لفرق بين مفهومي التدخّل والإحتلال من وجهة نظر القانون
(التواجد التركي في منطقة عفرين إنموذجاً)
إعداد:
جوان حمو- ماجستير في العلاقات الدولية
خورشيد عليكا- ماجستير في الاقتصاد
………………………………………………..
مع سقوط منطقة عفرين بأيدي القوات التركية وقوات المعارضة السورية والكتائب الإسلامية المدعومة من تركيا كثُرَ اللغط المحلي والإقليمي حول مدى تسمية تواجد القوات التركية وقوات المعارضة السورية في منطقة عفرين فقد سمّاها البعض (تدخل) والبعض الأخر (إحتلال).
وقد رائينا نحن الباحثان (جوان وخورشيد) أنَّه لا بد من توضيح التسمية اللازمة إطلاقها على تواجد القوات التركية وقوات المعارضة السورية في منطقة عفرين (التدخل التركي ام الإحتلال التركي).
في البداية لا بد توضيح المعاني القانونية للتدخل والإحتلال.
كلمة تدخل تعني: قيام دولة أو منظمة بتصرف قد يكون مباشر أو غير مباشر والغرض منه المساس بسيادة الدولة واستقلالها واختصاصاتها الداخلية وبدون أي سند قانوني. 1
والتدخل أيضاً هو تعرض دولة (أ) للشئون الداخلية للدولة (ب) ويستهدف من ذلك قبول الدولة (ب) ما يفرض عليها من التزامات وأوامر من الدولة (أ) دون سند من القانون. 2
يعرف التدخل في القانون الدولي بأنَّه ” عندما تتدخل دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى”. أو على انَّه تعرض دولة ما إلى دولة أخرى من خلال التعرض لأمورها الداخلية والخارجية دون وجود سند قانوني لذلك وبالتالي يحدث إنتهاك لسيادة واستقلال الدولة المعتدي عليها”. 3
كما أن الكثير من القانونيين أجمعوا على أنَّ التدخل سلوك غير قانوني موجه لإنتهاك سيادة الدول، نظراً لتعارضه مع الماد الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة. وفي ذلك يرى أوبنهايم أنَّ جوهر التدخل الخارجي هو الإكراه واتجها مقاربته إلى تعريف التدخل على أنَّه سلوك دكتاتوري ترغم فيه دولة معينة دولة أخرى على فعل معين، في حين يرى لوترباخت أنَّ التدخل مصطلح تقني يشير إلى كل سلوك تقوم به دولة يمس إستقلال وسيادة دولة أخرى. 4
أما بالنسبة لمفهوم الاحتلال:
فالاحتلال هو المرحلة التي تلي الغزو وتعني استيلاء المستعمر على الأراضي و الممتلكات والتحكم فيها.
فالمادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 تنص على ما يلي “تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها”.
ويعتبر القانون الدولي الاحتلال حاصلاً؛ وفق الحالات القانونية الآتية: تُعتبر إحدى الدول واقعة تحت الاحتلال؛ حين تحكمها فعليّاً سلطة جيش العدو، في المناطق الواقعة تحت الاحتلال، ومُمارسة سلطتها فيها بعد انتهائه. تُطبق اتفاقيات جنيف الأربعة، على أي أرضٍ يتم احتلالها، أثناء عملياتٍ (عدائية) دولية؛ كما تُنفذ في الحالات التي؛ لا يواجه فيها الجيش المُحتل بأيّة مُقاومةٍ مُسلحة. يُحدِد ميثاق الأمم المتحدة حالات الاحتلال، والمندرجة تحت مُسمّى قانون (مسوغات الحرب)؛ فحين تنتقل حالة حرب واقعيّة مثلاً إلى مستوى الاحتلال، يسري مفعول قانون الاحتلال، بشكلٍ واجبٍ على تلك الحالة؛ بغض النظر إن كان ذاك الاحتلال (شرعيّاً) أو مُبرَرَاً، أو لم يكن كذلك.
هُنا لا بد لنا أن ننوه أنَّ فقهاء القانون الدولي اجتهدوا كثيرا في تفسير معاني التدخل والاحتلال لمسوغات قد تكون خاصة بدولتهم أو سياستهم أو وجهة نظرهم. فالبعض لا يرى اختلافاً بين التدخل والإحتلال والبعض يُفرّق بين المفهومين.
بعد الاطلاع على تعريفات التدخل والإحتلال يأتي الدور كي نطلق التسمية المناسبة لتواجد القوات التركية على أراضي منطقة عفرين.
