فرض تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» سلسلة من الأحكام على المسيحيين في مدينة الرقة (شرق سوريا) التي يحكم السيطرة عليها، بينها دفع «الجزية» وإقامة شعائرهم بأماكن خاصة، في خطوة من شأنها أن تزيد من مخاوف الأقلية المسيحية في سوريا. لكن هذه الخطوة سرعان ما لاقت ردا من القيادي السلفي المتشدد «أبو قتادة»، الذي وصف أفكار التنظيم بأنها «منحرفة وفيها غلو، حيث إنها تستخدم العبارات الشرعية في غير موضعها كما هو حال أهل البدع».
وقال أبو قتادة للصحافيين، خلال جلسة محاكمته بتهم تتعلق بالإرهاب في عمان أمس، إن «الجزية التي فرضت على أهالي بعض المناطق المسيحية في سوريا لا تجوز»، موضحا أن «الجزية عقد، والمجاهدون لا يستطيعون حماية أعراض المسيحيين، لأنهم غير متمكنين؛ فهم في حالة قتال».
وكان تنظيم داعش أعلن التوصل إلى «اتفاق» يتضمن 12 قاعدة تهدف إلى ضمان «حماية» المسيحيين، مهددا «من لا يحترمها بأنه سيعامل بصفته عدوا». ونص الاتفاق، الذي نشر على مواقع جهادية ويحمل توقيع «داعش»، على أن يدفع المسيحيون «الجزية»، التي كانت فرضت على غير المسلمين في أيام الإسلام الأولى قبل 14 قرنا، ويتعين بموجبها على «النصارى» الأثرياء أن يدفعوا ما يساوي 13 غراما من الذهب الخالص، والمسيحيين من الطبقة الوسطى دفع نصف هذا المبلغ، والفقراء منهم دفع ربعها.
ونص «الاتفاق» أيضا على أن يمتنع المسيحيون عن رسم شعائرهم على أي شيء أو مكان في الأسواق أو الأماكن التي يكون فيها مسلمون، وكذلك عن استخدام مكبر الصوت أثناء صلواتهم، كما يمنع النص إقامة المسيحيين شعائرهم خارج الكنائس ويجبرهم التقيد بالقواعد التي فرضتها «داعش» كتلك المتعلقة بطريقة اللباس.
وأعرب عضو المنظمة الأشورية المسيحية المعارضة، جميل ديار بكرلي، لـ«الشرق الأوسط»، عن أسفه حيال هذه القرارات، واصفا إياها بـ«الهمجية». وأشار إلى أن «(داعش) تحاول أن تأخذنا من موقع محاربة النظام إلى موقع محاربتها، وإن كنا لا نزال نجدها والنظام وجهين لعملة واحدة».
وشدد المعارض المسيحي المقيم بتركيا على أن «هذه الخطوة مرفوضة من مسلمي الرقة قبل مسيحييها»، مبديا ثقته بأن «المجتمع الرقاوي سينتفض ضد ممارسات (الدولة الإسلامية في العراق الشام) كما حصل في حلب وإدلب قبل أشهر».
ويقضي الاتفاق الذي فرضه تنظيم داعش على المسيحيين منعهم من «ترميم الأديرة والكنائس في المدينة أو نواحيها، إضافة إلى منعهم من حمل السلاح». وهددت «داعش» من لا يحترم قواعدها بأنه سيلقى المصير ذاته الذي لقيته المعارضة السورية.
وكان نحو 300 ألف نسمة يقطنون في الرقة قبل بدء أعمال العنف في سوريا في مارس (آذار) 2011، بينهم أقل من واحد في المائة من المسيحيين، وغادر الكثير منهم المدينة، حين بدأت «داعش» مهاجمتها وحرق الكنائس فيها وتحويل إحداها إلى مقر تابع لها. لكن انتهاكات «داعش» طالت جميع سكان المدينة، حيث فرضت عليهم أحكاما وممارسات متشددة غريبة عن ثقافتهم، إذ هاجمت عناصر نسائية تابعة للتنظيم ثانوية حميدة الطاهر في المدينة الأسبوع الماضي، واعتقلت عددا من الطالبات بتهمة أن «نقابهم غير شرعي»، مما دفع ناشطين سوريين في الرقة إلى إطلاق حملة بعنوان «إلا الحرائر»، ردا على تصرفات «داعش».
ونقلت مواقع إخبارية مقربة من المعارضة السورية عن خالد زين، أحد منسقي الحملة، أن «هدف الحملة الرئيس الكتابة على الجدران في شوارع المدينة بعبارات تندد بممارسات (داعش)». وأوضح زين أن «الناشطين المدنيين لم يجدوا طريقة أخرى للتعبير عن رأيهم، بعد (كبت الحريات) الذي نفذه التنظيم منذ سيطرته على المدينة»، مشيرا إلى أن «الشوارع امتلأت بعبارات كثيرة كجزء من الحملة، منها: (تسقط داعش)، و(إلا حرائرنا)، و(الجيش الحر قادم)».
وتزامنت ممارسات «داعش» ضد سكان الرقة مع أنباء عن تصفية التنظيم 60 كرديا من أصل 160 كان اختطفهم مطلع الأسبوع الماضي قرب محافظة الحسكة. وقال القيادي الكردي صالح مسلم لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأكراد المختطفين جرى إحضارهم إلى بلدة تل أبيض وعددهم نحو 100، مما يعني أن 60 شخصا ليسوا موجودين بينهم». ورجح المسلم أن «تكون جرت تصفية الستين الباقين، لا سيما أن عددا من المواقع الإخبارية القريبة من (داعش) أشار إلى ذلك».
وكان تنظيم الدولة الإسلامية اختطف السبت الماضي ما يقارب 160 عاملا كرديا، كانوا في طريقهم من كوباني إلى القامشلي في سوريا بعد أن نصب عناصره كمينا لسياراتهم قرب قرية عالية التي تبعد 20 كيلومترا عن مدينة الحسكة شرق سوريا.