السليمانية: معد فياض
الشرق الاوسط
استطاع الدكتور برهم صالح، نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، أن ينتزع فتيل القنبلة التي كاد يفجرها بعض من أنصار أو قيادات الاتحاد في مدينة السليمانية، وربما تمتد حرائقها إلى أربيل، بسبب خسارة حزبه في الانتخابات الكردستانية الأخيرة (حصل على 18 مقعدا)، أمام تقدم حركة التغيير التي انشقت عن الاتحاد (حصلت على 24 مقعدا). فالرسالة التي أصدرها صالح عشية الإعلان الأولي عن نتائج الاقتراع، والتي اعترف فيها «بالخسارة القاسية» لحزبه، معتبرا ذلك حافزا للانطلاق مجددا بمسيرة الاتحاد، عبرت عن حكمة سياسية نادرا ما يتمتع بها سياسي عراقي. تلك الرسالة التي اعتبرت بيانا سياسيا مهما من قبل الفعاليات السياسية والحكومية محليا وعراقيا وعربيا، بل تجاوزت أصداؤها دوليا.
ومنذ أن سلم السلطة بسلاسة ومحبة لسلفه نيجيرفان بارزاني كرئيس لحكومة إقليم كردستان قبل عامين، بعد أن قدم الكثير من الإنجازات المعمارية والاقتصادية والعلمية والثقافية للإقليم، وصالح حاضر بصمت في المشهد السياسي الكردي خاصة والعراقي عامة.. وهو يقود اليوم حراكا سياسيا مع كوادر وقواعد الاتحاد الوطني في ظل غياب زعيمه الرئيس العراقي جلال طالباني من أجل أن «يستعيد الحزب مكانته كحزب للمستقبل وليس حزبا لإنجازات الماضي».
وفي أول حوار مطول لصحيفة عربية، منذ أكثر من عامين، تحدث صالح، وبصراحة ووضوح، لـ«الشرق الأوسط» عن وضع حزبه والخلافات التي تسود قياداته، وعن أهمية «وجود قيادة منسجمة تؤمن بالإصلاح السياسي في الاتحاد»، وهو القيادي الأكثر جرأة وقدرة بين قيادات حزبه على تشخيص مواقع الخلل وضرورة تجاوزها، متطرقا لأوضاع كردستان والعراق عامة وتفاعلات الأوضاع في سوريا. وفي ما يلي نص الحوار:
* وصفتم خسارة حزبكم الاتحاد الوطني الكردستاني في انتخابات برلمان إقليم كردستان بالقاسية.. ترى ما مدى قسوتها عليكم؟
– نعم إنها قاسية.. الاتحاد الوطني الكردستاني كان يتمتع بثقل سياسي متميز في المعادلة الكردية على مدى 35 سنة، منذ تأسيس الاتحاد وحتى اليوم، وهذه النتيجة كانت مخيبة للآمال، وربما غير متوقعة عند البعض، لكن الذين رأوا مشاكل الاتحاد وانعكاسها على الرأي العام، ورصدوا تطلعات الرأي العام الكردي، ربما وجدوا أن هذه النتائج كانت مقاربة لتقييمهم، وهي رسالة بليغة لنا في قيادة الاتحاد لإعادة النظر في سياساتنا وأسلوب عمل القيادة والتعاطي مع استحقاقات الإصلاح السياسي والحكومي كي يعود الاتحاد كما كان، قوة ذات إرادة وذات قدرة على التجديد، ومتصدرا لمشاريع الإصلاح والإعمار، لا أن يكون تابعا ومدافعا عن الظواهر السلبية التي باتت مبعث تشكي المواطن الكردي.
