ترودي روبن- عامودا، سوريا
من أجل العبور إلى المنطقة الكردية في سوريا عليك أن تستقل مركباً قديماً متهالكاً في فيشخابور في شمال إقليم كردستان العراق، بالقرب من الجزء النائي منه حيث يلتقي العراق وتركيا وسوريا. ثم تنتقل عبر نهر دجلة بمياهه ذات اللون المميز الذي يميل إلى مزيج من البني والرمادي وتنزل من المركب على ساحل صخري مقفر في سوريا. وعلى بعد بضع مئات من الأمتار، تصطف طوابير طويلة من الشاحنات وشاحنات الصهاريج التي تنقل النفط جيئة وذهاباً بين سوريا والعراق عبر جسرين عائمين مهلهلين هما شريان الحياة التجاري الوحيد بالنسبة للأكراد السوريين.
مرحباً بكم في منطقة ما يسمى «روج آفا» وشمال سوريا الفيدرالية المعلنة من جانب واحد، التي تمتد على الحدود مع تركيا ولا يعترف بها أي أحد. فهذه المنطقة، المتحالفة مع الأميركيين، والتي تتلقى المساعدة أيضاً من الروس، ويمقتها الأتراك، وهي على خلاف مع أبناء عمومتها في كردستان العراق، تُعتبر حالة ملفتة لتناقضاتها الكثيرة. ولكن منطقة «روج آفا» الصغيرة تلعب منذ بعض الوقت دوراً في القتال الدولي ضد تنظيم «داعش». ذلك أن وحدات حماية الشعب الكردية (التي تشكل النساء نصف أعضائها) نجحت في قتال «داعش»، وتبدي رغبة في القيام بذلك (في حين أن معظم المجموعات الأخرى التي حاولت الولايات المتحدة تدريبها كانت مهتمة أكثر بمقاتلة نظام بشار الأسد). ويبدي زعماء منطقة «روج آفا» استعداداً للعب دور أكبر من هذا إذا وُفرت لهم مساعدة أميركية أكبر -بل وحتى لاستعادة معقل «داعش» في الرقة من التنظيم المتطرف. فهل يستطيعون القيام بذلك؟ وهل يتعين على الولايات المتحدة أن تمدهم بمساعدة أكبر؟ وما الذي يحفزهم للقيام بذلك؟ في ما يلي بعض الأفكار بعد رحلة قمتُ بها مؤخراً إلى تلك المنطقة.
وفي «روج آفا» إذا قدت سيارتك من فيشخابور مروراً بالحقول المقفرة التي تنتشر عبر بعض أجزائها رافعات نفط صغيرة، ستصل إلى سلسلة من البلدات حيث تعلق ملصقات مقاتليها الذين سقطوا في ساحة القتال أعمدة الإنارة.
وفي كل بلدة من البلدات التي زرتُها، كانت هناك ملصقات كبيرة معلقة في كل دوار مروري وملتقى طرق عليها صورة عبدالله أوجلان، مؤسس التنظيم الكردي التركي «حزب العمال الكردستاني»، الذي يقبع الآن في سجن تركي. يذكر هنا أن الولايات المتحدة تَعتبر الحزب منظمة إرهابية، خلافاً لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي لا تعتبره كذلك. ويشدد أكراد منطقة «روج آفا» على أن تنظيمهم منفصل عن «حزب العمال الكردستاني»، وإن كانوا يتقاسمون معه قناعة قوية بإيديولوجية أوجلان، الذي يستشهد المسؤولون الأكراد هنا بأقواله باستمرار. وفي هذا السياق، قالت لي أمينة أوسي، وهي نائبة مدير الشؤون الخارجية في الحزب وواحدة من عدد من النساء اللاتي يشغلن مناصب قيادية في ما يسمى الحكومة الكردية: «إن حزب الاتحاد الديمقراطي لم يكن يوماً جزءاً من حزب العمال الكردستاني»، وأضافت قائلة: «هناك رابط واحد فقط وهو أفكار أوجلان وفلسفته». وكانت أفكار هذا الأخير تغيرت في التسعينيات من نسخة من الماركسية إلى تركيز على إقامة حكم ذاتي محلي. وقد ركز «أوبو» -مثلما يدعى أوجلان هنا- على الترويج لحقوق النساء، ويسعى المسؤولون الأكراد لتحقيق هذا الهدف. وبغض النظر عن علاقاتهم التاريخية مع نظرائهم الأتراك، فإن أكراد «روج آفا» ليسوا مهتمين بمقاتلة أنقرة، أو دمشق.
ومثلما يشير ردور خليل، المتحدث باسم المليشيات الكردية، فإن الأكراد السوريين لم يسبق لهم أن هاجموا الجنود الأتراك على حدودهم الطويلة، حتى في الوقت الذي كان فيه النزاع محتدماً بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. وفي المقابل، يركز هؤلاء الأكراد بشكل كبير على جبهتين، كل منهما مهمة بالنسبة لجهود السياسة الأميركية في المنطقة.
يزعم الأكراد أنهم يريدون إنشاء نظام فيدرالي داخل سوريا. وتقول «أوسي» إن حزبها يرى إمكانية لقيام خمس ولايات فيدرالية داخل البلاد: الأولى هي «روج آفا» وشمال سوريا، بما في ذلك الرقة إذا ما تم تحريرها (من أجل ضمان عدم عودة «داعش» إليها). أما الولايات الأربع الأخرى، فهي جبل الدروز، واللاذقية التي تُعتبر معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، والمنطقة السنية الرئيسية التي تشمل حماه وحمص، والعاصمة دمشق. ويحلم ألدار خليل بـ«اتحاد شرق أوسطي، على غرار الاتحاد الأوروبي»، تربط فيه بين المناطق الكردية الفيدرالية في تركيا وسوريا والعراق علاقات قوية. ويضيف قائلًا: «كلا، إننا لا نريد كردستاناً واحداً كبيرا». ولكن هذه الأفكار تثير قلق وتوجس تركيا، التي تخشى أن تشجّع حالة «روج آفا» أكرادها على أن يحذوا حذو جيرانهم. وقد عمد الأتراك إلى إغلاق حدودهم مع منطقة «روج آفا». بيد أن فكرة الفيدرالية باعتبارها ترياقاً لمنع انهيار بعض دول الشرق الأوسط باتت تناقش عبر المنطقة. وقد تمثّل هذه الصيغ الأمل الوحيد إذا ما أصبحت مفاوضات السلام جادة. بيد أن الأكراد السوريين لم يتلقوا دعوة للمشاركة في مفاوضات السلام في جنيف لأن الأتراك يعارضون ذلك.
أما الهدف الثاني للأكراد السوريين، فهو التخلص من تنظيم «داعش». وتقول «أوسي» في هذا الصدد: «إن الأكراد هم الوحيدون الذين أوقفوا داعش في سوريا». فبدعم جوي أميركي وتنسيق مع 50 من أفراد القوات الخاصة الأميركية، تمكن الأكراد من استرجاع قطاعات من المناطق السورية والبلدات الاستراتيجية مثل الشدادي. كما شكّلوا قوة مشتركة مع العرب السنة لاستعادة المناطق العربية. ويقول خليل: «نعتقد أن علينا أن نحقق مزيداً من التقدم في العلاقات مع الولايات المتحدة». وعلى طاولة القهوة الصغيرة التي كانت أمامه كان هناك نحو عشرين جواز سفر من روسيا وكازاخستان وليبيا وتونس، عثر عليها في حوزة مقاتلين تابعين لـ«داعش» قُتلوا في معارك مؤخراً. خليل قال إن المساعدة الروسية للأكراد السوريين التي كُتب وقيل عنها الكثير -توجيه ضربات لتنظيمات من المعارضة كانت تقصف بلداتهم- لم تكن أبداً «على نفس مستوى» تعاونهم مع الأميركيين. ويرى أن الروس تدخلوا فقط من أجل إزعاج وإغاظة تركيا، التي كانت قد أسقطت للتو طائرة روسية. وأضاف خليل أنه تلبية لطلب أميركي بهدف تهدئة أنقرة، قام الأكراد السوريون بـ«تعليق» جهودهم الرامية لتمديد منطقتهم المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها على طول الحدود التركية.
* كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»