على جانبي خط التماس في مدينة حلب المقسومة بين القوات النظامية السورية ومقاتلي المعارضة، يعيش مواطنون يفرقهم بشكل عام الموقف السياسي، لكن يجمعهم خوف واحد، الخوف من القناصين المختبئين في بقايا الابنية المهدمة.
ويقول احمد ابو زيد في القسم الغربي من المدينة الواقع تحت سيطرة قوات النظام ان عليه ان يجتاز ستة شوارع مكشوفة لنيران القناصة حين يغادر او يعود الى منزله في حي سليمان الحلبي في وسط حلب.
كل يوم، قبل ان يغادر بيته، يقدم صلاة يقول فيها “اذا اطلقوا علي النار، فاجعل يا رب ان يستهدفوا راسي او قلبي لاموت على الفور. لا اريد ان اعيش محروما من احد اطرافي طيلة حياتي”.
وبدأت المعركة في ما كان يعرف بالعاصمة الاقتصادية لسوريا في صيف 2012 عندما انتشر مقاتلو المعارضة في اكثر من نصف المدينة. وارتسم خط تماس بين الجانبين، يذكِّر بخطوط التماس في بيروت خلال الحرب الاهلية (1975-1990).
ويروي احمد لصحافي في وكالة فرانس زار حلب (شمال) “يكون الوضع هادئا، ثم فجأة، تشتعل الجبهة. في احدى المرات، سقطت 42 قذيفة في الحي، بينها 16 على المبنى الذي اقطنه. ودمرت احداها مطبخنا”.
ويمتد خط التماس على مسافة عشرين كيلومترا تقريبا.
في القسم الشرقي، وفي حي الصاخور الواقع قبالة سليمان الحلبي، يتحدث خالد كنجو عن الخوف ذاته. “هنا القنص شغال، هناك اربعة او خمسة شوارع مرصودة يجب ان نمر بها لنشتري حاجياتنا”.
ويقول ابو وجدي من جهته “القناص من حي سليمان الحلبي ذبح الناس هنا”. ثم يضيف وهو يشير الى باص اخضر مصاب بطلقات نارية وقذائف ملقى على جنبه في طرف الشارع، “وضعنا الباص في وسط الطريق لكي لا يرى القناص الناس الذين يمرون من هنا”.
ويتابع “نحن الشعب ما ذنبنا لكي يضربنا (النظام) بالقناصات والطائرات؟”.
على مقربة منه، التقط مصور فيديو لوكالة فرانس برس مشاهد لقناص داخل غرفة مبنى طليت جدرانها بالاصفر، لكن تبدو فيها آثار القصف. وكان القناص يحاول تحكيم ادخال البندقية في ثغرة صغيرة في الحائط.
في حي الميدان المجاور لسليمان الحلبي في القسم الغربي، تم نصب شادر طويل في الشارع الرئيسي للهروب من عيني القناصة المنتشرين على بعد حوالى مئة متر في حي الشيخ خضر.
ويقول صاموئيل كريكوريان الذي يعمل في صناعة الوسادات، ويسكن في مكان ابعد من مكان نصب الشادر لجهة الغرب، انه يكون “مكشوفا تماما” عندما يسلك طريق العودة الى منزله.
ويضيف الرجل الخمسيني “أرفع الشادر وأمر تحته. هذا امر خطر جدا. رايت رجلا يقتل امام عيني. ولكن ما العمل؟”.
ويتابع “في الصباح، أنتظر لينزل اشخاص غيري الى الشارع لاتمكن من التسلل. هذه طريقتي لانتصر على الخوف”.
في الجانب الآخر، يشعر السكان بالرعب ايضا من البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام بشكل شبه يومي وعشوائي.
ويقول ابو محمد (43 عاما) الذي نزح مع عائلته من منطقة قريبة الى حي الشيخ خضر المقابل لحي الميدان، “الامور صعبة جدا بسبب الاكل والحاجيات وكيفية الحصول عليها… اصوات براميل وقذائف ومدفعية. عندما يبدأ القصف، يرتعب الاولاد، لا يعودون يخرجون الى الشارع ولا يلعبون ولا يتحركون”.
ويضيف “لا مكان لنا غير هنا. الى اين نذهب؟”.
على الرغم من الخوف يبدو الناس وكانهم اعتادوا الظروف الاستثنائية.
في حي سليمان الحلبي، يقول محمد (12 عاما) انه يمر يوميا في ذهابه وايابه مع رفاقه قرب تلال ترابية يتمركز الى جانبها جنود.
ويروي “عندما يقصف المسلحون، نهرب. لقد اصيب صديقي محمد حجو في يده برصاص قناص، ولم يعد الى المدرسة”.
في حي الشيخ خضر، خلال فترة من الهدوء، يمكن مشاهدة اطفال يلعبون، بعضهم على دراجات نارية، على مقربة من خط التماس.
باستثناء تلك العائلات التي تتمسك بالبقاء في منازلها في هذا الجانب او ذاك، جزء كبير من الابنية في هذه الاحياء مدمرة. بعض الطرق التي لم تسلك منذ فترة طويلة غزاها العشب، وانتشر في وسطها الركام.
ويقول احمد ابو زيد “قبل ان يتم طرد المسلحين من حي سليمان الحلبي على يد الجيش، كنا العائلة الوحيدة هنا، وكنا نقفل بوابة المبنى بسلسلة حديدية. ثم عاد بعض السكان، ووصل نازحون… لا يمكننا الذهاب الى اي مكان آخر”.
نقلا عن ايلاف