” كفى أن نطمر رؤوسنا في الرمال كما تفعل النعامة، الفرصة مؤاتيه اليوم أكثر من أي وقت مضى وقد لا تتكرر مثل هذه الفرصة
التاريخية مرة أخرى”.
بعد دخول الأزمة السورية عامها السادس بات المجتمع الدولي أكثر تصميماُ على إيجاد حلول سياسية لها، لما لهذه الأزمة من انعكاسات وارتدادات إقليمية وحتى دولية بسبب تنامي الإرهاب وتمدده حتى طال بعض الدول الأوروبية التي باتت تتأهب لمواجهة أية هجمات إرهابية محتملة، وهذا يشكل تحدياُ كبيراُ للأسرة الدولية لأن زعزعة الاستقرار في أوروبا سيكون له تأثيرات كبيرة على الأمن والسلم الدوليين، مما يشكل عاملاُ مساعداُ في تصميم الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الامريكية وروسيا على ايجاد توافق فيما بينهما لدفع الامور نحو تسوية سياسية في سوريا والتفرغ لمواجهة الارهاب المتنامي في المنطقة، الأمر الثاني الذي يساهم في تسريع عملية التسوية هو التدفق الكبير للاجئين من سوريا والعراق بسبب استمرار الحرب في هذين البلدين، مما يشكل عبئاً كبيراً على اقتصادات الدول الاوربية من جهة، ومخاوف من وصول أعداد هائلة من الإرهابين ضمن موجات اللجوء الأخيرة، إضافة إلى عوامل أخرى جيوسياسية تتعلق بوضع الشرق الأوسط كإقليم ملتهب يهدد العالم باسره نتيجة لتنامي التيارات الدينية الراديكالية التي تأتي من المنطقة، لذا فان المجتمع الدولي يحاول بشتى الوسائل ايجاد تسوية سياسية للأزمة السورية لا غالب فيها ولا مغلوب، أبرز ملامحها هو تشكيل حكومة ائتلافية من النظام والمعارضة، ووضع دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية برعاية اممية، وإعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية بشكل مهني، كما أن هذا الصراع والتناحر الدموي على مدى السنوات الخمس المنصرمة خلق مناخاً من الحقد والكراهية القومية والدينية والطائفية بين مكونات المجتمع السوري، يصعب بتصورنا ترميمه أو إعادة الأمور إلى سابق طبيعتها، وإدارة أمور البلاد مثلما كانت في السابق أي دولة بنظام سياسي مركزي، لذا فان الخيار الأفضل لتعايش هذه المكونات، هو بناء سورية جديدة بنظام فيدرالي يضمن وحدة سوريا، ويحفظ ويصان فيه حقوق كل مكونات المجتمع السوري بما فيه حقوق الشعب الكردي الذي عانى كثيراً من سياسات الاضطهاد القومي ومن المشاريع الشوفينية والعنصرية التي طبقت بحقه، وخاصة بعد مجيء حزب البعث للسلطة، وبتصورنا لا يمكن لسوريا أن تشهد الامن والاستقرار حتى في حال حدوث تسوية سياسية للأزمة مالم ينعم الشعب الكردي بكامل حقوقه القومية في دولة بنظام اتحادي، برلماني، ديمقراطي، ولتحقيق هذا الهدف القومي النبيل يستوجب اولاً تحقيق وحدة الصف والموقف الكرديين، والاتفاق على صيغة موحدة ومشتركة للمطاليب الكردية والاهم من هذا هو الحضور بوفد كردي مشترك وموحد في مؤتمر جنيف 3، لأنه بغياب الهيئة التمثيلية الكردية في جنيف لا يمكن الحديث عن اية حقوق كردية فالتجربة الكردية على مدى الأعوام المنصرمة من عمر الأزمة السورية مع قوى المعارضة سواء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أو هيئة التنسيق الوطنية للتغير الديمقراطي، اثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل، بأن هذه المعارضة غير جادة في طرح المطالب الكردية والدفاع عنها، ومؤتمر الرياض للمعارضة أثبت هذا، فهيئة التنسيق تخلت عن حليفها حزب الاتحاد الديمقراطي، والائتلاف مثل الكرد بشكل خجول وهش، ولا يفوتنا أن نشير إلى الوثيقة المسربة من السيد ستيفان دي ميستورا، والتي لم يشر فيها الى الحقوق الكردية بل اكتفى بوضعهم في خانة الاقليات الدينية والاثنية، وكذلك الورقة المقدمة من قبل وفد المعارضة هي الأخرى لم تتطرق إلى القضية الكردية على الرغم من وجود وثيقة موقعة بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وأن دل هذا على شيء فإنما يدل على تنصل المعارضة من التزاماتها وعدم ايلاءها الاهتمام للقضية الكردية، ولا يفوتنا الاشارة هنا إلى الحملات التضليلية الممنهجة أثناء انعقاد مؤتمر جنيف3، التي شنتها بعض أطراف المعارضة على القضية والوجود القومي الكردي واخرها تصريحات رئيس وفد المعارضة أسعد الزعبي.
إن الشعب الكردي كمكون رئيسي في سوريا، ويعتبر ثاني أكبر قومية في البلاد، لا يمكن أن ينظر أليه كأقلية أثنية، وأن تقف الحركة السياسية الكردية بكل تلاوينها موقف المتفرج أو كالذي ينتظر المجهول من الأيام، يجب التحرك على كل المسارات، ومع القوى الدولية الفاعلة في الازمة السورية، والمطالبة بتمثيل كردي موحد يجلس جنباً إلى جنب مع وفدي النظام والمعارضة، ويدرج القضية الكردية على طاولة المفاوضات، وهذا مطلب كل الشعب الكردي، كفى أن نطمر رؤوسنا في الرمال كما تفعل النعامة، الفرصة مؤاتيه اليوم أكثر من أي وقت مضى وقد لا تتكرر مثل هذه الفرصة التاريخية مرة أخرى.
*عضو الهيئة العاملة بالمكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
نُشر هذا المقال في العدد (40) من صحيفة buyerpress
2016/4/1