“حطّمتُ الرقم القياسي بالدخول إلى السجن خمس مرات خلال شهرين من تواجدي في بلغاريا”… “معاملة الشرطة البلغاريّة وضربهم المهين للاجئين مجرد أن يعبروا بالقرب منهمْ”… “العُثور على سيدة سوريّة من الرقّة، ميتة في غابة على الحدود التركيّة البلغاريّة وقد نُهش جسدها، بعد محاولتها الدخول إلى بلغاريا”… تلك بعض المقتطفات من معاناة اللاجئين السوريين في مخيّمات بُلغاريا.
محمد.أ، شابٌ سوري ترك سوريا ودراسته الجامعية وأهله هرباً من شبح الحرب والقوة المتقاتلة فيها، ليدخل في جحيم آخر بعدما لجأ إلى بلغاريا، البلد الذي عانى فيها من السجن والتجويع والإهانة والبرد أكثر مما عاناه في سوريا، محمد انتقل بين ثلاث مخيمات للاجئين في بلغاريا ورصد معاناتها وتحدّث عنها لأورينت نت، بالقول: “أكثر المناظر التي آلمتني انقضاض اللاجئون السوريون على المساعدات الإنسانية والحاجات الغذائية القليلة التي تأتي من منظمة الهلال الأحمر، لتقوم الصحافة البلغاريا بعد ذلك بالتقاط الصور، لتبرهن للعالم أنّها تقدم المساعدات للاجئين”، والحقيقة عكس ذلك بعض الأحيان كان الطعام يوزّع كل يوم مرة واحدة فقط، أو كل ثلاثة أيام مرّة واحدة فقط.
*”غوانتانامو” بلغاريا
مخيم خرمنلي، أو “غوانتانامو بلغاريا” التسمية التي يتداولها اللاجئون السوريون فيما بينهم لسوء سمعت هذا المخيم، وافتقاره لأبسط شروط الحياة المعيشية، “فلا وجود للكهرباء، وهي عبارة عن ثكنة قديمة جدّاً فيها بعض الغرف مسبقة الصنع وهي بعيدة عن كل شيء، كما لا يسمح بالخروج منه قطعاً، عدا الطقس البارد جدّاً” كما يقول محمد، الذي يضيف “أن الطعام كان يقدّم لنا كل خمس أو ست أيام مرة واحدة، وكنا نتحمّم بالمياه الباردة في ذاك الطقس البارد، كثيرون كانوا يٌشعلون الحطب طوال الليل من أجل التدفئة، الوضع كان سيئاً لدرجة لا يمكن وصفه”.
المخيم الذي يقع بالقرب من الحدود مع تركيا، قرر اللاجئون السوريون فيه الخروج بتظاهرة والاعتراض على المعاملة السيئة والخدمات الأسوأ وللخروج من هذا السجن المسمّى مخيماً، إلا أنها قُبلت بالضرب المبرح من قبل قوات الشرطة والأمن البلغاريتين حسب محمد، الذي أضاف لأورينت نت “كنّا نفيق بنص الليل من البرد وما عاد نقدر ننام، نفيق نضل تحت البطانيّة، لبينما يطلع الصبح، نروح نجيب حطب ونشعل النار ونتدفا وكمان نغلي المي -الماء- مشان الشاي أو القهوة أو لأغراض تانية، العالم كانوا يغلو المي عالحطب ويتحمموا، بتلاقي كل مجموعة من الناس مشغلين نار جنب الكرفانة -خيمة- وعم يتدفوا والكل تضرر من ريحة الدخان، يعني 24 ساعة دخان”.
