وصلت معظم حكومات العالم وبعض القوى السورية إلى قناعة مفادها بأن القضية السورية لا يمكن حلها إلا سياسياً بعدما عجزت أطراف الصراع من حسم المعركة لصالح طرف معين, وكلما طالت الثورة السورية ازداد الشرخ الطائفي في المنطقة بسبب بروز الجماعات السنية المتطرفة من بين المعارضة العسكرية على حساب انحسار دور الجيش الحر من جهة, واستمرار تلقي النظام الدعم اللازم من روسيا وإيران وميليشيات الشيعية من جهة أخرى.
كما أن ضعف هيكلية الجيش الحر وتشرذمه وتعدد ولاءاته محلياً وإقليمياً, إضافة إلى الحروب الجانبية, أمور شجعت النظام على اتباع سياسة الحصار في الأحياء والبلدات الساخنة للشهور منذ بداية عام 2013 لإرغام المحاصرين على قبول بما تسمى بالـ”مصالحات” أو “الهدن”.
وطبقت هذه المصالحات في بعض أرياف وأحياء دمشق وحمص وغيرها وتم إبرامها عبر وجهاء تلك المناطق أو الشخصيات الأممية, وقبل المحاصرون هذه الهدن نتيجة تعرضهم للجوع والحرمان والقصف والدمار من قبل طيران النظام وقطع أملهم في المعارضة السياسية والمسلحة لنجدتهم وأكدت فاعليتها على الصعيد الإنساني على أقل التقدير بعكس المفاوضات جنيف 1 زائد 2 التي فشلت في الوصول إلى أي اتفاق نتيجة تعنت الطرفين والإصرار على شروطهما ومطالبهما والتي كانت تعتمد في وثيقتها على حل جذري يشمل حكومة انتقالية بكامل الصلاحية وإبعاد الأسد عن السلطة.
يبدو أن خطة دي ميستورا مشتقة من المصالحات والهدن التي جرت منذ مطلع العام 2013 وإن كانت بشكل أوسع وبضمانات أكبر, لأن معظم المصالحات السابقة تمت لمصلحة النظام وأعادت تلك المناطق بشكل أو آخر إلى سلطته وسيطرته.
وخطة دي ميستورا حسب وكالات الأنباء تعتمد على تجميد القتال وتشكيل ما يشبه الإدارات المحلية وتوسيعها بدلاً من المركزية وهي تصب لمصلحة النظام طالما أنها ربطت مصير الأسد بالعملية السياسية بدلاً من أن تكون تنحيته شرطاً مسبقاً للمعارضة وهذا يعني أن خروجه من العملية السياسية في نهاية المطاف بعد الانتخابات ان تم حسب الخطة سيكون خروجاً آمناً وبضمانات دولية.
إذن, الخطة هي ليست حلاً شاملاً وهي تبدأ ببطء ومن جزئية وهي ستكون إنسانية وإغاثية في مراحلها الأولى ومحاولة العودة الثقة بين المعارضة والموالاة من القاعدة إلى الهرم وصولاً إلى هدنة شاملة ليتم إجراء انتخابات محلية وبرلمانية واعتماد نظام برلماني بدلاً من رئاسي.
خطة دي ميستورا هي عملية جراحية وليست علاجية وجس نبض وحتى تصبح شاملة ستستغرق وقتاً طويلاً وفرص نجاحها تبقى ضعيفة لهشاشة الوضع السوري وكثرة التدخلات الأجنبية والتعدد في الفصائل العسكرية والسياسية واستماتة النظام في التمسك بالسلطة.