* ألم تشخصوا أخطاء ومشاكل الاتحاد منذ الدورة الانتخابية الماضية وحتى الحالية؟
– الاتحاد الوطني حزب حيوي، وتجري سجالات ونقاشات داخل صفوف كوادره، فهناك رؤى متباينة حول أوضاعنا الداخلية وعن كيفية التعاطي مع استحقاقات المرحلة. هناك الكثير والكثير من الإنجازات في كردستان من التنمية والإعمار وتطور عملية البناء الديمقراطي، والاتحاد الوطني له نصيب كبير من هذه الإنجازات ونعتز بدورنا في تحقيقها، لكن في المقابل هناك من الإخفاقات ما لا يمكن تجاهلها. كان الاتحاد الوطني دوما حزبا منفتحا على التجديد والإصلاحات ورافضا المحسوبية ومظاهر الفساد والتسلط، لكن هناك من يرى أن أداءنا خلال الفترة الماضية لم يكن متوافقا مع هذه الشعارات والتطلعات، والناخب الكردي أراد أن يبلغنا بأنه غير راض عما يراه ويلمسه من تصرفات وإجراءات ويريد منا أن نراجع أنفسنا، وهذا هو جوهر العملية الديمقراطية، فالانتخابات هي محطة الاحتكام إلى رأي الناس، والحزب الحيوي الذي يهمه المستقبل يجب أن يقدر بدقة رسالة الناخب ويتفاعل معها وأن يعيد النظر في سياساته وأسلوب إدارته.
* لكن التبريرات والتصريحات التي طفت على السطح تتحدث عن خلافات داخل قيادة حزبكم، وهي التي أدت إلى هذه النتيجة في الانتخابات..
– يقينا هناك خلافات داخل القيادة، ربما قسم منها شخصي، وربما تندرج تحت عنوان صراع المصالح والمواقع، ولكن أيضا هناك تباين في وجهات النظر حول آفاق الوضع السياسي وطبيعة الحزب ودوره في المجتمع، وهذا طبيعي في حزب حيوي كالاتحاد. الاتحاد الوطني الكردستاني هو فصيل أساسي للمقاومة الكردية، ونعتز بدورنا الريادي في تأسيس هذا الكيان في إقليم كردستان مع حلفائنا في الحزب الديمقراطي الكردستاني وبقية الفصائل الوطنية. وهذه المسيرة لم تكن سهلة بل تطلبت تضحيات جساما. واليوم وبعد أكثر من 22 سنة من تأسيس حكومة الإقليم هناك استحقاق وطني لإصلاحات بنيوية سياسية وإدارية واقتصادية. فضلا عن ذلك فإن المجتمع الكردي هو مجتمع شبابي، أكثر من 70 في المائة هم دون 30 عاما، فلا يمكن التعاطي مع هذا التغيير المجتمعي بنفس الشعارات والوجوه والأطر القديمة. وهذا المجتمع في حراك اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي ويتفاعل مع متغيرات المنطقة والعالم، والحزب الحي الذي يتطلع إلى المستقبل يجب أن يقرأ هذه الخريطة جيدا. تطلعات شعبنا لا يمكن أن تستند إلى ما تحقق في الماضي فحسب بل ما نريده للمستقبل. المواطن، مع كل الاحترام لماضي النضال والمقاومة والإنجاز، يريد منا أن نطمئنه على ما ننويه للمستقبل. ربما يمكن تلخيص الصراعات والسجالات سواء في الاتحاد أو أي حزب آخر يمر بمثل ما يمر به حزبنا، في مسألة هل نكون حزب المآثر الماضية أم حزب مستقبل واعد؟ هل نكون حزب مصالح فئة قليلة مستأثرة بمقدرات الناس ومتحكمة في موارد البلاد، أم حزب مشروع خادم للمصلحة العامة وضامن لمستقبل أفضل من اليوم. وما سمعناه من الناخب الكردي هو رسالة عتب ورسالة انتقاد، وهو يريد منا تطمينات جدية تؤكد أننا حريصون على المصلحة العامة ومستقبل البلد كما كنا حريصين على تحقيق ما تحقق من إنجازات في الماضي.
* في المؤتمر العام للاتحاد الوطني الذي عقد قبل أربع سنوات كانت هناك تأكيدات على أهمية دور الشباب في قيادة الحزب، ومع ذلك لم يصل الشباب إلى القيادات العليا؟
– القضية هي ليست وجود الوجوه الشبابية فحسب، بل يجب اتباع السياسات المستندة إلى الشرعية والشفافية والتجديد. فلا يمكن إدامة الأطر الحزبية القائمة على استخدام الموارد العامة وتسخيرها لخدمة مصالحها الفئوية. فالحزب في هذا الزمن لم يعد مقبولا أن يتحول إلى عصبية هادفة إلى الاستئثار بمقادير الناس وحياتهم. الحزب الناجح هو الحزب الذي يكون صاحب مشروع ضامن لحقوق الناس. يقينا الإصلاحات ليست سهلة وتصطدم بمصالح ليست قليلة. كما تتذكر، أنا تسلمت مسؤولية رئاسة حكومة إقليم كردستان لعامين، ما بين 2009 و2011، وأقدمنا على إجراءات إصلاحية واصطدمنا بالكثير من العراقيل ومكامن المصالح التي لم ترد لهذه الإصلاحات أن تتحقق وتستمر.
* تعني التحفظات كانت من داخل حزبكم؟
– نعم من داخل حزبنا وأيضا من قبل قوى أخرى.. المشكلة تكمن في تعريف دور الحزب في المجتمع، ففي الماضي، وربما حتى خلال التسعينات إبان الاقتتال الداخلي، كان الحزب هو الحاكم في كل مفاصل الحياة العامة. واليوم لم يعد مقبولا أن يتدخل الحزب في كل مفاصل الحياة السياسية والحكومية والتربوية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في هذه البلاد. إنصافا أقول إن الرئيس جلال طالباني كان قد قدم مشروعا طموحا لتنظيم العلاقة بين الحزب والحكومة، حاولنا تطبيقه لكننا مرة أخرى اصطدمنا بالكثير من العوائق. الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي تحالفا ضمن اتفاقية استراتيجية حين كان الطرفان يتمتعان بـ85 في المائة من أصوات الناخبين في الإقليم، واليوم لا يتجاوز مستوى تأييد الطرفين 56 في المائة، فكيف لنا أن نستبعد المواطن الكردي المستقل أو المنتمي لأحزاب أو اتجاهات أخرى من مناصب إدارية بدءا من مدير المدرسة صعودا إلى أي منصب آخر؟ هناك سبب آخر، هو أن الاتحاد الوطني الكردستاني مربوط بهذه السجالات السياسية التي تحدثنا عنها، وانشقاق قيادات كبيرة في الحزب خلال الفترة الماضية كان له تأثيرها الكبير علينا.
* تقصدون نوشيروان مصطفى وتأسيس حركة التغيير (كوران)؟
– نوشيروان مصطفى وقيادات أخرى مهمة في حركة التغيير كانت مؤثرة في الاتحاد الوطني الكردستاني، هذا الانشقاق أثر علينا وعلى أوضاع الاتحاد الوطني الكردستاني، وأثر على جمهورنا وخلق حالة إرباك في ترتيب وضع البيت الكردي والبيت الاتحادي في ضوء تلك المتغيرات، وتعريف العلاقة بيننا وبين حركة التغيير سيكون من الاستحقاقات المهمة في المرحلة المقبلة.
* لكن انشقاق مصطفى وتشكيل حركة التغيير، ألم يكن جرس إنذار لكم كحزب لإعادة النظر في سياساتكم وإجراء الإصلاحات المطلوبة؟
– نعم كان جرس إنذار، لكن مع الأسف لم يجر التعامل مع هذا الخلاف من الطرفين بطريقة مناسبة وعقلانية، ونحن الطرفين المعنيين بالأمر الآن مطالبان بإعادة النظر في هذه العلاقة وتعريفها وفق أسس صحيحة. وأملي أن نعود من حالة التوتر التي سادت العلاقات بين الطرفين في الفترة الماضية.. أملي أن يكون هناك حوار هادئ وعقلاني لإعادة ترتيب أوضاعنا وضمن مشروع طموح أدعو إليه ألا وهو إعادة ترتيب أوضاع البيت الكردي. الانتخابات الكردستانية الأخيرة كانت تتضمن رسالة مهمة ليس فقط للاتحاد الوطني الكردستاني وإنما هناك خارطة سياسية جديدة في إقليم كردستان ويجب أن تُقرأ بدقة وأن نستوعبها ونحترم إرادة الناخب ومن كل الأطراف، وأن نفهم ملاح هذه الخارطة الجديدة. إقليم كردستان العراق يعيش حالة استقرار كبيرة والحمد لله، حالة إعمار وبناء وتنمية لافتة للنظر، لكن علينا ألا ننسى أننا نعيش في بيئة خطيرة مليئة بالتحديات، وتستوجب إعادة ترتيب البيت الكردي التفاهم والتعاون بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فهذا التفاهم والتحالف ضرورة حيوية لإقليم كردستان واستقراره ومستقبله.. هذا التحالف خدم الشعب الكردي وساعدنا على تجاوز مرحلة الاقتتال الداخلي والانطلاق لتحقيق هذه الإنجازات. ولكن في ضوء الخارطة السياسية الجديدة وفي ضوء رأي الناخب الكردي الذي يجب أن نحترمه، أرى أنه لا تكفي هذه العلاقة (بين الحزبين)، فهناك أطراف أخرى مؤثرة في الساحة الكردية ومنها حركة التغيير والأطراف الأخرى التي كسبت الانتخابات الأخيرة، ويجب أن نتعاون ونتكاتف داخل البيت الكردي لإعادة ترتيب أوضاعه وترتيب أولوياتنا بالتفاهم والانطلاق إلى ما ينتظرنا من آفاق واسعة في الإقليم.
* تحدثتم عن الخارطة السياسية الجديدة في إقليم كردستان، ترى من فرض هذه الخارطة السياسية الناخب أم الأحزاب السياسية أم جهات خارجية؟
– لا شك أن هناك عوامل كثيرة تتفاعل في العملية السياسية، وفي اعتقادي أن هذه النتائج جاءت وإلى حد كبير تعبيرا عن إرادة الناخب الكردي. الانتخابات وبالرغم مما تخللها في بعض المواضع من توترات فإنها كانت انتخابات بهيجة، وكانت بمثابة عرس ديمقراطي، حيث اختلفنا في ما بيننا كسياسيين بقوة وتبارى المتبارون وتنافس المتنافسون والكل كان يدلي بما في جعبته، وكل حزب فرح بما عنده. ولنا أن نعتز بتجربتنا الديمقراطية التي أعتبرها ناجحة في عموم المنطقة وليس في العراق فحسب، ولنا أن نعتز أيضا بمشاركة الاتحاد الوطني الكردستاني في هذه الانتخابات وتقبلنا النتيجة على الرغم من قسوتها علينا.
* أنت شخصيا كبرهم صالح من تقبل النتيجة بروح شجاعة، وأنت من أصدر بيانا مهما اعترفتم فيه بخسارتكم وتقبلتموها، وخفف هذا البيان الكثير من التوتر، لكن آخرين في حزبكم لم يعترفوا بالهزيمة بل حاولوا إلغاء الآخر خاصة حركة التغيير؟
– الموقف الرسمي للاتحاد الوطني الكردستاني هو احترام إرادة الناخبين.. قد تكون هناك أطراف وجهات لا تعبر عن هذا الموقف ولا أستبعد ذلك، لكن الناخب الكردي خرج إلى مراكز الاقتراع وأدلى بصوته ولا بد لنا من احترام إرادته.
* ما مدى تأثير غياب الرئيس العراقي جلال طالباني، الأمين العام لحزبكم، على نتائج الانتخابات؟
– لا شك أن غياب الرئيس طالباني كان له تأثير كبير. مام جلال كان دوما صمام أمان للوضع العراقي والكردستاني. وهو شخصية تاريخية مؤثرة بكل معنى الكلمة، ولا ننسى أنه مؤسس الاتحاد الوطني وزعيمه، وبالنسبة لي شخصيا يعني الكثير فهو شخصية أبوية ودعمني في الكثير من المحطات السياسية، وأنا أقدر له ذلك كثيرا.. وغيابه ترك فراغا كبيرا، وآمل له الشفاء العاجل والعودة سالما.
* ما مدى تأثير هذا الغياب على نتائج الانتخابات؟
– لا شك أن غيابه أثر كثيرا، فالناس ينظرون لأداء قيادة الاتحاد في ظل غياب مام جلال ويتوقعون منها الكثير.
* ماذا عن تصوراتكم عن خلافة الرئيس طالباني؟
– الرئيس طالباني له من الاعتبار السياسي والمعنوي ما يجعلنا ننتظر رجوعه سالما معافى إن شاء الله، والحديث عن خلافته غير لائق.
* وماذا عن انسحابكم وغيابكم عن الميدان السياسي؟
– هذا غير صحيح.. أنا لم أنسحب من العمل السياسي، بل كانت لدي تحفظات صريحة وواضحة وداخل أجهزتنا الحزبية عن الانتخابات وعن سياق عملنا وتوجهاتنا، وتكلمت في ذلك بصراحة وبوضوح وبتحديد قبل الانتخابات، لكن غالبية القيادات ارتأوا هذا التوجه وهذه القائمة وهذه الشعارات، ومع هذا لم أتردد في الالتزام بواجباتي الحزبية.
* عدم وجود اسمكم ضمن المرشحين للانتخابات أثار الأسئلة والشكوك في أنكم خرجتم من قيادة الاتحاد؟
– لا لم أخرج من القيادة، لكن كانت لدي تحفظات واضحة وصريحة داخل بيت الاتحاد عن سياقات عملنا. أنا أعمل بجد ومثابرة مع كوادر في الاتحاد لإعادته حزبا يستمد مشروعه السياسي من خدمة المصلحة العامة. وأنا لست وحيدا في هذا الاتجاه بل هناك الكثير من المخلصين، حيث نرى في الاتحاد الوطني الكردستاني تاريخا نضاليا زاهرا، وأرى أنه يمتلك مقومات النهوض. خسارتنا في الانتخابات كبوة لا أستخف بها، لكنني انظر إلى كوادر وقواعد الاتحاد وإلى جماهيره فأرى فيهم الكثير من مقومات النجاح. الغائب الآن في الاتحاد هو قيادة منسجمة متابعة لمشروع الإصلاح السياسي والحكومي. أنا أقول هذا تحد كبير لكنه ليس بعيد المنال ويمكن تحقيقه إن توافرت الإرادة السياسية الحقيقية.
* هل تعتقد أن ذلك سيتحقق بهذه الوجوه في القيادة؟
– أنا قلت قيادة منسجمة مؤمنة بالإصلاح.
* وماذا عن الفساد في الحزب؟
– الفساد خطير، وهناك مشاكل حقيقية تصيب جسد الحكم الكردي والجسم السياسي في كردستان وفي الاتحاد الوطني الكردستاني.. الناس غير راضين عما يجري، والحزب الذي يريد أن يكون حزب المستقبل يجب أن يتصدر عملية الإصلاح الاقتصادي ويتصدى لمحاربة الفساد والمحسوبية بصورة جادة لتحقيق ما يصبو إليه الناس من حكم شفاف مستند إلى الشرعية الديمقراطية.
* أحد مبررات الناخب الكردي في عدم التصويت للاتحاد الوطني أنه اختار أحزابا فيها قيادات واضحة، يعرف لمن يسلم مصيره، الاتحاد الوطني زعيمه التاريخي طالباني غائب وهناك قيادة ثلاثية (كوسرت رسول وبرهم صالح وهيرو إبراهيم أحمد) تسود بينها الخلافات..
– في غياب الرئيس طالباني الذي نأمل عودته سالما، الناس بحاجة إلى قيادة منسجمة مؤمنة بنهج الإصلاح السياسي والإداري، قيادة مقبولة من الناس. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الناس، وأن نفهم الرسالة التي وجهها لنا الناخب الكردي. واللبيب تكفيه الإشارة.
* في انسحاب حزبكم من قائمة التحالف الكردستاني التي جمعتكم مع الحزب الديمقراطي الكردستاني كان هناك مبرر من بعض قيادات الاتحاد وهو «اننا نريد معرفة حجمنا».. ما تعليقكم؟
– هذا كان مطلبا من قواعد الاتحاد، وأنا شخصيا اعتبرته رأيا صحيحا ودعمته. نعم النتيجة جاءت مخيبة للآمال، لكن هذه النتيجة هي أفضل من أن نكون محتمين بتحالفات تخفي عنا مشاكلنا وتخفي عنا حجمنا الحقيقي. لنتعلم من هذا الدرس ونستوعبه ونصلح أمرنا وننطلق، فخسارة انتخابات لا تعني النهاية بالضرورة. أنا من المؤمنين بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وهذا ما تقتضيه المرحلة، وقد حققنا معا الكثير، لكن الاحتماء بهذا التحالف لطمس ما عندنا من مشاكل هو أمر غير مقبول. وإذا كان هذا التحالف يعني أن نسلط أنفسنا على الناخبين على الرغم من إرادتهم فهذه ليست ديمقراطية وغير مقبولة. الحمد لله أن الشعب الكردي بلغ درجة من النهوض والوعي وهو يريد أن يتعامل مع هذه القوى بناء على ما تقدمه من برامج وطروحات، وبناء على ما تقدمه من وجوه، والناخب هو من يقرر، وهذا نستطيع أن نديمه ونعززه لإقليم كردستان ليكون نموذجا لأنحاء العراق والمنطقة إن شاء الله.
* هناك من كوادر ومن قيادات الاتحاد من يتحدث عنكم باعتباركم سوف تتصدون لقيادة حزبكم لا سيما أنك نائب الأمين العام.. ما رأيكم؟
– هذا الموضوع ليس مطروحا حاليا، نحن نفكر الآن ونعمل من أجل عقد المؤتمر العام للاتحاد في نهاية الشهر الأول من العام المقبل، والذي نعقد عليه أهمية كبيرة، حيث سيكون، هذا المؤتمر، فرصة لإعادة مسيرة الاتحاد إلى موقعه الحقيقي وإلى مبادئه الأساسية. وإن نجحنا في ذلك، وسننجح إن شاء الله، فستكون هذه مرحلة سياسية جديدة من حياة ومسيرة الاتحاد الوطني الكردستاني. أقول بدقة ووضوح إن الاتحاد الوطني الكردستاني بحاجة إلى إصلاح بنيوي شامل يمكنه من التجاوب مع استحقاقات التغيير الاجتماعي واستحقاقات الإصلاح السياسي في كردستان العراق، وهذه الإصلاحات تتطلب وجود قيادة منسجمة ومقبولة عند الناس، وهذا متروك لمؤتمرنا ولقواعدنا ضمن السياقات الديمقراطية.
