الأكراد يلامسون الربيع العربي

Share Button

6يدرك الأكراد أنهم يشكلون في الدول التي يقطنونها في الشرق الأوسط جماعة متمايزة عن غيرها من الجماعات،كما يفضلون تسمية كرد-ويكتبونها كورد- على مصطلح الأكراد الذي دأب العرب على إطلاقه عليهم. فلفظ الكرد في ذهن الأكراد يضعهم على قدم المساواة مع العرب والفرس.

وفي مطلع 2013، أورد المقال الافتتاحي لجريدة الجارديان البريطانية أن الأكراد قد يكونون الفائز الأكبر من الانتفاضات العربية والحرب الدائرة في سوريا(1). وفي أبريل من العام ذاته،رأي مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، أن الظروف قد باتت مواتية لعقد مؤتمر قومي كردي تشارك فيه القوي الكردية بكل من العراق،وسوريا،وإيران،وتركيا،وأكد أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الشعب الكردي.

بينما يرى الخبير في الشئون الكردية الدكتور أحمد عبد الحافظ فواز أن الكردي أضحي أمام حالة من استعادة الوعي القومي،والإحساس بقدرته على التأثير والتغيير عبر فرصة تاريخية قد لا تتكرر لنيل ما يراها حقوقه، في ظل السياقات الاستراتيجية الجديدة التي تشكلت بالمنطقة،وجملة التحديات المتصاعدة أمام النظم السياسية العربية. ويحذر محللون أتراك من أن الحديث عن كردستان الكبري لم يعد أمرا بعيد المنال،في ظل إعادة التشكيل الحالي للجغرافيا السياسية بالشرق الأوسط،مما يشكل تحديا للدول الأربع التي يقطنها الأكراد. أخذا في الحسبان تلك التطورات،وفي ظل التوترات التي تشهدها العلاقة بين بغداد وأربيل-عاصمة إقليم كردستان العراق- والصراع الدائر في سوريا.

– بداية، يلزم توضيح أنه لا تتوافر إحصاءات دقيقة عن إجمالي عدد الأكراد أو تعدادهم في كل دولة يعيشون فيها. تتراوح التقديرات الإجمالية ما بين 25و 45 مليون نسمة،وبعض الأدبيات الكردية تصنفهم كرابع أكبر”إثنية” في الشرق الأوسط بعد كل من العرب،والإيرانيين،والأتراك(6). وتعد الديموجرافيا الإثنية مسألة محورية في العراق. ففي الوقت الذي يقطن العرب فيه الأجزاء الوسطي والجنوبية من الدولة،يتركز الأكراد وبعض التركمان والآشوريين في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد. ويمثل العرب نحو80٪من إجمالي السكان،بينما يمثل الأكراد ما بين15و20٪،ويصل عددهم إلي نحو5 ملايين(7). وفي سوريا،يعيشون بمناطق متفرقة بشمال البلاد،ويصل عددهم إلي نحو مليوني نسمة.

وفي تركيا،حيث يعيش العدد الأكبر من الأكراد،تصل بعض التقديرات لنحو 20 مليون نسمة يتركزون شرق البلاد.

وفي إيران،تقدر أعدادهم بنحو 8 ملايين نسمة. لقد عاني الأكراد الاضطهاد بالفعل في عصور سابقة،وقد يكون من الإنصاف أن يتاح لهم تسيير شئون أقاليمهم في الدول التي ينتمون إليها. لكنهم في التجربة العراقية أسهموا في تهميش العرب السنة عبر التحالف مع المالكي الذي تنكر لحلفائه فيما بعد. كما بدا في أوقات تدهور العلاقة مع المالكي أن سعيهم للتقارب مع السنة،أو مع أطراف شيعية أخرى ما كان إلا لتوجيه رسالة للمالكي للضغط عليه لقبول شروطهم،إذا ما أراد استمرار التحالف. ولا يشعر عرب العراق عموما بالارتياح حيال المناوشات التي تحدث بين الحين والآخر بين الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية،في ظل تنامي قوة البشمركة،وتقديرات أعدادها التي زادت على200ألف مقاتل،وهو ما يفوق حجم الجيش العراقي. هذه القوات لا تخضع لقيادة الجيش،ويخشي من أن تجعلها أجندتها الخاصة قوات شبيهة بقوات حزب الله في لبنان. كما أن سلوك الأكراد حيال قضية المناطق المتنازع عليها،وحديث بعض دوائر الإعلام الكردي عنها كأراض محتلة، أو توصيف ساسة الأكراد لها بالأراضي الكردستانية خارج إقليم كردستان، أو القول بعدم قبول مناقشة هويتها الكردية، كلها أمور تعد استباقا للحل السياسي،حتي ذلك المستند إلي المادة140من الدستور العراقي التي تنص على إجراء استفتاء داخل هذه المناطق لتحديد مصيرها،وهي المادة التي يطالب الأكراد بتطبيقها،ويرى العرب السنة أنها من مواد الدستور التي صيغت لتعكس مصالح الأكراد.

