جـــودت هـوشـــيار: مقالان عن الاخوان و عبد الكريم قاسم

Share Button

images” سترابادو ” على الطريقة الأخوانية

“سترابادو  strappadoمن الكلمة اللاتينيةstrappare-  السحب أو الجر”  شكل من أشكال التعذيب كان شائعا في سجون محاكم التفتيش في القرون الوسطى في أوروبا.، حيث كان السجين يقيد من معصميه بالحبل وراء ظهره وأحياناً تربط أثقال على قدميه لتكثيف وزيادة شدة الألم ويسحب بهذا الحبل إلى الأعلى، ثم يترك ليهوي على أرضية صخرية لمرات عديدة إلى أن يعترف بما هو مطلوب منه. وكانت “حفلة” التعذيب هذه تنتهي بإصابة السجين برضوض أو التواء أو خلع مفصل أو أكثر وأحياناً بشلل اليدين .

وقد تفنن الجلادون منذ ذلك الحين في تنويع استخدام هذا الشكل من أشكال التعذيب الجسدي و”تطويره” بإضافة (عناصر) جديدة إليه. ففي معسكرات الاعتقال النازية، مارس الجلادون الفاشست (السترابادو) مع الضرب والتجويع. ومارسته السلطات الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين مع التعذيب النفسي، لذا يطلق عليه في الأدبيات الحديثة “التعذيب على الطريقة الإسرائيلية”.

وفي عام 1997 قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير لها من تـركيا، أن قوات الأمن التركية تستخدم الـ(السترابادو) على نطاق واسع جنباً إلى جنب مع المياه ذات الضغط العالي والضرب والاعتداء الجنسي  .

ولكن التطوير الأهم لطريقة التعذيب بـ(السترابادو) تم على أيدي جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر، حيث شاهد العالم كله يوم السبت الماضي شريط  فيديو  يثبت  وحشية “الإخوان” وسفالتهم  وافتقارهم إلى أبسط القيم الإنسانية وتعطشهم لدماء من يخالفهم الرأي، حيث أمسكت ميليشيا إخوانية ملتحية – ترتدي أسمالاً قذرة وترفع رايات سوداء –  بشابين مصريين فوق سطح إحدى العمارات بالإسكندرية وألقت بهما بقوة وعنف من فوق سطح العمارة إلى الشارع الأسفلتي  في جو هستيري وفي مشهد غير أخلاقي لا يمت للدين الحنيف بصلة .

وتبين من التحقيقات الأولية، أن أحد الشابين هو الشهيد محمد بدر الدين (19 سنة) وهو الابن الوحيد لعائلة فقيرة، وأن أنصار الرئيس المخلوع مرسي العياط ألقوه من أعلى خزان بأسطح إحدى العقارات في منطقة سيدي جابر .

ويقول أحد أصدقاء الشهيد، أن حمادة لم يكن له علاقة بالسياسة، وإنه في يوم التظاهرات أراد أن يصعد لأحد الأسطح لينجد صديقه الذي عرف أن أحد مؤيدي الرئيس المخلوع، قد قطع يده، وعندما صعد إليه اختبأ أعلى الخزان حينما وجد مؤيدي مرسي يطاردونه، ولكن القتلة صعدوا ورائه وقتلوه”.

وتقول والدة الشهيد، وهي تجهش بالبكاء “حمادة كان أملي وابني الوحيد.. ربنا أهداني إياه بعد صبر 4 سنين وإجراء عمليات.. فأنجبته بعد مشقة وتتساءل قائلة: “ليه عملوا كده فيه؟، أنا شفته في المشرحة كان وشه أزرق ومضروب وإيده ورجله ناشفين، القتلة بعد أن رموه من على السطح ضربوه، ولما تعلق بسلك يستنجد بأي قشة لإنقاذ حياته فتحوا عليه خزان المياه ليكهربوه”.

