بعد مرور أسبوع على سقوط نظام الطاغية الأسد، الأحداث تتسارع على مدار الساعة في العاصمة دمشق.حيث تبدو ردود أفعال القوى العالمية والإقليمية والدولية واضحة، إذ يسعى الجميع إلى تثبيت مصالحهم السياسية والأمنية في سوريا المستقبل. هذا المشهد يذكرنا بسرعة الأرنب في قصة سباقها الشهير ضد السلحفاة. ومع قراءة سريعة لأبرز تلك الردود، نرى التشابه الكبير في التأكيد على ضرورة أن تكون سوريا موحدة تحكم كامل جغرافيتها. لكن يبقى السؤال: أي سوريا ستكون سوريا المستقبل؟ هل ستكون سوريا موحدة تشبه النظام السابق، لا صوت يعلو فيها سوى صوت السلطة الواحدة، أم ستكون سوريا جديدة تعددية تتسع للجميع؟
وفي المقابل، هناك في أقصى الشمال الشرقي من البلاد، نجد المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي استطاعت على مدار سنوات الصراع السوري الحفاظ على أمن المنطقة وسلامة جميع مكوناتها من المخططات العدائية. هذه المخططات التي تراوحت بين الإرهاب المتمثل بتنظيم “داعش” من جهة، وبين محاولات قوى إقليمية لإنهاء الوجود الكردي والقضاء على قيم التعايش بين أبناء المنطقة عبر دعم الجماعات المسلحة التابعة لها من جهة أخرى. وعلى الرغم من كل هذه التضحيات، تبدأ اليوم قصة جديدة مشابهة لقصة السلحفاة في سباقها ضد الأرنب.
في ظل الحاجة الملحة إلى تكثيف الجهود لتوحيد الصفوف والرؤى السياسية، بهدف تشكيل وفد موحد يمثل الحركة الوطنية الكردية في سوريا للتفاوض في دمشق على مستقبل المنطقة، نشاهد تقاعسًا غير مبرر من بعض القوى السياسية الموجودة على الساحة. تلك القوى التي ترى أن سقوط النظام وانتصار المعارضة التي تجد نفسها جزءًا منها، يمكن أن تلبي تطلعات الشعب الكردي. ويظهر ذلك في مساعي تلك الجهة للتفاوض منفردة مع السلطة الحاكمة حاليًا في دمشق، متجاهلة أن هذه السلطة هي نفسها لم تُبدِ أي اهتمام بالقوى المعارضة ككل، بما فيها “الائتلاف المعارض”.
ناهيك عن معرفتنا المسبقة بأن الائتلاف المعارض نفسه لا يملك رؤية واضحة حول القضية الكردية أو كيفية التعامل معها، كما أن العامل التركي يلعب دورًا رئيسيًا في تهميش أي حقوق للمكون الكردي. فالمعارضة السورية سبق وأن تحدثت عن القضية الكردية بلسان داعمها التركي، الرافض لأي وجود كردي على حدوده.
أما الطرف الكردي الآخر، وعلى الرغم من تصريحاته بالرغبة في الحوار، عليه أن يدرك أن التعنت في رفض مشاركة الأطراف الأخرى لن يؤدي إلى نتائج إيجابية، لا بل قد تهدد الوجود الكردي في أرضه التاريخية. كما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن الاعتماد المطلق على فكرة الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس صائبًا بالكامل. فأية شراكة قائمة على المصالح الوقتية قد تنهار بمجرد انتهاء تلك المصالح أو ظهور بدائل لها.
كم انه ليس ثمّة ما يمنع الولايات المتحدة من الحفاظ على مصالحها في سوريا المستقبل من خلال شريكتها الاستراتيجية في المنطقة، تركيا، والفصائل التابعة لها، التي قد تصبح صاحبة اليد الطولى في المنطقة
في خضم هذا السباق المحموم بين الأطراف المختلفة لتحديد معالم سوريا المستقبل، يبقى السؤال الأساسي مطروحًا: هل ستنجح سوريا في تجاوز إرث الصراع والتشرذم لبناء دولة ديمقراطية تعددية تحتضن جميع مكوناتها؟ أم أن الحسابات السياسية والمصالح الإقليمية والدولية ستفرض واقعًا جديدًا يعيد إنتاج نظام تسلطي أو يفتح الباب أمام مزيد من الانقسامات؟.
على القوى السياسية السورية، وخاصة الكردية منها، أن تدرك أن الوحدة الداخلية وتوحيد الرؤى السياسية هو السبيل الوحيد لضمان حقوقها في سوريا المستقبل، بعيدًا عن الارتهان للتحالفات المؤقتة أو التوقعات غير الواقعية. فكما أثبتت قصة السلحفاة، البطء المدروس والتخطيط الحكيم قد يكونان مفتاحًا للنصر في سباق يبدو سريعًا ومضطربًا في ظاهره، لكنه مليء بالعقبات التي لا تتجاوزها سوى العزيمة والعمل المشترك.