«يا ربّ انصرنا عليهم»، هتفت الفتاة المحمولة على الأكتاف قبل أن تحني رأسها قليلا فيتدلى شعرها وتخذلها دموعها فتبكي حينا ثم تتماسك لتهتف حينا آخر. سبق أن هتفت هذه الصغيرة ضد نظام بشار الأسد لكنها في المظاهرة الأخيرة كانت تهتف ضد ظلَمة آخرين..
كانت الفتاة تبكي وتهتف ضد جبهة «النصرة»..
قادت هذه الصغيرة السورية مظاهرة أهالي بلدة الرقة السورية ضد الجبهة المتطرفة التي شرعت منذ اختراقها لحراك الثورة السورية بتنفيذ أجندة متشددة ودموية في تعاملها مع السكان في المناطق التي تتواجد فيها. الجبهة اعتقلت والد الفتاة التي تصدرت المظاهرة دون أسباب واضحة وترفض الإفراج عنه وعن آخرين باتوا في سجونها يتلقون جلداتها ورصاصاتها وسكاكينها أيضا.
في الفيديو الذي بثه ناشطون عبر «يوتيوب» رأينا فتيات ونساء محجبات وكاشفات يصرخن أمام مقر «النصرة» وينددن بالجماعة وما ترتكبه باسم ثورتهم. حاول الأهالي الغاضبون استعادة شعارات الأيام الأولى للثورة فصرخوا «سلمية سلمية» وأعلنوا أنهم سيصعدون حراكهم ضد هذه الجماعة..
قليلة هي وسائل الإعلام التي اهتمت بخبر هذه المظاهرة، إذ لا يوجد اهتمام إعلامي بحراك أهل الرقة وقبلهم حراك أهل سراقب وحلب، ونادرة هي الصحافة التي تعنى بتظهير الحراك الذي شرع منذ مدة في أكثر من مدينة وبلدة سورية ضد ممارسات «النصرة» وبعض الألوية المتطرفة والتعبير علنا عن رفض الأساليب العنيفة المقيتة لهؤلاء المتطرفين تماما كما رفض السوريون ممارسات النظام.
الحماسة الإعلامية في إظهار مثل هذه الاحتجاجات تبدو ضعيفة على نحو غير بريء.
مجددا، إنه المأزق الأخلاقي الذي قررت شريحة واسعة من وسائل الإعلام وبوعي على الأرجح أن تضع نفسها فيه. فمنذ أشهر تكرست معادلة قوامها أن ما يجري في سوريا هو منازلة بين بشار الأسد من جهة وأبو صقار آكل القلوب الأحب على قلب الإعلام الكاره للحراك السوري من جهة أخرى..
جلد رجل وقتل طفل بريء بذريعة الكفر وأكل قلب، حكايات تستحق الإبراز لأسابيع وأشهر. ولا مشكلة في أن تفرد لها مساحات من التغطية. تبخرت دماء المائة ألف ضحية ولا مكان في التغطية لحراك مثل حراك أهل الرقة ولا أهل سراقب قبلهم ولا أهل حلب الذين ثاروا على إعدام الطفل الحلبي محمد بذرائع دينية..
أما الإعلام الذي يدعي دعم الثورة فليس أقل ظلما للسوريين ويركز على الألوية الإسلامية متجاهلا عن عمد أي حراك مدني، ويردد ناشطون صراحة أن فضائية إخبارية كبرى تقول لهم بوضوح إنها غير مهتمة بمثل هذه التحركات المدنية فيما تفرد مساحات هائلة من تغطيتها لكل ما هو إسلامي على غرار «النصرة» محاولة تظهيرهم على أنهم رافعة الحراك السوري..
مرة أخرى، قتل أبو صقار المائة ألف قتيل سوري بعد أن كان بشار قد قتلهم قبله. هذا ما يريدنا مدعو الحياد تصديقه جاعلين من أبو صقار صورة يختبئون خلفها متناسين دماء غزيرة سالت وغاضين الطرف عن طفلة شجاعة مثل فتاة الرقة..