حسن جنكو: لإنقاذ سوريا من كوميديا التدمير

Share Button

طال زمن القتل والرعب على السوريين ليدخل السنة الثامنة، ولا تزال آلة الحرب الأكثر قذارة تحصد المزيد من الأرواح، وكوميديا الموت الجماعي التي يديرها المستثمران الروسي والأمريكي في جزئها الأول، والأطراف الاقليمية في ذات الوقت تستغل الفرصة المناسبة لتستولي على حصتها من الغنيمة في مساهمة منها لاتساع رقعة الحرائق باستغلال لفيف من المرتزقة من ذوي ثقافة الإجرام والتمييز القومي لقتل أهلهم وأخوتهم من السوريين تحت رايات عديدة أبرزها راية آل عثمان بعد فشل سلطانهم في تنصيب نظام الحكم البديل في سوريا وعلى مقاس العثمانيين من الإخوان المسلمين.
ربما يتذكر السوريون من أصحاب الذاكرة غير المنخورة بداية عام 2011 وقبل انتفاضة الشعب السوري ضد الظلم خطاب أردوغان حين صعّد المنبر قائلا ” لن نسمح بحدوث حماة ثانية، وكذلك حلبجة ثانية في المنطقة ” وها هي المدن السورية تتحول إلى ركام الواحدة تلو الأخرى، وتدور الدائرة على عفرين توأم حلبجة. وتُنقل رؤوس الاموال والمصانع من حلب الى البازار التركي، ويمضي أردوغان في ترويج بضاعته وبرضا وطاعة بعض البائسين من السوريين الذين تبرعوا لخدمة السلطان الإسلاموي في معادلة رخيصة تفقأ العين.
سلك أردوغان منحدرا خطيرا لاتساع رقعة حكمه، وبالكاد أنقذ نفسه كيلا يتدحرج مع كتلة النار، حين طرق أبواب بوتين متسوِّلا، وليبلّغ رسالة إلى نتنياهو عبر الوسيط الروسي ليعود لتنفيذ أجنداته، واقتناص الفرصة لسلخ “جرابلس، أعزاز، الباب ” ومن ثم عفرين من الكيان السوري لضرب الكرد وتقديم أفضل الخدمات للمعارضة السورية للحفاظ على الأمن القومي التركي؟!، ضمن تفهم أمريكي صريح وقلق روسي معلن؟؟!! لتنبئ المقايضة عن إعلان إسقاط التحالفات الوقتية أمام المصالح الاستراتيجية، وتدمير عفرين الآمنة والمسالمة وسط تكتيم إعلامي مخيف.
لم يستفق السوريون بعد من غفوتهم وغفلتهم، ولم تلامس نداء الشاعر الكردي جميل صدقي الزهاوي أسماعهم، حين أعدم جمال باشا السفاح الأحرار العرب من السويين واللبنانيين المطالبين باستقلال بلادهم عام 1916 من المحتل العثماني حين قال:

على كلّ عودٍ صاحبٌ وخليلُ وفي كل بيتٍ رنّة وعويل
بني يعربٍ لا تأمنوا الترك بعدها بني يعرب إن الذئاب تصول

إذن، الذئب العثماني يصول ويجول بحثا عن مجد أجداده البائد على حساب الدم العربي والكردي والجغرافية السورية لتمتد مساحة استيطانه إلى جزيرة ” السواكن ” السودانية لبناء قاعدة عسكرية فيها، إضافة إلى القاعدة التركية في قطر، ومراكز الرصد والمراقبة في إدلب شمال سوريا، ما يعني أنه يخطو خطوات ملموسة لتطويق منطقة الخليج وبلاد الشام إن نجح في استكمال مشروعه التوسعي.
الحرب المدمرة في سوريا مستمرة وتتسع دائرة تعقيداتها، ورحى المعارك تطحن السوريين لأكثر من سبع سنوات حيث باتت سوريا أشبه بجثة هامدة تنهشها الذئاب من كافة الاتجاهات.
فالروسي يدير التوازنات على الساحة السورية سياسيا وعسكريا بما يتوافق مع مصالحه واتساع رقعة نفوذه في سوريا، وكذلك الأمريكي الذي يؤسس في شرق الفرات للإبقاء على وجوده لأمد غير معلوم دون أي إحساس لهاتين القوتين بآلام السوريين ومعاناتهم في المنافي وأقبية السجون وغير ذلك، أو تلوح في الأفق أية بادرة تضع نهاية لكوميديا العصر.
ثماني جنيفاتٍ وثماني استاناتٍ وسوتشي ولا تزال الحوارات البيزنطية مستمرة، والوسيط الدولي دي ميستورا لا يملّ ولا يكفّ عن عقد اللقاءات الماراثونية بين المعارضة والنظام التي لا تطحن غير الهواء، وبالتوازي مع تلك اللقاءات كتائب الفتوحات والغزوات الإسلاموية والقومجية ماضية في جزِّ رؤوس السوريين وتدمير ونهب ممتلكاتهم.
الفاعل الروسي والأمريكي لا يرغبان في إنهاء فصول الصراع حسب المعطيات الواقعية في المشهد السوري، ما يعني ترك أبواب الصراع والاحتراب مفتوحا لأمد غير معلوم حتى تشرف سوريا على حافة الهاوية لتتحول الساحة السورية إلى حلبة للثارات وعمليات الانتقام، الكل يقتل الكل يوما ما، طالما ترك اللاعبان الرئيسيان الحبل على غاربه.
الخيارات السورية جدا محدودة إن لم نقل معدومة، ما لم يتنبّه الغافلون لما يجري في بلدهم، ويستعيد النظام ذاكرته، ويعترف بالآخر المختلف، ويدرك بأن السرطان الذي يسري في العروق لا براء منه إلّا بالحوار والتوافق بين السوريين أنفسهم ومن كافة التوجهات والانتماءات لتتصدر خيارات إنهاء العنف والقتل جدول الأولويات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدولة السورية على قاعدة الإقدام على خطوات جريئة وشجاعة للتنازل من كل الأطراف الذين يؤمنون بالحل، وتقديم كل التضحيات لوقف حمام الدم، والتطلع لسوريا المستقبل بعيون مفتوحة وخطوات ملموسة إلى الأمام وبإرادة سورية خالصة لقطع الطريق أمام الغزاة الطامعين بأرض سوريا والعابثين بمصير البلاد والعباد.
إذن، المقاربة السورية – السورية وحدها ربما تفضي إلى نتيجة إيجابية حين يشعر الجميع بأنهم شركاء الجغرافيا والتاريخ، وأصحاب حقوق دستورية في سوريا المستقبل، وتتكوَّن لديهم القناعة بأن الطوفان سيبتلع الجميع ما لم يتم التوافق الإسعافي لإخراج سوريا من غرفة العناية المشدًّدة.

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 639 من الديمقراطي

صدور العدد الجديد (639) من جريدة الديمقراطي باللغتين العربية و الكردية. الافتتاحية : من المعلوم ...