وأما «داعش»، فهو الاسم المختصر لـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وأحسب أن الاختصار هذا بدأ على توتير، تلبية للحد المعين المسموح به على هذه الوسيلة الاجتماعية. المجموعة الجهادية، «داعش»، هي امتداد للقاعدة في العراق، والتي عرفت باسم «الدولة الإسلامية في العراق»، وقد أسهم هذا التنظيم ابتداء في تأسيس واحدة من أقوى المجموعات الجهادية في سوريا وهي «جبهة النصرة لأهل الشام»، ولكن هذا التنظيم ومنذ أبريل الماضي دخل بتسمية الجديدة في سوريا، بعد رفض «جبهة النصرة» تحت التسمية الجديدة، وربطت نفسها بتنظيم القاعدة المركزية.
سلوك «داعش»، ورؤيته المتطرفة أثارا حفيظة السوريين، بل ودخل في مواجهة مع فصائل مرتبطة بـ «الجيش السوري الحر»، انتهت بتوقيع اتفاق بين الطرفين، ولكن أثار هذا تساؤلا أساسياً عن مدى إمكانية استمرار هذا الفصيل المتشدد إذا ما خسر التأييد المحلي، والتعاون مع المجموعات المسلحة الأخرى، خاصة أن تشدده يتناقض مع الرؤية الاستراتيجية العامة للجهاديين بعد الربيع العربي في كسب العقول والقلوب، إن جاز التعبير، في المناطق التي ينشطون فيها.
التنظيم لم يستمع حتى لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي طالب بإبقاء التسميات والاستقلالية للتنظيمات الجهادية في سوريا على ما هي عليه، ولكن التنظيم ومنذ زعامة الأردني أبومصعب الزرقاوي له إبان الاحتلال الأميركي للعراق، كان إشكالياً لتنظيم القاعدة والتيار السلفي-الجهادي، وقد انتقد مراراً، خاصة فيما يعرف بـ «استهداف العموم من المخالفين» -كما يسميهم الجهاديين- كالشيعة، والمسيحيين.. إلخ، من قبل قيادات القاعدة كأيمن الظواهري، وعطية الله الليبي، وحتى شيخ الزرقاوي ذاته، أبو محمد المقدسي المسجون حالياً في الأردن، وهو من أهم منظري التيار السلفي-الجهادي في العالم.
ورغم هذا الخلاف، فإن القاعدة في العراق بايعت زعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن، وذلك لحاجة الطرفين لبعضهما بعضا بحكم الصراع مع الولايات المتحدة في العراق، حيث كان الزرقاوي أقوى فروع القاعدة آنذاك، وفي أهم المناطق لهم، وبالمقابل فإن مسألة «الشرعية» كانت أساسية للزرقاوي لاستقطاب المجندين الجدد، وحتى التمويل.
وعلى هذا فإن الظرف السياسي فرض مثل هذا التحالف بحكم الوضع السياسي، خاصة أن التحالف/ البيعة تخدم السياسة العامة للتيار السلفي-الجهادي، ولكن التساؤل الآن، وفي ظل التحولات في العالم العربي: هل الإبقاء على العلاقة بهذا الشكل يخدم تلك السياسة أو الاستراتيجية العامة؟ خاصة أن عمليات «داعش»، ورغم الكثافة الإعلامية لنشاطه في سوريا، إلا أن هجماته أكثر في العراق، وبالمقابل فإن جبهة النصرة تحقق تقدماً ميدانياً وقادرة إلى الآن على كسب المحليين، وهو ما يشكل المسألة الأهم للسلفيين-الجهاديين.
ولعل قصة إعدام ثلاثة سائقي شاحنات على طريق بغداد دمشق منذ أسابيع تبين حالة التحفظ الذي تثيره المجموعة في سوريا، حتى بين أوساط الجهاديين أنفسهم. وفق الشريط الذي عرضته «داعش»، فإن السائقين الثلاثة، ولأنهم لم يعرفوا عدد ركعات صلاة الفجر، خاصة عندما تبين أنهم من الطائفة العلوية -أو النصيرية كما قالوا في الشريط مستخدمين التسمية القديمة للطائفة والتي يستخدمها السلفيون-الجهاديون كوصف سلبي ضدهم- وفق «التحقيق» السريع الذي أجراه أحد المسلحين، تم إعدامهم على ناصية الطريق. هذا الشريط، ورغم دفاع «داعش» وبشراسة عن فعله، أثار حفيظة بعض الجهاديين أنفسهم حين أشاروا بضرورة وجود «محاكمة شرعية» لتنفيذ الإعدام، فما بالك بالمحليين السوريين، هل ينجذبون للتنظيم، أم أن «داعش» ينتحر في سوريا؟
العرب القطرية