إن تاريخ “جماعة الإخوان المسلمين، مليء بجرائم إرهابية، فقد قام عبد المجيد أحمد حسن – المنتمي إلى التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين – في 28 ديسمبر 1948 في القاهرة باغتيال  رئيس الوزراء في ذلك الحين  محمود فهمي النقراشي .

وفي أكتوبر من عام 1954 حاولت الجماعة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بينما كان يخاطب الجماهير المحتشدة في ميدان “المنشية” بالإسكندرية ويدعو إلى تناسي الماضي ونبذ الخلافات وامتدت يد إخوانية أثيمة باغية وأطلقت ثماني رصاصات على صدر البطل، تفجرت لها عواطف الشعب المؤمن بقائده عندما رأته يثبت مكانه شامخاً كالطود، والرصاص يتناثر حوله ثم يقول :
“أيها المواطنون.. دمي فداؤكم وفداء مصر.. سأعيش من أجلكم وسأموت من أجل حريتكم وكرامتكم. فليقتلوني – لست أبالي – مادمت قد غرست فيكم العزة والكرامة والحرية، وإذا مات جمال عبد الناصر، فليكن كل منكم جمال عبد الناصر”.

وفي في 6 أكتوبر 1981 قام أحد أعضاء تنظيم الجهاد التابع لجماعة الأخوان المسلمين باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في حادث “المنصة” الشهير .

جماعة الأخوان تضم في صفوفها عددا كبيرا من السلفيين والتكفيريين. فقد سبق حادث قذف الشابين من سطح إحدى العمارات بالإسكندرية قيام أعضاء الجماعة خلال عهد مرسي بحرق عدد من الكنائس وقتل عدد كبير من المصريين الأقباط واختطاف بناتهم .

وعلى النقيض مما يروج له الإعلام الغربي، بأن الأخوان المسلمين يمثلون “الإسلام المعتدل”، ها هم اليوم يثبتون للعالم أنهم مجموعة من المتعصبين والمتطرفين، المتعطشين للعنف  وسفك الدماء، و يحاربون بضراوة  كل من يخالفهم الرأي .

ستبقى سلسلة جرائم “الإخوان” وآخرها جريمة إلقاء الشابين  المصريين من سطح العمارة وصمة عار على جبينهم إلى الأبد .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قراءة في فكر الزعيم عبدالكريم قاسم

فى هذه الأيام العصيبة التى يمر بها العراق بعد ثمان سنوات عجاف من تسلط احزاب الأسلام السياسي على مقدرات البلاد ، تلك الأحزاب الرجعية المتخلفة ، التي نهبت ثرواته وقتلت خيرة أبناءه واعادت البلاد الى عهود الظلم والظلام ، في هذه الأيام تحديدا تتجلى شخصية الزعيم الوطنى الخالد الشهيد عبدالكريم قاسم بكل عظمتها و جلالها و بهائهاوحكمتها و انسانيتها فهو اول زعيم عراقى وطنى تولى حكم البلاد منذ أكثر من ألفي سنة وقائد ثورة وطنية مجيدة حررت العراق من التبعية للدول الأمبريالية ومؤسس الجمهورية العراقية وزعيم سكن قلوب العراقيين لأنه عمل وجاهد فى سبيل عزتهم وكرامتهم و سعادتهم وتوحيد كلمتهم وتوجيه طاقاتهم نحو البناء والأعمار من اجل بناء عراق قوى مستقل و مزدهر،ولا نريد فى هذا المقام ان نعدد الأنجازت الضخمة التى تحققت خلال فترة حكمه القصير والتى تعتبر بحق الفترة الذهبية فى تأريخ العراق المعاصر ولا ان نشيد بمناقبه وخصاله الحميدة وهى كثيرة ونادرا ما تجتمع فى شخص واحد بل نحاول التركيز على فكر الزعيم الذى حاول الأعداء تشويهه عن عمد خدمة لمصالحهم الأنانية الضيقة ولم يفهمه الأصدقاء مع شديد الأسف ،هذا الفكر الذى نحن بأمس الحاجة اليه فى ايامنا العصيبة هذه .

