يعتبرُ حزب الاتحاد الديموقراطي الكُردي السوري PYD نفسه تياراً سياسياً وارثاً عموم الحركة القوميّة الكُرديّة في سورية، تلك التي امتد نشاطها/نضالها السياسي أكثر من ستة عقود. ويرى أن الحركة فقدت جدارتها وحيويتها، ولم يعد عقلها السياسي والفكري قادراً على وعي حركة الأحداث الراهنة، كما ان خيارها الاستراتيجي لم يعُد مُطابقاً لمصالح الأكراد السوريين. مقابل ذلك، يعرض نفسُه كتيار تحديثي يملكُ مشروعاً سياسياً فكرياً استراتيجياً متكاملاً، وأن الأكراد السوريين الذين لا يوافقونه سياسياً إنما لا يدركون هذه المضامين «العميقة»، وأن عليهم بذل المزيد من الجُهد الذهني للإحاطة بهذا المشروع «التحديثي» المُتكامل للأكراد السوريين، ورُبما لعموم السوريين وشعوب المنطقة.
أول ما يسعى الاتحاد لأن نُصدقه هو جوهر «المسألة الكُردية» في سورية. إذ يعتبر النظام الذي حكم سورية بالحديد والنار والطائفية والإلغاء مُشكلة ثانوية في هذا السياق، مُشكلة يُمكن التعايش معها وغض النظر عنها وتبادل التواطؤات معها. مقابل ذلك فإن مُشكلة الأكراد إنما هي مع المعارضين السوريين، وبقول أكثر شفافية، مع الجماعة الأهلية التي تُشكل متن الوطنية السورية (السُّنة السوريين). علينا أن نُصدق ذلك، على رغم إقرار جميع مؤسسات المعارضة السورية بأحقية حل المسألة الكُردية في سورية وفق المعايير والمواثيق الدولية، وعبر الاعتراف الدستوري بالشعب الكُردي في سورية وحقوقه القومية، بينما لا يوافق النظام حتى على منح حلفائه الأكراد حتى ورقة اعتراف رسمية علنية واحدة بحقوقهم الطبيعية في البِلاد.
ثانية الحقائق تتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي يعرضه هذا الحزب على الأكراد السوريين، القائم بجوهره على المركزية الحزبية السياسية الشديدة، المتمحورة على خطاب أسطوري حول المُجتمع والأمة، حيث يمزج هذه الأسطورية الخطابية بإعادة أنتاج النماذج الأكثر بؤساً من سيطرة النُظم الحاكمة على المُجتمعات في القرن العشرين، انتظام شاقولي ستالين، يستميت في ضبط المُجتمعات وتوحيد مُخـــيلاتها وخياراتها وسلوكياتها، عبر عبادة هذا النموذج والإيمان برسوليته. شيء مما مارسه معمر القذافي وفيديل كاسترو وكيم أيل سونغ…الخ، والذي أدى إلى أفظع النتائج بحق المُجتمعات التي حكمها. يسعى الاتحاد الديموقراطي إلى أن نُصدق أن شموليته السياسية يُمكن أن تأتي بثمار ما للمُجتمع الكُردي السوري، وأن المُشكلة لم تكن في الإيديولوجيا التي أفزرت التجارب المُشابهة، وأن تجربته أنما ستقدم شيئاً ما مُغايراً. كما يُمكن أن تلقى نجاحاً في مُجتمعات تُعاني من كبت مُتراكم ومن توق إلى الانعتاق من القيود الخطابية والسياسية والإيديولوجية التي أوصلتها إلى هذا «الحضيض».
ليس بعيداً من ذلك أن الحزب يُريد أن نقتنع بأن «مغامرته» العسكرية القائمة على توازن استثنائي قلق، يُمكن أن تستمر بالنجاح، وأن الحزب بسيطرته في مساحات خارج جُغرافيا الغالبية السُكانية الكُردية السورية يُمكن أن يجلب استقراراً وإقراراً دولياً وإقليمياً بالحقوق القومية للأكراد السوريين!! أن نؤمن بأن هذه القُدرة على اللعب بالتوازنات والتفاهمات الراهنة يُمكن أن يستمر، وأن التفاهم الروسي – الأميركي على دعم قواتهم هو مُعطى ثابت، وأنه يُمكن أن يصمد إذا انهار التفاهم. وفي المستوى نفسه تبقى موازين القوى العسكرية بين المعارضة ومؤيديها الإقليميين والنظام السوري مثلما هي عليه الآن، وأن الحزب سيستطيع على الدوام استغلال هذا الخلل. وفوق ذلك، الأكراد السوريون بديموغرافيتهم الصغيرة وتمدُّدهم الجغرافي المُختلط يستطيعون مواجهة هذه التغيُّرات إذا حصلت- حصولها حتمي- من دون دفع أثمان المغامرة التي تتجاوز قوتهم الموضوعية.
طبعاً يقفز الحزب فوق ذلك ليعتبر هذه الجغرافيا الكُردية السورية منصّة لإدارة معركته المركزية مع تُركيا وتحصيل الحقوق الطبيعية للأكراد هناك، ومع الأحزاب الكُردية في كُردستان العراق، وبفرض نظريته الإيديولوجية على المُجتمعات غير الكُردية في الشمال السوري، وأن كُل ذلك يُمكن أن يُمر من دون أثمان قاسية على المُجتمع الكُردي السوري! حيث ظهر منها إلى الآن هجرة نصف الأكراد السوريين خارج بلدهم، على أقل تقدير.
أخيراً يسعى الحزب الى أن نعتقد أن الأحزاب الكُردية السورية المتنوعة والموزعة على طيف من الخيارات الإيديولوجية والسياسية والثقافية، وتعايشت في ما بينها لأكثر من نصف قرن، ولم يستخدم أي منها العُنف ضد الآخر، يُريدنا أن نُصدق أنها لا تُمثل الطبقات الوسطى وعالية التعليم والمتمدنة من الأكراد السوريين، وأنها كانت مفروضة على المُجتمع، وأن حزب الاتحاد الديموقراطي بكُل «الغرائبية» التي يستبطنها، أنما يُمثل هذا المُجتمع الكُردي السوري المتنوع الحيوي.
علينا أن نُصدق مُحصلة كُل ذلك، ونصدق بأن ثورة السوريين، ومنهم الأكراد، ليست بالضبط ضد كُل ذلك.
عن الحياة