كذلك الحديث من آن لآخر عن إمكانية الانفصال عن العراق،إذا ما أصبح مكانا لا يستطيعون العيش فيه. فرغم أنه ينقل الرسالة المطلوبة للحلفاء الشيعة،فإنه أيضا يزيد من قلق العرب السنة إزاء النيات الانفصالية للأكراد،ويرونه نوعا من الابتزاز يمارسه الأكراد ضد المركز. ذلك الابتزاز يستشعره العرب أيضا عندما تتزايد مطالب أكراد سوريا مطلبا تلو الآخر،دون مراعاة للظرف التاريخي،أو عندما يتم ربط مشاركتهم أو حيادهم بشروط لا يقبلون التفاوض حولها. هذا السلوك الكردي ربما يمكن تفهمه،في ضوء مخاوف الأكراد من أن دعم تركيا للمجلس الوطني السوري يعني ضمنيا عدم الاستجابة للمطالب الكردية.

بالإضافة للقيود الدولية،فإنه يصعب الحديث عن دولة كردية موحدة تجمع الأكراد،في ظل حالة الانقسام التي يعيشها الأكراد،سواء كان داخليا أو إقليميا. فانقسامات أكراد سوريا واضحة. وفي العراق،ورغم الاتفاق الظاهر بين الحزبين الكرديين الكبيرين،فإن الخلافات بينهما تخرج للسطح أحيانا،عندما تتوتر العلاقات،كما حدث في قضايا مثل مسودة دستور كردستان،أو هيمنة حزب البارزاني على دائرة العلاقات الخارجية.

كما لا يخلو الأمر من تنافس حول من يتحدث باسم الأكراد إقليميا،فالبارزاني يسعي لجعل أربيل هي مفتاح الحل،والمتحدث الرسمي لأكراد المنطقة،في حين يرى حزب العمال الكردستاني أنه الأقوي والأجدر بتحمل هذه المسئولية،أو يمكنه القيام بدور مماثل لأربيل. أخيرا يمكن القول إنه على المدى القصير،ربما يحقق الأكراد داخل العراق وسوريا وتركيا بعض المكاسب السياسية والاقتصادية التي ستقدمها هذه الدول،في ظل الضغوط الداخلية التي تتعرض لها حاليا الأنظمة في تلك الدول،وسعيها إلي تجنب فتح جبهات مواجهة داخلية جديدة،وكي تمنح لنفسها الوقت اللازم للتعامل مع تحديات أخرى. ولكنها لن تسمح بدولة مستقلة لهؤلاء الأكراد،سواء داخلها أو عبر اتحاد إقليمي،ولن تتعامل مع الأكراد كقضية إقليمية واحدة تعبر حدود هذه الدول. لكن ذلك لن يمنع قادة أكراد العراق وتركيا من استمرار الروابط مع أقرانهم في سوريا وإيران. أما أكراد إيران،فسيظل وضعهم الأكثرغموضا،في ظل حالة التعتيم الإيرانية التي تفرضها على قضيتهم،وعدم ظهور أية بوادر حكومية لتحسين أوضاعهم.

الاسلام اليوم

 

Share Button

عن PDPKS

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدور العدد 89 من التقدمي

صدر العدد الجديد 89 من جريدة التقدمي، الشهرية الصادرة عن مكتب الثقافة و الاعلام في ...