في عصور مضت كان الناس يختلفون في الحكم على قاتل طفل، واختلف هؤلاء في ذلك، فمنهم من أعلن أن قتل طفل لا يعادله شيء. ورأى آخرون أن ارتكاب هذه العملية يعادل كل جرائم البشرية حتى الآن، مضافاً إليها ما يترتب على حدوث تسونامي بمستوى الكون برمته. أما المجموعة الأخيرة الثالثة من الذين أدلوا بدلوهم، فاقترحت أن يُترك القاتل لكلاب العالم كله، بحيث ينهشه كل واحد منها في عينيه الاثنتين، وحين ينتهي هؤلاء الكلاب كلهم من مهمتهم، يُطلب منهم أن يعاودوا القيام بتلك العملية مرتين اثنتين أخريين، ليقول البشر: كفى، فقد أعلنت أمهات الأطفال أو كادت تعلن أن قلوبهن حصلت على حقوقهن أو أقل قليلاً.
نذكر ذلك في سياق حدثين عالميين اثنين: يوم الطفل العالمي، وإعلان منظمات حقوق الإنسان، والطفل خصوصاً، إن زلزالاً صدع ضمائر البشرية من الأسى والحزن الفريد، حين أعلنت منظمات حقوقية الخبر التالي: إن سبعة عشر ألفاً ومائتين وثمانية وستين طفلاً سورياً قد قُتلوا بأشنع ما يكون القتل، منذ أربعة أعوام وإلى الآن، أي في إطار الانتفاضة السورية التي اندلعت في الخامس عشر من مارس 2011، هكذا إذن يتجلى المصاب الجلل، الذي اخترق قلوب السوريين وضمائرهم وكرامتهم.
والآن تبرز الأسئلة التي تبز غيرها جميعاً: لماذا حدث ذلك ولمِ كان هنالك صمت أو شبه صمت على الأطفال؟ أذكر بـ”اللقاء التشاوري” الذي حدث في أوائل الأحداث، وكان يمثل بادرة مُلفتة للجميع، بحيث يكون نقطة انطلاق جديدة لإعادة بناء البيت السوري، عبر ركائز أصبحت سيد الموقف في التأسيس لمشروع وطني ديموقراطي، وعليّ أن أذكر أن أصواتاً خرجت من اللقاء المذكور، راحت تنادي بأمرين اثنين عظيمين: سحب السلاح من الوطن العزيز، والبدء بتأسيس لجنة تأسيسية لمهمات المستقبل القريب في حينه.
لقد حاول المؤتمرون في مجموعات بارزة منهم أن يغلبوا كلمة التوافق والتفاهم والالتقاء “على كلمة سواء”، هي الحفاظ على سوريا وشعبها بخير، أي بالخير الذي يجنبها أنماط الصراع “غير المثمر تاريخياً”، نعني بذلك الصراع الذي طالما حاول الأعداء التاريخيون أن يأججوه استناداً إلى الطائفية البغيضة والعرقية والمذهبية. لكن المطلوب الآن البدء بما يجمع، وبما يجعل الواحد اثنين وثلاثة.. وخمسة وعشرين مليوناً، ولتكن ذكرى أطفال سوريا الخالدين وأطفالها الباقين، الأعلام التي يرى العالم فيها مشروعنا الوطني الديمقراطي.