بعد التظاهرة، كانت الحكومة البلغاريّة تعد بالكهرباء وتحسين في خدمات المخيم، إلا أنها كانت حتى يسكت اللاجئون وكما يقول محمد “كلو كذب متل الحكومة السوريّة، اجراءات بطيئة كتير ووعود كاذبة، برد كتير وجوع كبير ومافي كهربا”، ليس هذا فقط بل عمليات السرقة النصب التي تكون باسم اللاجئ السوري ويقوم بها المسؤولين عن المخيمات والحكومة البلغاريّة أي “المصاري اللي تجي، كلها تروح لجيبتون، ولا تجي كهربا ولا شي، في فساد كبير يعني متل بسوريا تماماً، كمان الأرضية تراب يعني يوم أجا مطر، ما حدا قدر يطلع من الوحل والبرد، هيك كانت الحياة مأساوية” كما وصفها محمد.
*الاحتيال والنصب بالمال
ليس هذا فقط، فعندما أراد محمد وآخرون الخروج من ذاك المخيم “غوانتانامو بلغاريا” -حسب تسمية اللاجئين السوريين له- جاءت الموافقة لكن بشكل آخر، كان عليهم دفع مبلغ من المال يتراوح ما بين الـ 100 – 150 يورو أوروبي، وذلك عن طريق محامٍ يساعدهم في الخروج لكن بطريقة غير قانونيّة وكما يقول محمد ” المحامي كان يطالعنا بطريقة غير قانونية والمصاري كانت مشان يطالعنا، بس ما في أي أساس، والأكيد أنو الكل متفقين، ما في غير هالسيناريو، وآخر شي اكتشفنا أنو مو محامي” ويضيف محمد أن ذاك المحامي كان ” عراقياً بيعرف بهالأمور ويزبط الأوراق والعناوين الوهميّة وأسماء وهميّة على أساس انهم مواطنين بلغار ونحن عم نطلع لعند هالأسماء والعناوين الوهميّة”.
مخيم خرمنلي، أحد الكوابيس بل سجنٌ ينتظر السوريين في بلغاريا، على أبوابه الرئيسية كما في محيط المخيم وضعت السلطات البلغاريّة كلاب بوليسية لحراستها، وحتى لا يهرب أحد منها، المخيم مُضاء من بعيد ببعض “البجكتورات” تعمل على مولّدات كهربائية، كان الأمر أسوأ من السجن كما يقول محمد ففي أحد المرات “حاول أحدهم الهرب، لكن الأمن ألقى القبض عليه وأعادوه، كان هذا أحد اللاجئين اللذين جاءت به السلطات إلى هذا المخيم، إلا أن زوجته وأطفاله فرزوهم إلى مخيم يقع بالقرب من العاصمة البلغاريا صوفيا”.
*ضرب اللاجئين وإهانتهمْ
“صار ضرب لبنت صغيرة قدّام الكل” العبارة التي حاول محمد أن يتذكّر بها تفاصيل الحادثة بألم، وعند خروجهم بتلك المظاهرة كان العدد قليلاً كما يذكر محمد حينها ضربت الشرطة المتظاهرين و”اخدوا زلمة بالشحط عالمخفر، الزلمة يلي اخدوه عالمخفر كان معو بنت صغيرة وولد، الولاد صارو يبكو عالوالد، شرطي بلغاري انزعج من صوت البنت راح ضربها ودفشها عالأرض، وبعدين المسا بوقت متأخر رجّعوا الأب، طبعاً بعد ما كانو الولاد طول اليوم عم يبكو” ويضيف محمد الحديث عن الألم في المخيم “أي والله وبآخر أسبوع صار في عالم كتير وما عاد وسع المخيم وصار العالم عم تنحط جوا الخيم، تصور جوا الكرفانات -غرف مسبقة الصنع- كنا نموت من البرد فتخيل بالخيمْ”.
