عالم في منتهى الغرابة والعجب ، عقود واجيال من الكفاح والنضال ، وقرابين وتضحيات جسام افي سبيل تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ،و كل هذه الليبراليات و الديمقراطيات في العالم الحر المتمدن تقف عاجزة عن فعل أي شيء للشعب السوري !
ما معنى الليبرالية الموجودة والمفترضة على الساحة العالمية ؟ ماهي القيم والاهداف لهذه الليبرالية المنتشرة حول العالم والتي تعززها امريكا وحلفاءها ؟ مامعنى وقيمة المطالبة بحقوق الانسان ،أو المطالبة بمجتمعات ديمقراطية حرة ، و بالحقوق السياسية للاقليات العرقية و الدينية والمساواة بين الرجل والمرأة وصحافة حرة ، وقضاء عادل الخ ؟ …ماقيمة كل هذه عندما لا تستطع هذه الليبراليات والدول ان تطبقها على الارض ؟ أوعلى الأقل مقاومة الطغاة الذين يعيثون الفساد من حولهم ويحولون حياة شعوبهم الى جحيم ، وهولاء الطغاة قد يكونوا قوميين عنصريين ،او متطرفيين دينيين او ديكتاتوريات فاسدة .
ان مأساة الشعب السوري كشف الكثير عن المستور بما يخص هذه المجتمعات الليبرالية الغربية وخاصة الامريكية والإنكليزية , فأغلب هولاء الليبراليون كشفوا عن انفسهم عندما كشر أوباما عن انيابه المكسورة لضرب سوريا ، بل ذهب بعضهم بعيدا ووصفوا امريكا بانها تريد ان تقوم باحتلال مناطق قريبة من الثروة النفطية في المنطقة ، ورفضوا هذه النزعة الامريكية ووجدوا فيها قوة شيطانية ستجر أمريكا والعالم الى ويلات و أزمات لن تستطع التخلص منها بسهولة ، وبان صورة فيتنام ، ومأسي فيتنام لا تزال قائمة ، وان أمريكا لا تنفك تبحث عن مستنقع جديد ، وان القوة العسكرية الأمريكية قوة شريرة لا تجيد سوى الشر وهولاء نسيوا ام تناسوا بان القوة الرادعة تمنع العدوان وتسمو بالمجنمعات والدول والبشر .
مما لاشك فيه ان للقوة العسكرية اكثر من مفهوم ، فبإستطاعة هذه القوة ان تفعل الخير ، أو على الأقل تمنع الشر وهناك أمثلة كثيرة حول العالم ، مثل كوسوفو والعراق واماكن اخرى كثيرة ، ولولا تدخل القوة الرادعة لكان ميلوسوفيتش قضى على كوسوفو والقذافي قتل كل الشعب الليبي وصدام حسين أباد الكورد والشيعة … .
لقد أفرزت الأزمة السورية نوعان من المعارضة ، نوع يعارض التدخل الأمريكي بحجة عدم التدخل في الشؤون السورية وبأن من شأن هذا التدخل ان يجر البلاد الى حروب مذهبية وعرقية وقبلية لانهاية لها ،والنوع الثاني يدعوا الى التدخل وبإن هذا التدخل سيؤدي الى سقوط النظام وعندها تنتهي الازمة السورية وسوف يجد السوريين الحلول لأزمتهم . ولكل الطرفين وجهة النظر الخاصة به ، ولكن وقف نزيف الدم السوري ومعاناة الشعب السوري أولوية و ضرورة ملحة وتقع على عاتق الدول الكبرى صاحبة القرار .
هناك دائما القوة العسكرية الرادعة والقادرة و الراغبة في فعل عمل الخير ، أو على الاقل العمل في منع وقوع الشر ،وبالمقابل هناك القوة الشريرة والتي تدعم و تساند المستبد وهي متمثلة بروسيا وايران وحزب الله في الحالة السورية وهذه القوى غير ليبرالية و فعالة ، ولسوء حظ السوريين القوى الليبرالية القوية مترددة ، وموقفها ضبابي وغير فعال حتى الأن و قد يكون السبب الكلفة الباهظة لهذا التدخل وكذلك الخوف من سيطرة الكتائب المتشددة على السلطة في سوريا .
وهذان المبدأن (الخير و منع وقوع الشر ) قد يبحثان سوية عن فعل شيء ما أو إيجاد ألية لوقف القتل و المجاذر، ولكن عندما يتعلق الأمر بالقوة العسكرية أو التدخل العسكري يحدث تضاد قوي وينتج عنه نشوء تيارات لا تؤمن بنوايا القوة الليبرالية الداعمة للتدخل العسكري بالرغم من انها نفسها كانت تتدعي الليبرالية وتدافع عنه .
إن عدم تدخل القوة الليبرالية الغربية وبشكل خاص الأمريكية ، والتي تمتلك قوة عسكرية هائلة الأن و بعدما جرى في سوريا من جرائم وأخرها إستخدام السلاح الكيماوي سيضع مصداقية هذه القوة على المحك ،وسيفقدها الكثير من هيبتها ، وسيشجع النظام على التمادي في القتل بجميع صنوف الإسلحة الاخرى ، كما انه سيقوي شوكة المتطرفيين الاسلاميين ،وجميع أمراء الحروب والقتلة المجرمين ، وبالتالي سيزيد من التصميم الايراني على إمتلاك السلاح النووي والذي سيكون تهديدا مباشرا على حلفاء أمريكا وعلى جميع الديمقراطيات و الليبراليات على هذا الكوكب وما حوله .
لذا فان التدخل العسكري الغربي الليبرالي القوي المحتوم له أهميته الإستراتيجة على المدى القريب والبعيد ، فهو سيمنع النظام السوري والانظمة المستبدة الاخرى من مجرد التفكير بإستخدام السلاح الكيماوى والأسلحة المحرمة دوليا ، وسيقوي القوة المعارضة المعتدلة للتقدم نحو دمشق وسيساعد على تفكك الجيش السوري وبالتالي انصياعه للقبول بمبادرة جنيف 2 حسب التفسير الغربي ، ومن جهة اخرى سيضعف المنظمات الارهابية والكتائب المتشددة والدول التي تسبح عكس التيار وقد يساعد على التحضير والاعداد لخارطة شرق أوسطية جديدة ولكن بمقاسات مختلفة .