صحيح ان الزمن تغير وان العراق اليوم يمر بمرحلة جديدة و مختلفة الا ان المبادىء والأفكار التى نادى بها الزعيم لازالت تحتفظ بحيويتها وقيمتها العظيمة وهى ضرورية اليوم اكثر من اى وقت مضى لبناء العراق الجديد ،  وان التنكر لهذه المبادىء و الأفكار من قبل الخصوم والأصدقاء معا كانت وراء الكوارث والنكبات التى شهدها العراق فى العقود الأربعة الأخيرة .

ويبدو لنا ان فكر الزعيم اكثر التصاقا بالواقع العراقى من افكار من كان يزايد عليه خلال فترة حكمه و هى فى الوقت ذاته افكار معاصرة وديمقراطية و تقدمية ليس قياسا الى زمنه ولكن حتى بالنسبة الى يومنا الراهن ويتفق مع معاييرومبادىء حقوق الأنسان واكثر ديمقراطية من الأفكار المتخلفة التى يروج لها معظم التيارات السياسية العاملة اليوم على الساحة العراقية .

1-الوطنية العراقية اولا :
تتعرض بلادتا اليوم الى مؤامرة خبيثة تحيكها اطراف عديدة ومختلفة يجمعها قاسم مشترك واحد هو زرع الفتنة الطائفية وتأليب طائفة على اخرى وافتعال الخلافات العرقية والمذهبية وتأجيج الصراعات الحزبية وتظهر الى الوجود عشرات الأحزاب والتجمعات المشبوهة وبينهاعدد لا يستهان به من الأحزاب الكارتونية التى تشكلت بتمويل وتوجيه مباشر او غير مباشر من اجهزة مخابرات دول الجوار و القوىالأخرى المعادية لتطلعات الشعب العراقى .

فى هذه الأيام تحديدا لابد للأجبال الشابة على وجه الخصوص ان تعلم بأن الهم الأول لقائد ثورة 14 تموز كان الحفاظ على مكاسب الثورة ومصالح الوطن العليا و توحيد كلمة العراقيين من اجل عراق قوى مزدهر ينعم فيه المواطنون بالأمن والأستقرار والعيش الرغيد.وقد عمل الزعيم جاهدا وواصل الليل بالنهار لتحقيق هذا الهدف السامى وضحى من اجله كثيرا واستشهد فى سبيله_.

وكان الزعيم  قد تنبأ منذ الأيام الأولى للثورة ان تحقيق مشروعه فى تحديث المجتمع العراقى وبناء الدولة القوية محفوف بالمخاطر الجسيمة—يقول الزعيم فى الكلمة التى ارتجلها فى وفود كركوك التى جاءت يوم2 اب 1958 لتهنئته بنجاح الثورة : ” اننى اعاهد الله بأننى سأفنى كيانى ووجودى واضحى بدمى وبكل ما املك فى سبيلكم واننى أسأل الله ان يوفقنى لخدمتكم و خدمة ابناء الشعب “.

، وقال مخاطبا وفود( الموصل،الرمادى،الحلة،المسيب،الدجيل،المقدادية )التى حضرت لنفس الغرض: ”  اننى ابن الشعب،اعاهد الله بأنى سأضحى فى سبيلكم وسيفنى كيانى ووجودى فى الدفاع عن الجمهورية العراقية.ايها الشعب اننا قد اقسمنا ونعاهد الله ونعاهدكم على هذا القسم،سندافع عن حريتكم وعزتكم وعن الكرامة وروح السلام فى بلادكم ” ويتكرر هذا القسم فى العديد من خطبه وكلماته الصادقة النابعة من صميم قلبه ووجدانه.

كان يؤمن ايمانا عميقا و راسخا بالوطنية العراقية وكان فوق الميول والأتجاهات ،  وهكذا ينبغى ان يكون كل قائد ثورة او زعيم شعب او رئيس دولة راعيا لكافة ابناء الشعب دون ادنى تمايز طبقى او عرقى او دينى .  ففى عهده كان العراقيون سواسية كأسنان المشط فى الحقوق والواجبات امام القانون حيث كانت المؤهلات و الكفاءة هى المعايير المعول عليها فى اسناد المناصب العليا و الوظائف العامة او القبول فى المؤسسات والكليات العسكرية او فى ايفاد البعثات العلمية الى خارج البلاد للدراسة او التدريب او الأشتراك فى المؤتمرات والندوات العلميةوغيرها دون ادنى تدخل من اية جهة كانت .

وكان الزعيم يجسد الروح العراقية الحقة ولم يخطر بباله قط ان ينحاز الى طائفة بعينها او ان يفضل شريحة اجتماعية على اخرى. ان الطائفية و الوطنية على طرفى نقيض ولا يمكن لوطنى حقيقى يؤمن بالديمقراطية حقا اويهمه وحدة صفوف الشعب ومصالح الوطن ان يزايد على الأخرين بأسم هذه الطائفة او ذاك او يعمل من اجل طائفة معينة دون غيرها ومن يدعى الوطنية والأخلاص للشعب والوطن عليه ان يعمل ويناضل من اجل خدمة الجماهير الشعبية الكادحة دون تفرقة او تمييز مهما كان نوعه ومن يخل بهذا المبدأ السامى انما يخدم عن قصد او حسن نية مخططات اعداء العراق فى زعزعة الأمن والأستقرار فى البلاد وعرقلة تقدمه و ازدهاره .

فالطائفية—التى هى قصور فى الوعى والأدراك ودليل الأفلاس السياسى—حين تحل لدى البعض محل الوطنية تصبح اداة لتفرقة صفوف الشعب وخدمة لأعداء الوطن والشعب و يقول احد الفلاسفة : ” ان السياسى الذى ليس لديه من المؤهلات او الأنجازات ماهو جديربالتقدير والأحترام يتفاخر بأنتمائه القومى او المذهبى ويتخذها وسبلة لتحقيق مصالحه الأنانية ” .

ان الأنتماء للعراق ارضا وشعبا والتضحية فى سبيل مصلحة العراق وشعبه اولا واخيرا هو المعيار الصحيح للوطنية العراقية ولا معيار غيرها.اما من يعمل للمصالح الحزبية او الفئوية والأسوأ من ذلك لمصلحته الشخصية فأنه لا يستحق ثقة الشعب واحترامه .وينبغى تقييم الساسة العراقيين والأحزاب والتكتلات الموجودة على الساحة السياسية العراقية حاليا على هذا الأساس .

هذا المعيار كان صحيحا فى زمن الزعيم ولايزال صحيحا اليوم وسوف يظل كذلك ابدا.
وهذا اول درس ينبغى على المخلصين من ابناء العراق ان يتعلموه من الزعيم و يتمسكوا به وبدونه لن يرى العراق استقرارا او ازدهارا .

و يقول الزعيم فى خطابه التأريخى الذى ارتجله فى الأحتفال الجماهيرى الحاشد لمناسبة الأحتفال بعيد العمال العالمى فى عام1959 :

” لقد جاء البعض وقالوا:ايها الزعيم ،لو انك تغنينا فى هذا الوقت وتأمر بتشكيل حزب يلتف حولك –فكان جوابى اليهم اننا فى عهد انتقال ،وان حزبى هو مجموع الشعب –واننا سائرون فى طريق الحرية و سائرون الى الحكم الديمقراطى الصحيح ولا يفرقنا فى الوقت الحالى اى مفرق ”

لقد كانت الوطنية العراقية والأخلاص للشعب والوطن والعمل من اجل تقدم البلاد وازدهاره هى المبادىء الأساسية للنهج السياسى للزعيم الخالد والمعيار الحقيقى لديه لتقييم العراقيين لا الأنتماء الحزبى او الطائفى .