الكل يعرف أنَّ النظام التركي كان وما زال يهدد المناطق الكُردية التي تقع شمال سوريا مستهدفاً الكُرد وحدهم دون غيرهم. فما كان استهداف منطقة عفرين إلا نقطة البداية في المشروع التركي.
فقد وجدنا أن التسمية المناسبة والصحيحة التي يتوجب استخدامها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة هو (الاحتلال التركي الاستيطاني) وليس التدخل التركي فمصطلح التدخل التركي يطلق على تلك الفترة الزمنية التي قررت فيها الحكومة التركية الهجوم على منطقة عفرين، فبمجرد دخول أول جندي عسكري من القوات التركية لمنطقة عفرين تحولت التسمية إلى الاحتلال التركي. فتواجد القوات التركية في منطقة عفرين ما هو إلا إحتلال بحد ذاته، وتهديداته بالزحف نحو الشرق وصولاً لحدود كُرستان العراق ما هو إلا إستيطان على مستوى أعلى.
ومن باب ذكر الاحتلال الإستيطاني فأنّنا نُعرّفه بأنّه أسوء اشكال الاحتلال الذي يسعى لتوطين جماعات إقليمية في الأراضي التي تحتلها لتغييرها ديمغرافياً، وهذا ما نشاهده في منطقة عفرين حيثُ مازال توطين عائلات المعارضة السورية جارياً فيها.
وقد أورد هنا الباحث خورشيد عليكا بعض وجهات نظر وآراء بعض الكُرد حول تسمية تواجد القوات التركية في منطقة عفرين:
– المحامي مصطفى أوسو (محامي ونائب سابق لرئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وعضو لجنة سياسية مستقيل من حزب PDK-S) 9 شباط 2018 ) أكّد بأنَّ الائتلاف لا ينظر إلى القضية الكُردية أكثر من أنَّها قضية مواطنة، وأكّد بأن هناك أنباء من داخل عفرين عن توطين عائلات مقاتلي الفصائل السورية التي تعاونت مع الجيش التركي باحتلال عفرين وذلك من أجل تغيير ديمغرافية عفرين بتركيبتها السكانية.
– عبد الباقي اليوسف (عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكُردي في سوريا) يقول: أنَّ الاحتلال التركي لعفرين وبدعم من المرتزقة مستمر وأنَّ روسيا والنظام السوري يساهمان في تغيير ديمغرافية عفرين بإرسال عوائل القوى التي يعتبرونها إرهابية من الغوطة الشرقية والمرتزقة المستقدمين من القوات التركية ليتم توطينهم في عفرين.
– فؤاد عليكو (عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكُردي في سوريا وعضو الهيئة السياسية في الائتلاف) يقول: عندما دخلت تركيا إلى عفرين لم تستشر المجلس الوطني الكُردي والائتلاف السوري بل دخلت بناءً على توافق روسي تركي إيراني. إذ لم تدخل تركيا إلى عفرين بمفردها وإنما كان هناك ضوء أخضر روسي. لا توجد قوة تمنع تركيا من التدخل في شمال سوريا أو في المناطق الكُردية إذا حصلوا على الضوء الأخضر.
– إبراهيم برو (سكرتير حزب يكيتي الكُردي في سوريا والرئيس السابق للمجلس الوطني الكُردي): يقول: يوجد صراع بين تركيا وحزب العمال الكُردستاني وأن تركيا تحارب حزب العمال الكُردستاني في عفرين وذراعها PYD ولا تقاتل الكُرد، وأعتبر دخول القوات التركية إلى عفرين ليس إحتلال وإنَّما تحرير.
– المحامي فيصل بدر: يقول: كل كُردي يقاتل مع المحتل التركي في عفرين هو خائن بكل ما تعنيه الكلمة وكل جهة سياسية تغطي هؤلاء هي خائنة وكل من يشكر الترك وحشدهم السوري على تضحياتهم ويعتبر إحتلالها تحريراً هم خونة أيضاً. وعمليات التوطين في عفرين من مثل حلفاء المجلس (مرتزقة الائتلاف والمحتل التركي) شغالة، فيما المتحكمون بقرار المجلس مصرون على الاستمرار في الائتلاف مشرعنين الاحتلال التركي وكل ما ينتج عنه.
كما يقول: أي توصيف آخر لما يجري في عفرين سوى أنَّه إحتلال تركي هو مباركة له حتى أنَّ كلمة عدوان هو تهرب من المسؤولية وجبن أيضاً، فالإحتلال هو المصطلح القانوني والسياسي الدقيق، وأكد بأنَّ هرولة بعض المرتزقة الكُرد لتقاسم كعكة عفرين مع المحتل التركي وصمة عار لن تمحى بمرور الزمن.
