ديما يونس: أكراد سوريا.. قومية الهوية أم وطنية الانتماء؟

Share Button

thumb6لا شك أن حلم الحكم الذاتي لا يزال يدغدغ أحلام الكرد استناداً إلى إيمانهم بقوميتهم المستقلة عن المجتمعات التي يعيشون بها والتي تتمثل باللغة والجغرافيا والتراث الكردي الممتد في عمق التاريخ. لم يفارق هذا الهاجس مخيلة الأكراد وكان السبب الرئيسي لشعورهم المستمر بالغبن والظلم الممارس عليهم من قبل حكومات الدول التي يتوزعون على أراضيها. ففي سوريا على سبيل المثال لم يتوان الأكراد عن تقديم نفسهم كأكبر أقلية قومية تستحق بنظرهم أن تتمتع بخصوصيتها وحقوقها المشروعة المتمثلة بالاعتراف باللغة الكردية كإحدى اللغات الرسمية في البلاد والاهتمام بالتراث الكردي وخصوصيته، وصولاً إلى السماح لهم بإقامة شكل من أشكال الحكم الذاتي في الأراضي ذات الأغلبية الكردية. اصطدمت هذه الطموحات في العقود الماضية مع سياسة الدولة المتمثلة بتجاهل هذه المطالب والتأكيد على الاندماج المطلق للأكراد ضمن النسيج السوري متعدد الأقليات القومية والدينية.

وصل الخلاف مع السلطة السورية ذروته في أحداث القامشلي عام 2004 حيث اتخذ شكلاً من أشكال التمرد وأعمال الشغب الذي جوبه بقوة من قبل الدولة السورية. عززت هذه الأحداث حقيقة أن جمر الخلاف الجوهري والشقاق يقبع تحت رماد الانسجام والتعايش الكردي مع بقية مكونات المجتمع السوري ويهدد باشتعال الأزمة الكردية في أية لحظة. ولكن من أين ينبع شعور الأكراد السوريين بالغبن؟

بداية لا بد من ذكر مظلمة كردية وهي عدم اعتراف الدولة السورية بخصوصية الهوية الكردية والحقوق المشروعة للأكراد. ووصل الأمر إلى حرمان مئات الآلاف منهم من الهوية والجنسية السورية، فضلاً عن سياسات الحكومات المتعاقبة التي لم تمنح المناطق الشمالية الشرقية من سوريا حقها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والزراعية الأمر الذي دفع العديد من شباب الكرد إلى الهجرة إلى المدن الكبرى في البلاد كدمشق وحلب للعمل بها مخلفين وراءهم قحطاً ينهش أراضيهم الزراعية. وأسهم الاحتلال الأمريكي للعراق وتحقيق أكراد العراق لحلم الكونفدرالية عن طريق إقامة ما سمي بكردستان العراق، فالإقليم المستقل أنعش ذاكرة كرد سوريا وروى أحلامهم التاريخية لتعود حاضرة بقوة في مخيلتهم.

ومع اندلاع الاضطرابات في سوريا في آذار 2011 كان الرهان من قبل طرفي النزاع على الأكراد كبيراً. فالحكومة السورية منحتهم نصيباً في العملية الاصلاحية التي أطلقتها عبر سلسلة من المراسيم والاجراءات، فالمرسوم رقم 49 قضى بتجنيس الأكراد في شمال شرق سوريا، وأتى ذلك في إطار جهد الحكومة السورية لطي صفحة ملف مفتوح منذ حوالي نصف قرن. هذا بالإضافة إلى سلسلة من المراسيم والاجراءات التي هدفت إلى إيلاء المناطق الشمالية مزيداً من الاهتمام في جوانب التنمية كافة وخاصة منها الاقتصادية والزراعية. وفي الجانب المقابل زادت محاولة استجرار تأييد الأكراد إلى ما سمي بالثورة السورية، وكان تسمية أحد جمعات التظاهر بـ”جمعة أزادي” وهي المكافئ الكردي لكلمة حرية، في محاولة لخلق انطباع أن الأكراد بأكملهم يؤيدون الحراك ضد النظام السوري، وتوالت هذه المحاولات لتصل إلى تسمية الائتلاف السوري المعارض في الخارج لعبد الباسط سيدا الكردي الأصل رئيساً له.

ولكن ما لبث أن تم إنشاء “المجلس الوطني الكردي” في تشرين الأول من ذات العام والمكون من خمسة عشر حزباً محلياً معارضاً للنظام السوري. ومع اشتداد وطيس الاقتتال في سوريا، بدأ المجلس الوطني الكردي عراكاً شرساً في المناطق الكردية مع “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي الذي تشكل عام 2003 والذي كان متعاوناً مع النظام السوري. هذا الأمر دفع رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في أوائل تموز 2012 إلى دعوة الزعماء الأكراد السوريين من كلا الفصيلين المتنافسين الرئيسيين إلى مقر قيادته في صلاح الدين في أربيل في محاولة لصياغة اتفاق يقضي باتحادهما معاً في “مجلس كردي أعلى” جديد يكون مسؤولاً عن منطقتهم في سوريا.

وقامت الدولة السورية بتلسيم المناطق ذات الأغلبية الكردية في القامشلي والحسكة إلى لجان الحماية الكردية في خطوة مفاجئة عكست شكلاً من أشكال التنسيق الضمني مع الأكراد، في اتفاق غير صريح يتولى عبره الأكراد إدارة المناطق التي يتوزعون فيها فضلاً عن حمايتها عملاً بمبدأ “أهل مكة أدرى بشعابها”. وبين ليلة وضحاها حل العلم الكردي مكان العلم السوري فوق المؤسسات الإدارية وعلى الحواجز الأمنية والعسكرية في تلك المناطق. وتحولت هذه اللجان تدريجياً إلى رأس الحربة في مواجهة تزايد نفوذ الجهات المتأسلمة والتكفيرية ضمن ميليشيلت المعارضة. فاليوم قد اتخذ الصراع في سوريا منحى جديداً رسمته معارك الشمال بين لجان الحماية الشعبية الكردية وجبهة النصرة ودولة العراق والشام الاسلامية. هجوم الجهاديين وارتكابها للمجازر في تل أبيض فضلاً عن إحراق البيوت وتهجير سكانها في شكل من أشكال التطهير العرقي تزامن مع إعلان الأكراد مشروعهم الإدارة الذاتية وأسفر عن سقوط مئات القتلى من الشيوخ والنساء والأطفال فضلا عن المخطوفين.

يقف اليوم الأكراد أمام مفترق طرق فهم حريصون على الحفاظ على تراثهم وثقافتهم، فهم من جهة يخوضون صراع وجود مع العناصر المتطرفة التي لا تعترف بوجود الآخر أياً يكن متمثلة بجبهة النصرة والقاعدة، ومن جهة أخرى هم مطالبون بإثبات انتمائهم الوطني للوطن الأم سوريا وفق صيغة من صيغ التعايش الحقيقي الذي يضمن حقوق كل الأطراف ويحفظ تميزهم وهويتهم القومية ويضمن حقوقهم في المساواة مع كافة أطياف الشعب السوري.

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 639 من الديمقراطي

صدور العدد الجديد (639) من جريدة الديمقراطي باللغتين العربية و الكردية. الافتتاحية : من المعلوم ...