* هل ستغير نتيجة الانتخابات موقع حزبكم في بغداد؟
– شئنا أم أبينا، لا بد من أن تؤثر هذه النتيجة. أنا أرفض المقولات التي تتحدث عن أن عدد المقاعد البرلمانية لا يؤثر، بل يؤثر ويغير وأكثر من هذا. نعم للاتحاد مكانة تاريخية ونضالية ووجدانية عند الأكراد خاصة، وربما عند العراقيين عامة أيضا، لكن في النهاية قوتنا مستمدة من آراء الناس. نعم عدد الأصوات وعدد المقاعد مهم ومؤثر، لكن إذا شعر الناس بأننا استوعبنا رسالتهم ومنطلقون نحو الإصلاح لاستعادة مكانتنا الطبيعية، فإن التأثير سيكون أقل. الاتحاد في مفترق طرق، إما أن تقود قيادة منسجمة الحزب وتمضي بمشروع إصلاحي، أو، لا سامح الله…. لكن في تقديري أن الاتحاد حزب حيوي وفيه الكثير من الكفاءات التي تمكننا من النهوض إذا توفرت الإرادة السياسية.
* هل ما مر به الاتحاد هو جزء من الحالة العراقية ككل؟
– لا أستطيع أن أقول ذلك، لأن الوضع الكردي له خصوصياته، ولا شك أن أوضاع العراق عامة لها تأثيرها، لكن في هذه الانتخابات ونتائجها فإن الأوضاع العراقية لم تطغ على ما يجري هنا في إقليم كردستان، بل كان لأوضاع الإقليم الداخلية الأثر الأقوى.
* وكيف تتعاملون مع الوضع العراقي عامة؟
– الوضع العراقي مقلق لنا جدا. سبق أن نبهت وخلال الحوارات التي جرت بيننا ببغداد عن خطورة ما نحن فيه، وأن القادم أكثر خطورة خاصة في سياق ما يجري في سوريا وتداعيات الأوضاع هناك، وأرى أن الساحتين العراقية والسورية قد تداخلتا، وربما إن لم نتدارك الأمر فقد تصبحان ساحة حرب واحدة. غياب التوافق بين الأطراف السياسية العراقية، والأداء السياسي المتشتت، أديا إلى فشل كبير متمثل في غياب الخدمات، والفساد المستشري، والأمن المتهاوي. العراق سائر من وضع خطر إلى أخطر.. ومن سيئ إلى أسوأ. العراق يعيش حالة أزمات مستدامة، كل أزمة تلد أخرى أخطر وأعمق، هذه الدوامة الكارثية تحصد أرواح الأبرياء من العراقيين. ولولا الأسعار العالية للنفط لانهارت الدولة العراقية. أملي ونحن على أعتاب الانتخابات النيابية العراقية أن ننتظر رأي الناخب العراقي الذي لا أشك في أنه يتطلع لحياة أكثر استقرارا وأمانا، وعلى ضوء ذلك أن تكون التشكيلة الحكومية القادمة ببغداد تعبر عما يستحقه المواطن العراقي من أمن وأمان ورخاء.
* أنت كنت في بغداد، نائب رئيس الوزراء العراقي لدورتين، وتعرف طبيعة الأوضاع.. فكيف ترى مستقبل الأمور هناك؟
– الكارثة في العراق اليوم هي أن الاستقطاب الطائفي تعمق كثيرا، ويقابل هذا أن القيادات السياسية مشتتة وهناك أجندات مختلفة تتحكم في المشهد السياسي العراقي. أعرف أن المعادلة الداخلية صعبة جدا، فهناك إرث كبير من الدمار، والاستقطابات الاجتماعية منذ عهد صدام (حسين)، لكن هناك أداء سياسيا تعيسا وسيئا من النخبة الحاكمة في العراق. استباحة المال العام، وفشل إثر فشل في الملف الأمني والسياسي والخدمي، أضف إلى ذلك الأوضاع الخطيرة الملتهبة في المنطقة، والتدخل الخارجي في الشأن العراقي، وتداعيات الحرب في سوريا على أوضاعنا. كل هذا وذاك يشكل تحديات كبيرة تستوجب قيادة متبصرة قادرة على الدفاع عن المشروع الديمقراطي في العراق. أتمنى أن تكون الانتخابات التشريعية القادمة في العراق فرصة لأن يكون الناخب هو سيد الموقف، وقادرا على تقرير مصير بلده وإنهاء هذه الدوامة من الأزمات.
