منذ التحضير لمؤتمر جنيف٣ من قبل الأمم المتحدة وبالتعاون مع مجموعة الدول المعنية بالأزمة السورية، والساحة الكردية الداخلية تشهد مزيدا من التشنج والتصعيد في الموقف، بشكل يزيد من حدة التناقضات القائمة في الأساس، وتمثّل المجلس الوطني الكردي في إطار القائمة التي اعتمدت في مؤتمر الرياض بالمملكة العربية السعودية، باعتباره جزء من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وبدورها سعت حركة المجتمع الديمقراطي أن تحتل موقعا في مؤتمر المعارضة من خلال هيئة التنسيق للمعارضة الوطنية السورية، باعتبار الاتحاد الديمقراطي جزء منها، ورغم الجهود الكبيرة لقيادة الاتحاد الديمقراطي إلا أنه لم يفلح في إيجاد مكان له في وفد المعارضة، نتيجة اعتراض تركيا الشديد لحضوره، وتأييد السعودية لتركيا، ورضوخ القسم الأكبر من أطراف المعارضة لرغبة الدولتين، لا بل اتـُخذ قرار في مؤتمر الرياض باعتبار قوات وحدات حماية الشعب قوى ارهابية، و من غير الممكن أن يشارك ممثلها السياسيّ في مفاوضات جنيف، وهنا تحركت قيادة Tev- Dem على الصعيد الدوليّ، وتحديدا عبر البوابة الروسية أحد الراعيين الرئيسيين لمفاوضات جنيف٣، ورغم محاولات روسيا الكبيرة إلا أنها لم تستطع إقناع المعارضة وحلفائها الإقليميين في إشراك ممثلي حركة المجتمع الديمقراطي، ولا حتى عبر مجلس سوريا الديمقراطي، والذي تشكل بنفس التوقيت مع مؤتمر الرياض، وضم ممثلي مكونات من العرب والكرد والسريان وغيرهم، وبالنتيجة لم تتم دعوة ممثلي الاتحاد الديمقراطي، أو قوات وحدات حماية الشعب – رغم تضحياتهم الكبيرة، ونجاحهم في دحر تنظيم “داعش” في الكثير من المناطق، وتعاونهم العسكريّ المهمّ مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية – في محادثات جنيف ولأسباب تمّ ذكر البعض منها، وأخرى لا مجال لذكرها الآن، فشلت محادثات “جنيف” تحت مسمى “تأجيل المفاوضات”.
وهنا رغم أن العنوان الذي عُرف به جنيف٣، وخاصة في تلك المحادثات لم يكن يتجاوز البحث في آليات تتعلق بالجانب الإنساني، ووقف الاقتتال، وفك الحصار، وايصال المساعدات الانسانية، والتي لم يحصل فيها أي اختراق يذكر على هذا الصعيد، إلا أن الشارع الكرديّ، والمنقسم على نفسه بحدّة في أكثر من اتجاه, المجلس الوطني الكردي، وحركة المجتمع الديمقراطي، وأحزاب أخرى خارج الإطارين، تفاعل مع الموضوع، وبسبب من أداء حركته السياسية، وكأن مؤتمر جنيف عنوانه حل القضية الكردية في سوريا، وبدلا من إظهار الموقف الكردي الوطني السوري تجاه أزمته الوطنية الرئيسية، والذي تبنته الحركة الكردية منذ بدايات الحراك الثوري السلمي في سوريا، والذي أكد على سلمية الثورة وكذلك تبني الحوار لحل الأزمة سياسيا للوصول إلى نظام ديمقراطي تعددي برلماني، وفي إطار سوريا فيدرالية، تحقق الحقوق للجميع دون إقصاء، أو تمييز، أو استثناء، وبدلا من توضيح هذا الموقف بغض النظر عن أهمية الحضور والتمثيل، فأنه تورّط في نقاش وخلاف عقيم، حول أحقية التمثيل الكردي من جهة، واعتبار التمثيل هو الأهم في المعادلة من جهة أخرى، واستباق الأحداث في إظهار المسألة اعلاميا وكأن القضية الكردية هي عنوان جنيف٣، وهذا المشهد البائس أساء كثيرا لموقف الكرد، ودورهم الوطني في هكذا محفل دولي، كونه اختبار لجميع الأطراف في إظهار أنفسهم مقنعين للآخرين، من حيث كونهم شركاء عضويين وفاعلين، في إيجاد حل لأزمة بلادهم، و بدلا من ذلك تركز المشهد إعلاميا حول أحقية التمثيل، لا بل ذهب البعض إلى الاعتراض على مشاركة أطراف كردية أخرى في جنيف، ولا تزال الأمور تسير على ذات المنوال، وكل طرف يشد الحبل في اتجاه مخالف تماما للآخر .
إن جنيف وما يتم التحضير له سيمتد إلى فترة طويلة، وهي مناسبة لإعادة النظر من جميع الأطراف في الحركة الكردية بجميع أطرافها حتى المجتمعية منها، وتقييم الواقع الراهن، والاستفادة من الأخطاء الكبيرة التي حصلت خلال السنوات الخمس من عمر الأزمة السورية، والتي وقع فيها الجميع دون استثناء، وبالتالي الخروج بتفاهم داخلي يتمثل الحدود الممكنة، في حماية مصالح الشعب الكردي في سوريا، دون أن ينسينا ذلك المهام التي نتحملها كجزء من الشعب السوري حيال ما يمر به بلدنا.
كان الكل يجمع على أن يكون هناك وفد موحد للمعارضة، وهذا أمر مثالي في الواقع، أثبتت كل اللقاءات على صعيد المعارضة عدم جدواها، وخاصة خلال مؤتمري جنيف١- ٢ ، ومن هنا فأن الأزمة اللبنانية لم تجد حلا لها إلا من خلال مؤتمر “الطائف”، والذي شمل الجميع دون استثناء. وفي سوريا هناك مجموعات معارضة عديدة، وتختلف في رؤيتها للحل في سوريا، وليست بالضرورة جميعها سياسية، ومن هنا فأن الشكل الواقعي يمر عبر مشاركة الجميع، في حوار ويكون النظام جزء منه، كونه يقف في طرف، والآخرين رغم تباين مواقفهم، إلا أنهم جميعا يقفون في الطرف الاخر. ومن هنا فان سعي الكرد لأن يتمثلوا في هكذا مؤتمرات، بوفد مستقل يمثل الكرد فانهم بذلك يستطيعون لعب دور أفضل، على صعيد مساعدة المجتمع الدولي، في دفع الأمور نحو الحل السياسي، ومن جهة أخرى فأنه يعيد التوزان إلى الموقف الكرديّ، والمطمئن للشعب الكردي، والذي نكاد نكون أحوج ما نكون إليه اليوم أكثر من أي أمر آخر، وهذا الطرح يجد له آذاناً صاغية من قوى دولية مهمة، تتجاوز لدى البعض منهم إلى حد التبنّي له.
احمد سليمان : عضو الهيئة العاملة في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا .