انتقلت الأزمة السورية الى ميدان لا مكان فيه للاعبين الصغار، ونشاط الوفدين المفاوضين بات محكوماً بعلاقة شبيهة بعلاقة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن. وقد ظهر الخلاف بين الطرفين بتجلٍ في الحراك الذي شهدته مدينة جنيف خلال الساعات الـ48 الاخيرة. وفي حين غابت المواقف الاميركية المباشرة عن الإعلام، تكفل الروس إظهار الأزمة بكل تجلياتها من خلال المواقف التي اعلنت والتي أبرزت ابتعاداً الى أقصى الحدود عن منطق علاقة دولتين راعيتين للمفاوضات.
وجُلَ ما أمكن الممثل الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية في سوريا الاخضر الإبرهيمي انتزاعه من مساعدة وزير الخارجية الاميركي ويندي شيرمان ونائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف بعد ظهر أمس في المقر الاوروبي للامم المتحدة، هو تمديد للتفويض باستمرار عملية التفاوض من دون أن يكون لذلك أي رصيد يستخدمه الممثل الخاص في سعيه الى فتح ثغرة في الجدار السميك الذي يفصل بين طرفي النزاع السوريين.
وانتقدت أوساط ديبلوماسية غربية في جنيف عبر “النهار” الجانب الروسي بسبب ما قالت انه تبنيه الكامل للموقف السوري وإصراره على عدم مناقشة أي طرح خارج هذا الاطار. واستشهدت بحديث أدلى به غاتيلوف عصر الاربعاء في جنيف ودعا فيه الى “البحث في كل المسائل الملحة وهي محاربة الإرهاب ودراسة الوضع الإنساني وإمكان التوصل الى هدنة تسمح بإيصال المساعدات الإنسانية الى أكثر من مدينة في سوريا، والحديث بشكل عام عن المستقبل السياسي لسوريا”. واعتبرت أن عدم ادراج البند المتعلق بتشكيل الهيئة الانتقالية ضمن أولويات الجانب الروسي أمر مستغرب ويتعارض مع وثيقة جنيف.
ووضع الابرهيمي خلال مؤتمر صحافي، اللقاء الثلاثي في اطار اللقاءات الدورية “لإطلاع الدولتين الراعيتين على تطورات المفاوضات”، وأعلن دعم الروس والأميركيين “لكل ما نسعى الى القيام به ووعدونا بتقديم المساعدة هنا أو في عواصمهم أو في أي مكان آخر من أجل زحزحة المواقف”.
وسألته”النهار” عما اذا كانت ثمة نية لعقد جلسة جديدة اليوم أو جولة جديدة من المفاوضات، قال: “ان شاء الله”، لكنه رفض تحديد موعد لهذه الجولة. وفي اشارة الى أن الجولة المقبلة لن تكون قريبة، أوضح أنه سيقوم بزيارة نيويورك من أجل تقديم تقريره الدوري عن المفاوضات السورية الى الامين العام للأمم المتحدة بان كي – مون “وربما الى مجلس الأمن”، رافضاً تحديد موعد لهذه الزيارة. ونقل الابرهيمي موقفاً مغايراً للموقف الروسي حول طرح التوازي بين البندين الأول والثامن من وثيقة جنيف1 قائلاً: “لا أعتقد أنهم يعارضون الفكرة، لن نحل العنف والإرهاب ولن نتوصل الى الهيئة الانتقالية هذا الاسبوع والهدف هو وضع هذه النقاط على الطاولة”.
وردا على سؤال عما إذا كانت العملية كلها قد فشلت، قال: “الفشل يحدق بنا دوماً”.
وتعليقاً على اللقاء الثلاثي، قال مصدر رسمي في وزارة الخارجية الاميركية إن الحديث تناول سبل بذل الجهود الافضل لدفع جنيف2، وأضاف: “نقرّ بان المفاوضات صعبة والحوار ركز على مجموعة المشاكل التي تواجه هذه المفاوضات”. وأشار الى أن وفد “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” قدم خلال المفاوضات مجموعة من الاقتراحات البناءة، مشدداً على مواصلة العمل الدؤوب من أجل مواصلة هذه المفاوضات وعلى أن الولايات المتحدة ستواصل دعمها لعملية التفاوض “من أجل أن تتقدم”.
وبعد اللقاء الثلاثي في مقر الامم المتحدة، عاد ممثلا الدولتين الراعيتين كل الى حليفه لإطلاعه على فحوى اللقاء وما توصل اليه من نتائج، وعلى هذا الاساس التقت شيرمان وفد الائتلاف في فندق “الانتركونتيننتال”، كما زار غاتيلوف وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مقر اقامته في “فندق “السلام”. وصرح عضو وفد المعارضة بدر جاموس عقب الاجتماع مع شيرمان إن اجتماعها مع الابرهيمي وغاتيلوف “لم يكن ناجحا”.
وقال المعلم: “لا نزال مستمرين في المسار السياسي وفق بيان جنيف وسنحضر الجولة المقبلة عندما يتم الاتفاق معنا على موعدها”
وكانت اللقاءات الجانبية قد توسعت في ساعات بعد الظهر، عقد لقاء مفاجئ جمع قسماً من الوفد الروسي المتابع للمفاوضات والوفد السوري المعارض في مقر اقامة الوفد السوري المعارض من دون حضور غاتيلوف، مما اعتُبر احتجاجاً على عدم حضور رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا الى جنيف كما كان مقرراً للقاء غاتيلوف أمس. وعلم في هذا الاطار من مصادر في الائتلاف السوري أن الجربا لم يحضر للقاء غاتيلوف احتجاجاً على المواقف الروسية الأخيرة “التي عقدت الامور أمام المفاوضات بدل العمل على تسهيلها من خلال الضغط على حليفها (الرئيس السوري) بشار الاسد”. ووصفت هذه الاوساط الموقف الروسي بانه”مشين” ولا يأبه “لآلام الشعب السوري”. واعربت عن خيبة امل كبيرة من موقف موسكو وخصوصاً الحراك الديبلوماسي في الامم المتحدة في نيويورك.
واعلنت الامم المتحدة إن الابرهيمي سيجتمع اليوم مع الوفدين السوريين في مفاوضات السلام لاجراء مزيد من المحادثات في جنيف.
وفي نيويورك (علي بردى) قال المندوب الروسي الدائم لدى الامم المتحدة السفير فيتالي تشوركين ان بلاده منفتحة على دمج مشروع القرار الانساني الذي قدمته الى مجلس الامن في شأن سوريا مع مشروع القرار الذي قدمته اللوكسمبور وأوستراليا والاردن واكد ان روسيا لا تحاول ان تكسب الوقت او انها تعمد الى المماطلة، مشيراً الى انها تعمل على اصدار بيان رئاسي في شأن مكافحة الارهاب.
نقلا عن النهار اللبنانية