عندما يبدو رجل بصبر وبراغماتية الأخضر الإبراهيمي, المبعوث الأمم الخاص إلى سوريا, قريبا من اليأس, فإن ذلك يعد بمثابة مؤشر لمدى السوء الذي وصلت إليه الأمور. لم يكن لدى أحد أية آمال كبيرة حول نجاح المحادثات في جنيف التي عقدت من أجل إيجاد تسوية للحرب الأهلية في سوريا. ولكن عندما انتهت الجولة الثانية من المحادثات في 15 فبراير مع عدم وجود أية خطط لاستئناف المحادثات, كانت الكآبة واضحة على محيا الجميع. ومع اعتذار السيد الإبراهيمي للشعب السوري لفشل إحراز أي تقدم حتى على صعيد المستوى الإنساني, بدأت الشكوك تتزايد في أن إدارة أوباما ربما تعيد التفكير أخيرا في استراتيجية الحد الأدنى في سياسة سوريا التي تتبعها.
مع رفض فريق تفاوض الأسد الدخول في محادثات حول إنشاء هيئة حكومية انتقالية (التي كان من المفروض أنها الهدف الرئيس للمؤتمر), إضافة إلى دعم روسيا لتعنته, أكد ذلك حصول الأسوأ بالنسبة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري. سياسة أمريكا في التدخل المحدود في الأزمة السورية تركها دون أي رافعة أو نفوذ في هذا الصراع. مع استمرار دعم إيران وروسيا, ووجود معارضة منقسمة على نفسها وقوات معارضة غير مؤهلة, يعتقد بشار الأسد أن بإمكانه النجاة.
في 17 فبراير, كشف السيد كيري عن شيئ من إحباطه حينما قال :” النظام عطل كل شيء, ولم يقم بأي شيء عدا الاستمرار في إلقاء البراميل المتفجرة على شعبه والاستمرار في تدمير بلاده. ويؤسفني أن أقول إن النظام يقوم بذلك مع دعم متزايد من إيران وحزب الله وروسيا”.
مدعوما من حزب الله, صعد جيش الأسد هجومه ضد القلمون ويبرود, بالقرب من الحدود مع لبنان. وأصبحت البراميل المتفجرة أفضل أسلحة الإرهاب لدى النظام. هذه البراميل عبارة عن حاويات نفط قديمة أو عبوات تخزين معدنية محشوة بالمتفجرات والوقود والخردة المعدنية يتم إلقاؤها من مرحيات (روسية الصنع) على المناطق المدنية الخاضعة لسيطرة المتمردين. بصورة بدائية وعشوائية, فإن هذه البراميل تنفجر عند الإرتطام وتدمر المباني وتقتل وتشوه الناس على مدى مساحة كبيرة. إحدى هذه البراميل سقطت في 18 فبراير بالقرب من مدرسة في قرية مزيريب جنوب دمشق مؤديا إلى قتل 18 شخص, 15 منهم من اللاجئين الفلسطينيين. استخدام هذه البراميل في حلب, إحدى أكبر مدن سوريا, أدى إلى إفراغ أحياء كاملة من سكانها.
عمال الإغاثة في الأمم المتحدة يقولون إن ما يقرب من 500000 شخص يائس فروا من حلب في الأسابيع الأخيرة, وتدفقوا إلى البلدات الصغيرة في الريف المحيط وعبروا الحدود إلى تركيا أو لبنان. استراتيجية الأسد يبدو أنها تهدف إلى إعادة السيطرة على هذه المناطق عن طريق إفراغ السكان الذين يعيشون هناك.
السيد الأسد يحاول أيضا ضمان أن الدول الغربية ترى أنه لاعب أساسي لمستقبل بلاده. يعتقد الدبلوماسيون إن تأجيله شحن الأسلحة الكيماوية خارج البلاد, الأمر الذي تم الاتفاق عليه في شهر سبتمبر الماضي, ما هو إلا طريقة منه لضمان أنه سوف يحتفظ بدوره. كما أنه يريد إقناع الغرب بأن نظامه هو الشريك الوحيد القادر على التعامل مع الميليشيات المرتبطة بالقاعدة في سوريا.
يبدو أن الغرب أقل رغبة في قبول مثل هذا الأمر مما كان عليه قبل شهر تقريبا. تصميم السيد كيري الواضح على إقناع السيد باراك أوباما على لعب دور أكثر نشاطا تأكد في الاجتماع الذي تم في واشنطن دي سي والذي حضره رؤساء مخابرات من تحالف الدول الصديقة لسوريا, الذين يرغبون في تنحي السيد الأسد. مسئولو المخابرات من فرنسا وبريطانيا والسعودية وتركيا وقطر والإمارات وآخرين خرجوا بنتيجة مفادها أن الدبلوماسية سوف تكون غير مجدية حتى تتراجع ثقة الأسد في إمكانية الحسم العسكري.
من أجل الوصول إلى تلك النتيجة, حصل هناك الكثيرمن الجدل حول كيفية تقديم الأسلحة الفتاكة للمجوعات المتمردة التي تشمل أسلحة ثقيلة وصواريخ مضادة للطيران محمولة على الكتف والتي تعرف باسم “مان بادز”. هناك حاجة إلى المان بادز من أجل إسقاط مروحيات النظام, ولكن أمريكا رفضت إرسال أي منها إلى سوريا خوفا من أن تقع في نهاية الأمر في أيدي المتمردين التابعين للقاعدة. في محاولة لإقناعهم بأن ذلك لن يحدث, غير الجيش السوري الحر المدعوم غربيا رئيس هيئة أركانه الجنرال سليم إدريس, في 16 فبراير, بسبب فشله المزعوم في توحيد مجموعات المتمردين وإنشاء قناة موثوقة لتوزيع السلاح.
هل السيد أوباما فعلا على وشك إطلاق غضبه للتدخل بطريقة يمكن أن تغير التوازن العسكري وتقنع الأسد وداعميه أنهم تحت التهديد؟ الوعود الماضية لم تأت بأي نتيجة. ولكن بعد تحطم قطار الدبلوماسية في جنيف, يقال إن السيد أوباما يريد من السيد كيري ومستشاريه العسكريين أن يأتوا بشيء أكثر جرأة. ربما فشل السياسة الذريع يمكن أن يركز العقل.