراء ذلك، بحسب ما هو معلن تحقيق وحدة الصف الكردي للمشاركة في مفاوضات جنيف أو أية مخارج أخرى محتملة للأزمة السورية وتحقيق مكسب ما فيما يخص حقوق الشعب الكردي، ورغم أن تلك الحوارات لم تفض إلى شيء ملموس و معلن حتى الآن، إلا أننا نتمنى أن تسفر عن إزالة كل أسباب الخلافات بين الجانبين وحل الإشكالات القائمة بينهما، لا بل إن حزبنا على أتم الاستعداد للمساعدة في إنجاح تلك اللقاءات إن طلب منه ذلك، مع ملاحظة أن الإجماع ووحدة الصف الكردي لن يكتمل دون مشاركة الأحزاب السياسية الفاعلة علي الساحة الكردية مثل حزبنا وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية، أما الأزمة السورية فقد باتت رهينة مصالح وسياسات وإرادات الدول العظمى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا..