صدرت عن مركز الأبحاث التاريخية (جميل روزبياني) بمدينة السليمانية في (16/3/2016)، ، وعلى نفقة الدكتور (طه رسول)، الطبعة الأولى من كتاب (الحركة الكردية في سوريا وظاهرة الانشقاقات)، لكاتبه علي شمدين، يتألف الكتاب من (385) صفحة من القطع الكبير، موزعة على ثمانية فصول، فضلاً عن مقدمة كتبها الأستاذ حميد درويس (أحد أبرز مؤسسي الحركة الكردية في سوريا)، وملاحق ووثائق وصور والمخططات التوضيحية، وقائمة بأسماء المراجع والمصادر والمقالات التي اعتمد عليها الباحث في بحدثة. يتناول الكتاب ظاهرة الإنشقاقات على مدى قرن من الزمن (1916- 2016)، انطلاقاً من البدايات التي ترافقت مع الافرازات التي افرزتها اتفاقية سايكس بيكو (1916)، وإلحاق جزء من كردستان بالدولة السورية الحديثة، وانتقال نخبة من المثقفين والسياسيين الكرد إلى سوريا وخاصة بعد انهيار ثورة شيخ سعيد بيران، والذين لعبوا الدور الأبرز في ظل حكومة الانتداب في التأسيس لنهضة ثقافية كردية في سوريا ، والتي شكلت بعد إنجاز الاستقلال وتوالي الإنقلابات العسكرية، وبروز الفكر الشوفيني العربي المتمثل في طليعته حزب (البعث)، الحاضنة الأساسية لتأسيس أول تنظيم سياسي كوردي في سوريا خلال صيف (1956) ، ليستقطب هذا الحزب الوليد حوله أوسع القطاعات الجماهيرية الكردية ومن مختلف تواجدها وبمختلف توجهاتها وانتماءاتها، تجمعها شعورها القومي المشترك في مواجهة الظلم والقمع والاضطهاد، هذا الشعور الذي شكل الخميرة التي شرائح اجتماعية واسعة في هيكل تنظيمي بني على عجل.
كما يتناول الكتاب المشاكل والخلافات التي برزت يوماً بعد يوم داخل صفوف الحزب وبين أعضاء قيادته، هذه الخلافات التي تعمقت أكثر بعد إعلان حكومة الوحدة عن قرارها بحل الأحزاب السياسية والذي رفضه البارتي (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)، الأمر الذي دفع بالنظام آنذاك إلى تشديد الخناق على منظماته وكوادره ومؤيده، وأرغمتها للإنتقال إلى النضال السري، فتتوجت تلك السياسة في (1960) بشن حملة واسعة وشرسة من الاعتقالات والملاحقات والسجن شملت رئيس الحزب نور الدين زازا وعدد من قيادات الحزب في مقدمتهم أوصمان صبري، لتظهر تلك الخلافات دفعة واحدة أمام المحكمة بين رموز الحزب، حيث انقسمت القيادة في رأيها بين عضو المكتب السياسي أوصمان صبري ورئيس الحزب نور الدين زازا، ولم يلتأم هذا الإنقسام حتى بعد خروج القيادة من السجن، وإنما كان من أبرز نتائجها تصفية نور الدين زازا وطرد هذه الشخصية الكارزمية البارزة لتنفتح الأبواب واسعة أمام الانتهازيين والمتسللين والمتسلقين الذين كانوا قد اخذوا أماكنهم ضمن صفوف الحزب خلال فترة الخلافات، وبدأت الكتل والجماعات تنتعش وتتبلور علناً، وأصبحت المهاترات والأضاليل هي لغة الحوار اليتيمية بين المتنافسين، حتى أخذت تلك الخلافات شكلها النهائي عام (1965) ، في الإعلان عن أول إنشقاق في تاريخ الحركة الكردية في سوريا، بإسم اليسار وشعاراته الماركسية اللينينية. ويتطرق الكتاب أيضاً إلى المحاولات الساعية إلى إعادة توحيد شقي الحزب، والتي بائت كلها بالفشل، كان آخرها المحاولة التي تمت في ناوبردان عام (1970) برعاية قائد الثورة الكردية (الملا مصطفى البارزاني)، هذه المحاولة التي لم تنجح هي الأخرى في توحيد شقي الحزب، وإنما أنتجت في المحصلة عن حزب ثالث عام (1972)، لتضم الساحة الكردية منذ ذاك الحين ثلاثة تيارات رئيسية سميت تجاوزاً بـ (اليسار، الحياد، اليمين)، وهي على التوالي: (الحزب اليساري الديمقراطي الكردي في سوريا/ صلاح بدرالدين)، و(الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا- البارتي/ دهام ميرو)، و (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا/ عبد الحميد درويش)، لتبدأ آفة الانشقاقات وخاصة بعد إنهيار الثورة الكردية في كردستان العراق، وإن بشكل نسبي بين تيار وآخر بالعمل في تفتيت تلك التيارات وتشتيت صفوفها الى درجة إن أحد هذه التيارات آل إلى الإنقراض من الساحة السياسية بشكل كلي وهو الذي كان يقوده صلاح بدرالدين، فوصلت الحركة الكردية في سوريا إلى هذا الكم الهائل والمخييب للآمال من الأحزاب والجماعات والشلل المتشابهة بمسمياتها وشعاراتها وتركيبها الطبقي، لتغرق بسببها الساحة الكردية في دوامة المهاترات ونفق الصراعات الحزبية الضيقة والانانيات الشخصية، موفرة بذلك الأرضية المناسبة لتدخل عوامل خارجية أمنية وكردستانية وغيرها لتفعل فعلها التدميري بشكل سهل وميسور كما تنبأ به ضابط الامن السوري محمد طلب هلال. يفرد الكتاب فصلا كاملاً للوقوف على الشعارات الخلافية (الطبقية، القومية، الوطنية)، التي انجزت في ظلها كل هذا الكم المرعب من الانشقاقات المفتعلة، كموضوع اليسار واليمين والإلتزام بالماركسية اللينينية والتبعية لنهج البرزاني كرمز قومي من دون منازع في الساحة الكردية آنذاك، ومسألة التوازن بين البعدين القومي والوطني وغيرها، كما يحلل أيضاً بعض القضايا الإشكالية خلال مرحلة تأسيس أول حزب كردي في سوريا وما بعدها، والتي جعل منها البعض ذريعة لزج الرأي العام الكري في الصراع العقيم حولها وإشغالها عن قضيتها الأساسية، كموضوع تاريخ تأسيس البارتي واعضاء الهيئة المؤسسة وإسم الحزب وشعار تحرير وتوحيد كردستان، وحقيقة الخلافات أمام قاضي التحقيق في السجن وسواها، ويعرض الكتاب أيضا الكثير من المفارقات والتناقضات
المثيرة للاستغراب والاشمئزاز والتي اتخذها البعض غطاء لإدارة حملة شرسة من المهاترات والأضاليل حتى وقت قريب. هذا وقد توقف الكتاب مطولاً على ظاهرة الانشقاقات والثورة السورية، وكيف إنها لعبت فعلها الخطير في إجهاض هذه الفرصة التاريخية التي وفرتها الثورة السورية للكرد لنيل حقوقه والتمتع بكرامته وحريته، وكيف ان هذه الانشقاقات الهت الحركة الكردية في سوريا عن مهمتها الاساسية واغرقتها في صراعات عقيمة لم تتمكن بسببها حتى اللحظة من تحقيق وحدة خطابها وصفها في مواجهة هذه التطورات والمتغيرات الدراماتيكية الخطيرة، وقد خرج الكتاب في الأخير بتشخيص دقيق للأسباب التي يعتقد الكاتب بأنها كانت وراء هذه الآفة الفتاكة التي فككت بنية الحركة الكردية في سوريا واهدرت ذخيرة نضالها خلال مايزيد على نصف قرن من الزمن في الخلافات والصراعات والمهاترات التي لم تصب الماء مع الأسف إلاّ في طاحونة خصوم الشعب الكردي وأعدائه، وكذلك قام بتدوين النتائج والدروس والعبر التي استخلصها من هذا البحث الذي يتناول أخطر ظاهرة في تاريخ الحركة الكردية في سوريا وآفاق الخلاص منها. ألحق بالكتاب عدد من الوثائق والصور والمخططات الهامة التي يحتاجها البحث ويعتمد عليه في تعزيز مصداقيته، كما الحق به قائمة بأسماء المراجع والمصادر والمقالات التي أحيلت إليها النقاشات والمقارنات، وهي بمعظمها تعود للشهود الذين عاصروا تلك الأحداث أو ممن كانوا ضالعين في إثارتها وتأجيجها، ولم يخفي الكاتب انتمائه إلى أحد أهم تلك المحاور الثلاثة، ولكنه أصر على ان لايخضع دراسته لتوجهه السياسي وإنما ألح على الإحتكام لوثائق الأطراف والجهات الأخرى المقابلة وشهاداتهم ليس إلاّ. يبدأ الكتاب بمقدمة كتبها الأستاذعبد ال حميد درويش كأحد المؤسسين الأوائل، وأبرز الشخصيات السياسية الكردية في سوريا وأشدها كاريزمية جماهيرية في الوسطين القومي والوطني السوري، والذي لم يتردد في تقديم العون والمشورة للكاتب في انجاز هذا البحث، والذي استحق منه أن يهدي إليه بتاريخ (17/3/2016)، أول نسخة من هذا الكتاب، تقديراً لدوره وتكريما لنضاله.