* مع ثقل الوجود السياسي والبرلماني والحكومي الكردي ببغداد، لم يشعر المواطن العراقي بأنكم انحزتم لقضايا العراق والعراقيين مثلما انحيازكم الكبير والمؤثر لقضايا الأكراد وإقليم كردستان ودفاعكم عن مصالحكم..
– أنا لا أنكر وجود مثل هذا التصور، لكني أقول إنصافا إن هناك شخصيات كردية كبيرة ببغداد وفي الإقليم من الرئيس طالباني إلى رئيس الإقليم مسعود بارزاني والأخ نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، وأنا كنت ببغداد مرات عديدة، وهناك آخرون تعاطوا مع المشروع الوطني العراقي، لكن هناك من يدفعنا بقوة ويضطرنا لأن ننزوي في الزاوية الكردية بعيدا عن الوضع العراقي، بل إن هناك بعض السياسيين العراقيين كانوا يقولون لنا «انتم عندكم إقليمكم وما عليكم بنا».
* وهل كنتم تستجيبون لمثل هذه الطروحات أو الدعوات؟
– لا.. لا ليس بالضرورة أن نستجيب. لكني لا أنكر أن هناك إخفاقا ليس بالقليل في الوضع الكردي، وكوننا جزءا مهما من العراق كان علينا أن نبدي اهتماما أكبر بالشأن العراقي ولكن هذا الاهتمام لم يكن بالمستوى المطلوب. علينا أن نفهم الوضع الاستراتيجي في العراق، وأن ما يجري ببغداد سوف يؤثر تأثيرا كبيرا علينا، حتى لو كنا ننطلق من الاهتمام بالوضع الكردي فعلينا أن نهتم بالأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في بغداد وبشكل فاعل وأكثر تأثيرا. إن شاء الله بعد الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق سنكون قادرين على وضع ترتيبات جديدة لدورنا في الشأن العراقي ككل. هذه التقسيمات الموجودة حاليا غير مقبولة، ومصلحتنا كأكراد تكمن في نجاح المشروع الوطني الديمقراطي، ونحن نؤمن بأن نجاح وازدهار الأوضاع في أربيل والسليمانية ودهوك مرتبط ارتباطا وثيقا بازدهار الأوضاع في البصرة والناصرية والنجف والأنبار ونينوى وبغداد، حتى من النواحي الأمنية والسياسية، ويجب أن يكون لنا دور مؤثر هناك.
* كيف تتعاطون مع الوضع السوري الراهن؟
– ما يحدث في سوريا حالة مأساوية ووصمة عار على جبين المجتمع الدولي لتقبله استمرار هذه المأساة وهذه الكوارث لأكثر من ثلاث سنوات. ربما هناك من يريد تبرير ما يجري بمفاهيم الصراع الاستراتيجي حول المنطقة، لكن في النهاية هناك ضحايا من المدنيين الأبرياء، وهذا يذكرني بما كنا عليه في كردستان والعراق والعالم متفرج وغير مكترث بمعاناتنا. وهناك أوجه للمقاربة بين ما جرى في أفغانستان وما يجري في سوريا اليوم. مشروع مجابهة النفوذ الإيراني في سوريا أدى إلى تكريس دوامة الإرهاب والطائفية والتطرف في سوريا، وخلق حالة لا تقل خطورة عما جرى في أفغانستان. فتحكم القاعدة والتكفيريين في مساحات واسعة في سوريا نذير شؤم للسوريين والمنطقة. سوريا اليوم بحاجة إلى حل سياسي عاجل يكون مدعوما من المجتمعين الإقليمي والدولي لإنهاء حالة العنف على أسس سياسية ومجابهة التطرف والديكتاتورية، ويكون للشعب السوري بمختلف تكويناته حقه في الحياة الحرة الكريمة بلا وصايات إقليمية أو دولية، وإنقاذ سوريا من دوامة العنف والتطرف. ?