وعن تجربته مع السجون البلغاريّة يقول محمد: “كل ثلاثة أيام كنا نحصل على وجبة واحدة لكل سجين، وهي عبارة عن جبنة وخبز، منتهية مدة صلاحيّتها، غرف السجن كانت ضيقة جدّاً والبناء قديم جداً، سيّء ووسخ،أيضاً نلنا من المعاملة السيئة والمهينة من قبل الشرطة البلغاريّة الكثير، في المحكمة حُكم علينا بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ، بعد الخروج من السجن تم نقلي مع مجموعة شباب سوريين إلى مخيم آخر لا يقل سوءاً عن “خرمنلي” فيه من كل الجنسيات عدا السوريّة، هناك مرضنا، بسبب الوسخ والرائحة الكريهة والقمامة المتكومة، وأغلب من في ذاك المخيم ممن يتعاطون الحشيش، ليخبرونا فيما بعد أن فرز -محمد والسوريون اللذين معه- لهذا المخيم جاء خطأً، وأعادونا لمركز الفرز ولم يكن لدينا المكان الكافي فما كان إن نمنا على الأرض”.
*العنصريّة ضد اللاجئين وخاصة السوري
هنا يعاني السوريون خاصة والعرب عامة المعاملة السيئة بسبب حادثة يرويها لنا محمد حيث “ارتكبها مجموعة من الشباب الجزائري هنا، حين أوقفوا فتاة بلغاريّة وأخذوا منها المال وما تملك ثم طعنوها بالسكين عدة طعنات، بعدها نشرت وسائل الإعلام البلغاريا أن تلك المجموعة هم سوريون وعرب، وبعد هذه الحادثة يتعرض اللاجئ بما فيهم السوري، للمعاملة والعنصريّة من قبل المجتمع البلغاري بشكل عام وخاصة من قبل النازيين الذين قاموا بضرب وطعن عدّة لاجئين، كذلك الجماعات والأحزاب العنصريّة الموجودة في بلغاريا صبت جام غضبها وتحججت بالحادثة، ويجدر الإشارة أيضاً إلى أن نسبة من اللاجئين هنا لا يلتزمون بكثير من القوانين ويخالفون ويقومون بإزعاج المارّة ورمي الأوساخ في الشوارع، نتيجة لكل ذلك لم يعد أحد يخرج بعد غروب الشمس”.
*وزير خارجية بلغارية يوضّح
من جهة أخرى، قال وزير الخارجية البلغاري “كريستيان فيغينين” إن موضوع الهجرة شيء جديد بالنسبة لبلغاريا، وإن تضاعف عدد اللاجئين السوريين عقّد من مهمة مؤسسات الاستقبال، الأمر الذي استغلته بعض الأحزاب العنصرية لشحن الشارع ضد اللاجئين.
لكنه لفت في مقابلة له على قناة الجزيرة الاسبوع الماضي، إلى أن أحزاب الأغلبية تداركت الوضع وتمكنت من تغيير نظرة الشارع البلغاري للاجئين السوريين وأصبح يتعاطف معهم أكثر، كما بات المواطنون يسارعون إلى تقديم المعونة لهم، وفي هذا السياق أكد وزير الخارجية البلغاري، أن حكومته تفاجأت بتضاعف عدد اللاجئين منذ أغسطس/آب الماضي، مشيرا إلى أن مرافق الإيواء لم تكن مستعدة لاستقبالهم، وقال في مقابلته إن السلطات تعمل على تحسين الخدمات، وقد خصصت جزءا من ميزانيتها لمواجهة الوضع، حيث تم الشروع في إدماج بعض اللاجئين عبر منحهم وظائف وتعليم الصغار منهم اللغة البلغارية.
وفي ذات السياق تحدث “فيغينين” عن تخصيص الاتحاد الأوروبي ميزانية إضافية لبلغاريا لمواجهة التدفق المتزايد للسوريين عليها، وعن اعتزام بلغاريا إقامة سياج على حدودها الجنوبية الشرقية مع تركيا.. وقال “فيغينين” إن الغرض منه هو تحديد هوية اللاجئين، وتقليل عدد الداخلين إلى بلغاريا حتى تتمكن من استقبالهم في أحسن الظروف.
حسن كيان
نقلا عن اورينت نيور