عمل النظام السوري من خلال سياسة التضليل التي مارسها بطريقة ممنهجة خلال عدة عقود من الزمن على توجيه الرأي العام السوري و العربي منه خاصة أن الشعب الكردي في سوريا يشكل خطراً على البلاد و وحدتها من خلال توجيه التهم الباطلة بحقه، و منها على سبيل المثال أنهم لاجئون جاءوا من دول مجاورة و يعملون على اقتطاع جزء من الأراضي السورية و إلحقاها بدولة أجنبية، موفراً تحت غطاء هذه التهم الباطلة الحجج و الذرائع لممارسة سياسات عنصرية قامت على إضطهاد الكرد و حرمانهم من أبسط حقوقهم.
و لعل تجريد عشرات الآلاف من المواطنين الكرد من الجنسية و مشروع الحزام العربي العنصري من ابرز ما تفتقت عنه العقلية الشوفينية التي تميز بها و إن لم تكونا الوحيدتين حيث طال القمع و الإضطهاد معظم جوانب حياة أبناء الشعب الكردي في سوريا.
و مع إنطلاقة ثورة الشعب السوري و المشاركة الفعالة للكرد فيها بدت في الأفق ملامح تغيير تلك الصورة النمطية التي ترسخت في عقول السوريين تجاه الكرد، عندما مارس النظام ذات السيناريو مع ثورتهم واصفاً إياها أنها نتاج قوى خارجية استعمارية صهيونية و امبريالية، و أنها مؤامرة كونية تستهدف سوريا كدولة، لذا فلم يكن من المستغرب أن نجد إثر ذلك شعارات التضامن مع الكرد و قضيتهم تهتف في شوراع المدن السورية، و أن يحمل السوريون الأعلام الكردية و اللافتات التي تؤكد على عدالة قضيتهم و حقوقهم في ظل سوريا الجديدة.
في ذات الوقت لم تجد هذه القضية ذلك التفهم من قبل قوى المعارضة، فبقيت مقاربتها للقضية الكردية قريبة من الفكر العنصري، و ذلك يعود إلى عدة أسباب منها وقوعها تحت تأثير قوى اقليمية جاهدت و لا تزال لطمس القضية الكردية و أخرى لأن بعض الشوفينين الذين تربوا في مدرسة البعث و وجدوا انفسهم بين ليلة و ضحاها معارضين لهذا النظام وصلوا لمراكز القرار في مجالس المعارضة و ارتباطاتهم مع تلك القوى الاقليمية التي لا تريد لسوريا أن تنعم بالديمقراطية و الاستقرار.
و هذا ما يستدعي من كل القوى الثورية الحقيقية التي قدمت التضحيات الكبيرة من اجل بناء سوريا الجديدة كدولة ديمقراطية تعددية برلمانية تحقق المساواة بين ابنائها، أن تأخذ دورها في تصحيح مسار هذه الثورة و من بينها الاقرار بوجود الشعب الكردي و ضمان حل قضيته حلاً ديمقراطياً في المستقبل، لأن على الجميع أن يدرك جيداً أن لا ديمقراطية في سوريا دون حل هذه القضية.