– نواف رشيد (عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكُردي في سوريا) أكد بأن عفرين لم تتعرض للتعريب ودورنا أساسي فيها باعتبارنا ممثل الكُرد في المعارضة. فعفرين جزء من قضية كُردستان سوريا وما يقال عن تعريب المنطقة ليس له أي أساس من الصحة.
– حسن صالح (نائب سكرتير حزب يكيتي الكُردي في سوريا وسكرتيره الأسبق) قال بتاريخ 8 آذار: المعتدون استمروا في القصف رغم قرار مجلس الأمن بإيقافه والعدوان التركي تصاعد وأستهدف شعبنا في عفرين ولم تحترم تركيا القرار الأممي، واليوم أعلن أردوغان سقوط عفرين الكردية بيد جيشه وفصائل المعارضة المتورطة مع تركيا في العدوان الغاشم. نكبة عفرين بعد العدوان التركي ستكون لها تداعيات خطيرة على الوجود القومي الكُردي ولا سيما وأنَّ تركيا تحاول تشويه الحقائق بادعاءاتها بأنَّ الكُرد لا يشكلون الأغلبية، وأكد بأنَّه لا جدوى من الإعتماد على الأنظمة الغاصبة لكُردستان.
– نجاة عليكا (عضو لجنة منطقية لحزب يكيتي الكُردي في سوريا) صرّح ل’ذار بريس
رداً على سؤالٍ حول مدى إمكانية إيقاف العملية العسكرية التركية في عفرين، والحلول المستقبلية التي من الممكن أن تساهم في إيقافها: «إن الدولة التركية الغازية والمحتلة لها هدف من هذه الغزوة والاحتلال ضد الكرد في عفرين خاصة، وكردستان سورية عامة، وذلك في ظل اتفاق روسي تركي سوري إيراني ضد الكرد وتطلعاتهم المستقبلية، ومتى تحقق تركيا هدفها ستعلن ايقاف المعركة ضد الكرد».
– الكاتب بدرخان علي: يقول يجب تثبيت وصف تركيا بأنَّها دولة إحتلال والعمل بموجبه، وتحميل الإحتلال كامل المسؤولية القانونية من كل ما جرى منذ 20.01.2018 وحتى إنهاء الإحتلال من جرائم وإنتهاكات ومسؤوليات أخرى.
– محسن طاهر (رئيس مكتب شؤون المجالس المحلية في المجلس الوطني الكُردي وعضو اللجنة السياسية في PDK-S) (نقلاً عن صحيفة الوقت الورقية) يقول: إنَّ التدخل التركي هو إحتلال للمناطق الكُردية تحديداً في عفرين وأريافها، والغاية من دعوة أبناء المنطقة الاصلاء للعودة إلى مساكنهم هي إفشال المحاولات الرامية لتغيير ديمغرافية عفرين. ستفشل السلطة التركية كما فشلت قبلها سلطة البعث في تغيير ديمغرافية المناطق الكُردية.
– مركز العدالة لحقوق الإنسان: (19 آذار 2018) يرى بأنَّه بعد إجتياح عفرين قام مسلحو الفصائل المسلحة السورية المرتبطة بالجيش التركي والمتعاونة معه في العدوان بنهب وسرقة ممتلكات الناس وهذا ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية ومنها وكالة فرانس بريس الفرنسية.
– المصادر والمراجع:
1 مسعد عبد الرحمن، تدخل الامم المتحدة في النزاعات المسلحة غير زات الطابع الدولي، رسالة دكتوراه في القانون الدولي العام، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2001، ص 90 ، 91.
2 أحمد عبد الحميد، عمر أبو بكر، الوسيط في القانون الدولي العام، ” دراسة مقارنة مع الاهتمام بموقف المملكة العربية السعودية ”، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1990.
http://library.nauss.edu.sa/cgi-bin/koha/opac-detail.pl?biblionumber=6961
3 M.N.S sellers, “intervention under international law”, Maryland Journal of International Law, volume.
4- بوناب كمال، التدخل العسكري لإعتبارات إنسانية: بين التبرير الأخلاقي والتوظيف السياسي، مداخلة مقدمة لجامعة الوادي: كلية الحقوق والعلوم السياسية للمشاركة في الملتقى الوطني الأول حول مستقبل العلاقات الدولية في ظل التطبيقات الراهنة لميثاق الأمم المتحدة، ص 12، دون تاريخ، الرابط الإلكتروني:
http://www.univ-eloued.dz/fr/stock/droit/pdf/bouneb.pdf
– تم الاستعانة أيضاً بمنشورات صفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت عن تصاريح السياسيين والكتاب الذين تم ذكرهم في متن المادة.