لا أحد يشبه بشار الأسد أكثر من فلاديمير بوتين. كلاهما يتوسل العنف للبقاء في السلطة، الأول في الداخل بعدما أُجهض تمدده خارجياً، والثاني في الخارج تلافياً لمحاسبة داخلية. وكلاهما يحتالان على الواقع من خلال نظام ودستور وُضعا لخدمة هذا الهدف الوحيد، أياً تكن العواقب على بلديهما.
يتصرف حاكم دمشق الذي لم يعد يسيطر على اكثر من 35 في المئة من الاراضي السورية وكأنه لا يزال الحاكم المطلق لسورية، فلا يفوّت مناسبة للادلاء بتصريحات ومواقف امام زواره المقتصرين على مسؤولين ايرانيين وروس من الصف الثالث وبعض السياسيين اللبنانيين. فيخطب عن «الشعب السوري»، قاصداً القلة القليلة التي تعيش، لضيق السبل، مذعورة في مناطق تخضع لعسف اجهزة استخباراته وميليشياته، ويتحدث عن «مكافحة الارهاب» الذي كان بين أول مبتكريه ومشجعيه ولا يزال يدير الكثير من تنظيماته، ولا يخجل من تعداد شروطه لوقف الحرب على مواطنيه، ولا من ترداد تصنيفاته في «الوطنية» و «الحكم الرشيد»، ولا يتورع عن اعتبار نفسه مرشحاً دائماً الى أي انتخابات في اي وقت، وسط تصفيق بطانته المُداهنة.
وقلما تمر مناسبة من دون ان يشكر الاسد طهران وموسكو اللتين لم يكن ليبقى في موقعه من دون دعمهما المتعدد الاشكال، وخصوصاً العسكري.
اما بوتين الذي أمضى حتى الآن 14 عاماً في الكرملين، فصلت بينها ولاية شكلية لكبير موظفيه ديمتري ميدفيديف الذي لا لون له ولا طعم، فبشّر الروس بأنه لا يستبعد الترشح الى ولاية رابعة في 2018، تبقيه جاثماً فوق رؤوسهم حتى 2024 فقط، في حال لم يستجب لرغبة «نواب الشعب» ويعدل الدستور بما يمنحه الرئاسة مدى الحياة.
ولا يبالي «القيصر الصغير» المتحذلق بأن مغامرته الحمقاء في أوكرانيا توقع بلاده في عزلة سياسية متنامية مثلما حصل في قمة «مجموعة العشرين»، وعقوبات اقتصادية «كارثية» على حد تعبيره، قد تعيدها عقوداً الى الوراء. فالمهم بالنسبة اليه إثبات انه قادر على مقارعة «الاعداء» الذين يريدون «إخضاع الروسيا»، سعياً الى اسكات معارضيه في الداخل الذين يشبههم بـ «الفيروس»، بعدما جرب السجن والاغتيال وسلسلة قوانين أمعنت في «تطهير» المؤسسات.
ويتناسق طريقا الاسد وبوتين في اقتراح موسكو رعاية «حوار بين السوريين» يكون حاكم دمشق احد طرفيه، ويكون الثاني من يختاره هو للجلوس قبالته. اما هدف الحوار الذي لم تعلق طهران عليه، فليس ايجاد بديل من الاسد، او حتى حكومة انتقالية بصلاحيات تتولاها المعارضة في وجوده، بل «البحث في مواجهة خطر الارهاب الدولي»، في استخفاف واضح بمئات آلاف الضحايا السوريين الذين سقطوا، ولا يزالون يسقطون، بأسلحة الجيش النظامي، في مجازر يومية.
ويلجأ المسؤولون الروس الى اساليب بدائية لاقناع المعارضة السورية بأن موقفهم «تغير» من الاسد ونظامه، عبر تسريبات ووعود يقطعونها الى بعض الشخصيات التي تحظى برضا دمشق، بهدف تشجيعها على لعب دور في زيادة انقسام المعارضة وإرباكها، لكنهم سرعان ما ينفون هذه التسريبات مؤكدين تمسكهم بشاغل قصر المهاجرين.
وبانتظار موافقة لن تأتي على مشاركة المعارضة في هذا «الحوار»، تستقبل موسكو اليوم وفداً من النظام برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم الذي تبين في لقاءي جنيف انه لا يملك اي صلاحيات تفاوضية مع اي كان، وان قرار دمشق يبقى بيد طهران، بالوكالة عن ربيبها الاسد.
المصدر : جريدة الحياة