.يقول الزعيم فى خطابه الانف الذكر : ” ايها العامل اذا اردت القضاء على الأستعمار فعليك الأشتغال ساعة اخرى من العمل—  اننا نعمل من اجل مستقبل زاهر، مستقبل افضل يؤمن الحرية والعيش الرغيد ليس لنا فحسب،انما للأجيال القادمة التى سوف تذكرنا بالخير.”

2- دور الصراع السياسى فى عرقلة خطط الزعيم :
يحلوللأحزاب والتيارات السياسية القومية واليسارية ،  التى دخلت فى صراع عنيف بعد فترة وجيزة من قيام ثورة 14 تموز المجيدة ان تلقى على الزعيم مسؤولية هذا الصراع ويتهمه البعض بأتباع سياسة التوازن بين القوى السياسية المتصارعة ، التى سمحت لقوى الثورة المضادة من القفز الى السلطة من القطار الأنكلو-امريكى وهذا تجنى واضح على الزعيم و تشويه لمواقفه المعلنة ذلك لأن الزعيم كان يناشد القوى المتصارعة وضع حد لهذا الصراع المدمر ووضع خلافاتهم جانبا من اجل حماية الثورة ومكتسبات الشعب العراقى فى تلك المرحلة الدقيقة من تأريخ العراق .

وفى خطابه المشار اليه فيما تقدم قال الزعيم:”  لقد اخذ الأجنبى والأستعمار يحاول تفريق صفوفنا وفت عضدنا ليتمكن من التغلب علينا ولكن هيهات فزمن التفرقة قد فات ،انه يحاول اليوم تفرقة الصفوف بالدعوة الى احزاب ضيقة و تكتلات محدودة،القصد منها ان يضرب الواحد منا الأخر ويكون الأستعمار فى موضع المتفرج علينا ،اننا سوف نلقمه حجرا وسوف نتغلب عليه ،اننا سوف نسد عليه هذا المنفذ —اننا فى عهد انتقال وقد صممنا ان نصون مكاسب ثورتنا مهما كلفنا الأمر ” .

وقال فى الكلمة التى القاها فى وفد علماء بغداد يوم  13  ايلول  عام 1958- ” ان الأجنبى يحاول ان يجد الثغرة بين صفوفنا لكى ينفذ منها ويحقق ماربه و غاياته للعمل على تفريقنا شيعا وجماعات تحاول كل منها ان تطعن الأخرى وتتهمها وهكذا يضعف الجميع ويحصل بذلك الأجنبى على مايريد علاوة على احداث البلبلة والفرقة وانشغالنا بأمور تعرقل وصولنا الى اهدافنا المنشودة ” .ولكن مناشدات الزعيم ذهبت ادراج الرياح.

ان اغتيال ثورة 14تموز لم تكن بسبب سياسة الزعيم الوطنية بل نتيجة لمؤامرة دولية متعددة الأطراف و كانت اولى صفحاتها تأجيج الصراعات الداخلية و نأليب القوى السياسية الواحدة منها ضد الأخرى وتجنيد العناصر البعثية و القومية المتطرفة للعب دور مخلب القط و من ثم الأنقضاض على الثورة بأسناد مباشر من مخابرات الدول التى تضررت مصالحها فى الصميم نتيجة لثورة 14 تموز المجيدة ، وبخاصة بعد صدور القانون رقم 80 وتتحمل الأحزاب المتناحرة الجزء الأكبر من المسؤلية فيما حصل وبخاصة حزب البعث الفاشى بشعاراته البراقة ومزايداته الرخيصة –التى اثبت الزمن زيفها حيث كان البعثيون اول المتنكرين لها بعد وصولهم الى السلطة– كما ان الخلاف الذى نشأ مع القيادة الكردية وما اعقبه من نزاع مسلح اسهم ايضا فى اضعاف حكومة الثورة وعوامل اخرى لا مجال للخوض فيها فى هذه العجالة..

