مع اشتداد العنف والعنف الموازي ، واتساع رقعة الصراع المسلح داخل البلاد ، بات واضحا ًازدياد المخاوف الشعبية من احتمال إلقاء العنف والصراع بظلالهما على المجتمعات المحلية بعيداً عن مجرى الصراع الرئيسي الرامي إلى إحداث التغيير في بنية النظام القائم ، ذلك أنَّ بنية المجتمع السوري التي استحكم بمفاصلها النظام الأمني – القمعي لعقودٍ طوال عطَّلت الدور الإيجابي للمجتمع في تحمُّل أعباءه في الحفاظ على السلم الأهلي وقيم العيش المشترك .
إنَّ بذور الشك والريبة المتبادلة بين المكونات السورية هي نتاج طغيان ثقافة الحزب الواحد على الدولة والمجتمع ، والتي حالت دون اتفاق المكونات الوطنية، من قومية ودينية و مذهبية ، على الصيغ التي تهدف الحفاظ على صيغ العيش المشترك كما كانت عليه سوريا قبل وصول الحكومات المتدثرة بعباءة القومية العربية .
كما تشكل قضايا التهميش والإضطهاد والإستعلاء القومي ، أو الديني التي لحقت بشرائح واسعة من أبناء الوطن الواحد سبباً إضافياً حال دون بلوغ الأهداف السامية المرتجاة من نشر ثقافة السلم الأهلي وتطبيقها .
وعليه فإن إعادة صياغة سوريا تعددية تعترف فيها المكونات الوطنية لبعضها بحق الوجود ، و الإختلاف ، والمساواة التامة بحاجة لتضافر جهود الوطنيين ، وعملهم المستمر لإنهاء ميراث النظام القائم أساساً على مبدأ ( فرِّق تسد ) ، لتكون هذه المحاولات خطوةٌ في الإتجاه الصحيح ، تعزز حظوظ التفاهم الوطني .
وفي الأثناء تطلُّ مسألة السلم الأهلي برأسها على اعتبارها واحدةً من المسائل اليومية المهمة في المناطق الكردية وفي المناطق المختلطة إثنياً أو دينياً ، وتتطلب التعجيل في بناء مجالس تكون مهمتها الحفاظ على السلم الأهلي على مستوى المدن والأرياف ، تكون من مهامها إبعاد المجتمعات المحلية عن حلبة الصراعات المسلحة ، والحؤول دون إنفجار الأوضاع الناجمة عن الفتن العرقية ، أو الدينية ، أو المذهبية وتسد الطريق أمام أولئك المتربصين بأمن المواطنين على السواء ، والدعوة إلى تحكيم العقل والحوار لحل المنازعات التي وقعت ، أو قد تنشب في أي لحظة .
إن بناء مجالس للسلم الأهلي ينبغي أن تستند إلى دعم المجتمع لها من جهة ، والحضور القوي للشخصيات الممثلة للقوى السياسية والمجتمعية والروحية والعشائرية من ذوي الخبرة والسيرة الحميدة في فض المنازعات في تشكيلة هذه المجالس من جهة أخرى .
ولعله من البديهي القول إن سلطة مجالس السلم الأهلي سلطةٌ رمزية تنال قوتها من شعبية تمثيلها ، أي بعد أن تتوافر لها الشروط الذاتية والموضوعية لأجل إنجاحها ، وأنها لن تكون بديلاً عن سلطة الدولة ، لكنها في حالات إنعدام تلك السلطة ، أو في حال غيابها قد تشكل حلاً مؤقتاً مناسباً ، ومعبراً آمناً للمواطنين على إختلاف هوياتهم تجنبهم الفتنة والاقتتال و السلاح .
في السياق ذاته فإن نطاق بناء مجالس السلم الأهلي ليس حكراً على المناطق المختلطة ، بل حريُّ بالمناطق التي يغلب عليها اللون القومي ، أو الديني الواحد أن تبادر إلى تشكيل مجالسها ، أو تعزز دورها إن كانت قائمة أساساً ، فالنزاعات قد تحدث بين أبناء القومية الواحدة ، أو الديانة الواحدة أيضاً .
لذا فإننا في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ، في الوقت الذي نعتبر السلم الأهلي مسألة وطنية وقومية ، فإننا ندعوا إلى دعم كل المبادرات التي تفضي إلى إرساء الإستقرار ، والسلم الأهلي ، وقيم العيش المشترك بين المكونات عموماً ، كما لن ندخر جهداً في دعم وتفعيل المجالس الهادفة إلى منع اندلاع الفتن والأزمات إلى مجتمعنا ، وأننا سنشد على كل يدٍ يعمل على إعلاء شأن ومنطق السلم والتعايش والتفاهم لعلنا نساهم بجسر الهوة بين أبناء الوطن الواحد .