رسائل متعددة صدرت من روسيا، بخصوص الوضع السوري، زادت من “غموض” موقف موسكو من “مصير الأسد”. إلا أن غموض هذا الموقف لم يعنِ، بحال من الأحوال، استحالة قراءته. خصوصا إذا ما كانت الصبغة العامة لتلك الرسائل تتضمن التحذير الرسمي لنظام الأسد، أكثر من مرة، بوجوب “الإنصات” للنصائح الروسية التي لم تقل موسكو حتى الآن ما هي هذه النصائح؟!
من الرسائل الغامضة لروسيا، في سوريا، وعلى سبيل المثال، مسألة تكريم ضباط من جيش الأسد. ويتأتى الغموض في هذا التكريم، هو أنه يجيء في الوقت الذي لم تنته فيه الحرب السورية، بل مازالت قائمة على أشدها.
كما حصل في تكريم الجيش الروسي لضابط من ضباط الأسد هو العقيد سهيل الحسن، وغيره بطبيعة الحال، حيث كُرّم مرتين، واحدة في مطار “حميميم” العسكري الذي تسيطر عليه روسيا، وأخرى في حلب الشمالية. فلماذا يكرّم الروس ضباطاً سوريين على رأس عملهم وهم في حالة حرب؟
الأسد ليس طرفاً في التفاوض الأميركي الروسي حول سوريا
رسالة غامضة أخرى وردت من روسيا بخصوص الأسد في 24 فبراير الفائت، وهي في قول الناطق الصحافي باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، إن الأسد “ليس طرفاً في التفاوض الأميركي الروسي” حول سوريا، مضيفاً أنها “مفاوضات مغلقة بين الجانبين”. وهو ما يتناقض أصلا مع الموقف الروسي المعلن حول الأسد الذي يعتبره “رئيساً شرعياً” ثم يستبعده من التفاوض مع الأميركيين حول سوريا.
خروج الأسد بكرامة يتطلب تقيّده بالخطة الروسية
الرسالة الغامضة الأخرى والأشهر، في هذا السياق، كانت في تصريح فيتالي تشوركين مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن، حول وجوب أن تحذو الحكومة السورية حذو روسيا في خريطة حل الأزمة، وإلا “لن تخرج الحكومة السورية بكرامة”. على حد قوله. وغموض تلك الرسالة يتأتى من كون التصريح الروسي لم يحدّد، بالضبط، ما الذي تقوم به روسيا، وعلى الأسد أن يقوم به كي “يخرج بكرامة” من الأزمة.
نعم للفيدرالية.. لا للفيدرالية!
ومن الرسائل الغامضة التي خضعت لشد وجذب وتأكيد ثم نفي، هو الكلام الروسي عن الفيدرالية في سوريا. ثم انتظار نظام الأسد أكثر من يومين كي يبدي رد فعلٍ على التسريب الروسي بخصوص “فَدرلة” سوريا. ثم جاء توضيح روسي ينفي هذا التوجه، ما دفع النظام على لسان وزير خارجيته لإعلان موقفه الرافض للفدرلة.
ثم.. روسيا لا تسعى لإبقاء الأسد رئيساً
الرسالة الأخيرة في هذا المجال، وعلى ما نشر في وسائل إعلام روسية نقلها “العربية.نت” بتاريخ 22 مارس 2016 تمثلت في تصريح فيكتور أوزيروف، رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الدفاع والأمن في البرلمان، بأن موسكو “لا تعتبر الأساس في عملية التسوية هو الحفاظ على بشار الأسد رئيساً، بل العمل على مصلحة الشعب السوري. وليس الحفاظ على الأسد رئيساً”.
الانسحاب الروسي الجزئي أشد الرسائل غموضاً
إلا أن الانسحاب الروسي الجزئي، من سوريا، مثّل برأي طيف واسع من المحللين “لغزاً” أشد غموضاً من كل رسائل موسكو حيال مصير الأسد. وأغلب الآراء اتفقت على أن الانسحاب الروسي يحمل في ثناياه، تغيراً ما بخصوص حل الأزمة في سوريا. فقد ورد في صحيفة “الحياة” اللندنية في مقال للكاتب غازي دحمان، اليوم الخميس، بأن “الانسحاب الروسي في هذا التوقيت وعلى هذا الشكل يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات وتداعيات كثيرة، كما أنه ينذر بتغيير ديناميكيات الصراع ليس بين الأطراف التقليديين، بل داخل جبهة الأسد وحليفته إيران”.
خصوصا أن الروس لم يعطوا للأسد فرصة كي يقوم بتكريم ضباطهم الذين رحلوا عن سوريا، مع أنه أصدر قانوناً تشريعياً جديداً بخصوص منح وسام بطل الجمهورية للأجانب! وكذلك لم يمنحوه فرصة الإعلان أولاً عن الانسحاب من جانبه هو لا من جانب الروس!
كما أن الانسحاب السالف تم بمعزل عن الاتفاقية العسكرية ما بين الجانبين والتي قضت في الباب التاسع منها بأن أي تعديل على الاتفاقية أو إضافات يجب أن يتم من خلال “بروتوكول إضافي واتفاق بين الجانبين”. وهو ما لم يحصل، إذ صرّح الروس بأن بوتين أبلغ الأسد هاتفيا بالانسحاب الجزئي.
وينتظر المحللون السياسيون والمراقبون للشأن السوري، ما ستسفر عنه زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو، وما إذا كانت “ستبدّد” بعض غموض الموقف الروسي حيال مصير الأسد الذي يبدو أنه سيدخل في إطار البحث “الجدّي” خصوصا بعد تصريح روسي أخير بأن موسكو لا تسعى لإبقاء الأسد رئيساً.