كان الزعيم يريد فترة انتقال تتم فيها تهيئة الأجواء لأجراء انتخابات حرة و نزيهة ولكن الصراع الحزبى سمم الأجواء و عقدت الأمور و خلقت مشاكل لا تنتهى للزعيم واربكت جهوده وعرقلت خططه للأنتقال التدريجى الى الديمقراطية وعطلت خطط سن الدستور الدائم فى نهاية عام 1962واجراء الأنتخابات فى حزيران 1963ا وافتتاح المجلس الوطنى فى الذكرى الخامسة للثورة.

3-ثقافة التسامح السياسى والأجتماعى والثقافى :
ان المجتمع العراقى المتعدد الأعراق والأديان والمذاهب اتسم دائما بروح التسامح القومى والدينى ولم يعرف العراقيون فى حياتهم الأجتماعية اى نوع من انواع التمايز العرقى او المذهبى ولم تحدث فى تأريخ العراق الحديث اية مشاكل طائفية خطيرة ، كما يزعم بعض الأبواق الطائفية ،  ولكن لغة الأقصاء والألغاء وردود الفعل العنيفة المتقابلة التى ظهرت خلال الصراع الحزبى بعد ثورة 14تموز المجيدة ما زالت هى السائدة فى الحياة السياسية العراقية حتى يومنا هذا لأن الأحزاب العراقية لم تستخلص الدروس والعبر من تجارب الماضى المرير ، ولم تعترف بأخطائها بشكل كامل و صريح.

لقد ان الأوان لنبذ ثقافة العنف والتعصب الأيديولوجى والمذهبي  وبات من الضرورى احترام الرأى الأخر واللجوء الى اسلوب الحوار لحل القضايا والمشاكل بدلا من لغة العنف التى اغرقت البلاد فى الدم وعرقلت تقدمه وسببت الكوارث والنكبات لشعبنا المثخن بالجراح وما اجدرنا اليوم ان نسترشد بوصايا الزعيم فى اشاعة روح التسامح بين العراقيين ،حيث كان لايكل ولايمل من التأكيد على ضرورة التحلى بروح التسامح بين ابناء الشعب الواحد.منذ الأيام الأولى للثورة وظل يناشد الفرقاء المتناحرين على ابداء التسامح تجاه الأخرين حتى اخر يوم من حياته ، ولم يكن مصطلح (احترام الرأى الأخر) قد شاع فى الثقافة العربية بعد،وكما هو معروف فأن هذا المفهوم هو احد الأركان الأساسية للديمقراطية الليبرالية، وبذلك يثبت التأريخ ،ان الزعيم كان اكثر ديمقراطية من الأخرين ، وقد اسىء فهمه من قبل الجميع و تعرض خلال حياته و بعد اغتياله وطوال فترة حكم العفالقة الحاقدين الى حملة تشويه واسعة و منظمة، وينبغى التأكيد هنا ان معظم – ان لم يكن كل — ما كتب وقيل عنه وعن فترة حكمه ، انما يعكس وجهات نظر الأطراف المتصارعة .

رحل الزعيم ورحل معه اسراره واسرارالفرقاء المتناحرين و خفايا الفترة التى حكم فيها العراق.ونحن اليوم بأمس الحاجة الى اعادة النظر فى تأريخ هذه الفترة بروح موضوعية وحياد علمى والى قراءة جديدة لفكرالزعيم .

واننا اذ نحى اليوم ذكرى ثورة 14 تموز العظيمة ،  ننحنى اجلالاً لقائدها ، مؤسس الجمهورية العراقية ،  شهيد الوطن والشعب عبد الـكريم قاسـم .

 

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد الجديد 639 من الديمقراطي

صدور العدد الجديد (639) من جريدة الديمقراطي باللغتين العربية و الكردية. الافتتاحية : من المعلوم ...